ذلك هو عنوان الكتاب الذي اضطلعت بنشره دار «الرواد»، تأليف الكريمين عبد القادر حسين، والهادي إبراهيم الكيلاني، حاملا مختصر سيرة الزعيم بشير السعداوي أحد أبرز رموز الكفاح الوطني للاحتلال الإيطالي الذي بدأ بغزو الشواطئ الليبية في العام الحادي عشر من القرن الماضي فرفضه الشعب الليبي وطلائعه المُدركة لقيمة الحرية مستفيدة من إعلان تركيا للاستقلال عندما اضطرت إلى توقيع معاهدة أوشي، فكان السعداوي الذي بلغ من الوعي والمركز الوظيفي ما أهّله أن يتقدم الصفوف منطلقًا من مكان عمله وقبل ذلك مولده وتكوينه في مدينة الخُمس، ناذراً نفسه للوطن جامعاً في الدفاع بين السلاح والسياسة كما شهدت جميع الآثار المكتوبة من قبل الآخرين، تلك التي لم تدّخر كل ما يحمل أنصع الصفحات ابتداءً من مؤتمر غريان الشهير الذي تبنّى فكرة توحيد القيادة والسلطة وخلع صفة الإمارة على من رؤيت فيه الأهلية السيد إدريس السنوسي الذي بُويع كشخص، فإذا ما قُدِّرَ للكفة الاستعمارية أن ترجح وتكون الهجرة التي لا مفر منها، كان التواصل في الخارج قائماً على ذات الغاية، بل لقد كانت فرص العمل التي وجدها السعداوي ابتداءً من الشام وحتى السعودية مرتبطة أوثق الارتباط بالوطن، حتى أن الملك عبد العزيز ملك السعودية شارك في إقناع السعداوي لقبول الدور المطلوب منه «عقب الحرب العالمية الثانية» حول ليبيا وما يدور حولها من صراع لا مخرج منه دون القبول بالحكم الوطني المتاح ولو اقترن بالاتفاق مع المحتل الجديد الذي ربح الحرب وتمكن من طرد الفاشِست وحليفهم النازي.
لقد حمل الكتاب صفحات بالغة النصاعة قوية الإفادة عن هذا الزعيم، نسباً ونشأةً وتمرّساً في الحياة، ولا سيما عقب الحرب العالمية الثانية التي حرصت فيها بريطانيا على إشراك السيد إدريس السنوسي في العمل المسلح من التراب المصري تعويلاً الرصيد السنوسي في برقة، ليعلن تأسيس الجيش من هناك مسمياً إياه بجيش التحرير وبه العدد الأكبر من شرق البلاد وإن لم يخلُ من الغرب والجنوب، وقد استبعد فكرة مطالبة الإنجليز بوعد مكتوب كما رأى بعض المغالين باعتبار ذلك حسب الاجتهاد الإدريسي غير عملي فاكتفى بوعد الشرف الذي عبّرَ عنه تصريح وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم بعدم الموافقة على عودة إيطاليا لحكم السنوسيين في برقة ليوسع لاحقاً مفهوم الاتفاق ليشمل ليبيا ككل عند طرح مصير المستعمرات حين وضعت الحرب أوزارها، فبدأ الحراك سريعاً للمطالبة بالاستقلال كما ذكرت الوثائق التي أرّخت للمرحلة والتي كان آخرها ما تُرجِمَ عن الأرشيف البريطاني حول برقة وطرابلس كلٌ على حِدَة وبنفس الحجم الورقي والسنوات التي بدأت بالأربعينيات وانتهت بالخمسينيات وبالتحديد عقب قيام دولة الاستقلال والتي نال فيها السعداوي جزاء سنمار كما يقول العرب في أمثالهم، وإذا كان الكتاب يأخذ على كبير المؤرخين الطاهر الزاوي مبالغته في وصف انفاق عبد الرحمن عزام من الأموال على السعداوي الذي مات فقيرا في غربته، ونشاركهم مآخذهم ولكن دون أن ننسى ما حمل كتاب عمر المختار الذي نُشِرَ باسم أحمد محمود بمصر واتخذ من صورة الأمير في إيطاليا بغطاء الرأس دليلاً على الطلينة، وكذلك التقوّل على السيد هلال السنوسي، وإذا كنا نشارك في الأسف عن عدم الصفح عن الشيخ الزاوي طوال الحكم الملكي فلن ننسى ما لقيَ السيدان أبو القاسم الشريف والصديق الرضاء، بعد أن كانا في مقدمة من حارب بجيش التحرير، فحُمِّلا ما لم يشاركا فيه أو يحقق معهما بشأنه، وتلك على كل حال إحدى سُنن الحياة، فثمة دائماً من يكون أول من يغشى الوغي ويعف عند المغانم كما يقول عنترة، ومن لا يوفر شيئا في المدح وأكثر من ذلك في القدح، وأخيراً ليكن الله في عون من يتكبدون عناء نشر الكتاب الورقي والذي صار سعره لا يقل عن وزن ورقه، في زمن لا يتيسر فيه المال إلا لمن ليس لهم للكتاب ومؤلفي الكتاب وناشري الكتاب، إلا ما يعوقهم وتحول دون ما عليه يحرصون وبه يفخرون.