انفردت ليبيا باعتبار يوم الثلاثاء الثاني عشر من مارس بداية لشهر رمضان المبارك خلافا ليوم الإثنين الذي رجحته كل من مصر وتونس والجزائر ودول الخليج العربي، وبقدر ما تأثر الكثيرون نفسيا من هذا الانفراد بقدر ما خفف عليهم عدم الاختلاف بين غرب البلاد وشرقها، فقد اتفقنا على الأقل في هذه الشعيرة أمام الآخرين، صحيح أن التاريخ الليبي في مسألة الأهلّة حفظ بعض الشواهد، إن يكن ذلك بخصوص هلال العيد زمن الإدارة البريطانية عندما وصف الشاعر المهدوي القاضي بسارق العيد وشبّه العيد بمال اليتامى، وكرر النظام السابق ذات الموقف عندما نحرنا يوم عرفة وحجاجنا في عرفات كما لو كنا في المغرب الأقصى الذين يعولون فقط على رؤيتهم الناتجة عن موقعهم الجغرافي، وهكذا شهدنا معشر الليبيين ما ذكرنا بموقف ذلك القاضي حول هلال العيد قبل الاستقلال والانفراد بذبح الأضحية يوم عرفة زمن الفاتح، ويتزامن صومنا هذا العام مع الثاني عشر من مارس الذي هو عيد ميلاد الراحل إدريس السنوسي أول وآخر ملك بدولة الاستقلال، الذي كان عيد ميلاده أحد الأعياد الرسمية التي تُعطّلُ فيها الدوائر الرسمية طيلة بقاء ذلك العهد، أما حلوله بالذاكرة فقد بدأ منذ عودته من المهجر في العام السادس والأربعين من القرن الماضي وفي تاريخه لقب الإمارة الذي استحقه في أول معاهدة مع الإيطاليين عندما غزوا البلاد ووقف أمامهم المقاتلون الليبيون واضطرتهم المعارك إلى التفاوض. إنها المرحلة التي تعززت ببيعة مؤتمر غريان في العام الثاني والعشرين من القرن الماضي، وكذلك الاتفاق الذي أبرم مع الإنجليز في الحرب العالمية الثانية وتوجه الجيش الثامن الزاحف بقيادة مونتجمري ومعه الجيش الذي تشكل من الليبيين وخاض عديد المعارك رهانا على النصر ومن ثم الظفر بالحرية حيث كانت النهاية أخيرا في حصول ليبيا على استقلالها وتبوأ الملك إدريس عرشها واعتبار يوم مولده ضمن أعيادها الرسمية، وتشاء المقادير في أيامنا هذه وبعد أن خفت في الذاكرة بعض الوقت أن يتزامن في عام الناس هذا مع مطلع شهر الصوم الذي انفردت به ليبيا الرسمية عن غربها وشرقها واتفقت على بدايته تفاؤلا بتحرك قطار الاتفاق. وإذا كانت مطر مارس ذهبْ خالص، فقد تكون ذكرى 12 مارس غير المُرَتّبة خير ما قد يخفف على النفوس الميالة لمظاهر التجمع من طعم مرارة هذا الانفراد الذي لا يحسّه سوى الذي فُطِرَ على السير بقوة نحو الإجماع.