رأي

واقع ومطلب ومحاذير ..

خالد الهنشيري

لستُ مهتماً بالشعر وبكل قضاياه، وربما تصل بي  بعض الأحكام أحياناً إلى حد اعتبار أن بعض النصوص الشعرية هراءً، وعندما أُحكم ميزان العقل أجد المبرّر لاحترام هذه الأشياء واعتبرها رؤية بتفاصيل خاصة صادرة عن الكاتب مدعومة بحاله ونفسية صاحبها لإيصال رسالة ما وتفاصيل أخرى لا استطيع التعبير عنها سوى باستخدام .. الخ..

سأُقفل هذا الحوار الداخلي في ذهني كي لا يتحول أيضاً إلى هراء مقتنعاً أن الصدفة وحدها لا غير قادتني إلى قراءة كتاب للأديب الليبي خليفة التليسي حول الشعر والحركة الأدبية الحديثة في ليبيا .. الكتاب يتناول دراسة لحالة الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي (رفيق شاعر الوطن) هكذا عنون التليسي كتابه ..

يبدأ الكتاب بسيرة مبسطة عن رفيق شاعر الوطن، وكيف أثرت المدارس الحديثة في الشعر الليبي من خلال عرضه لحالة أحمد «رفيق المهدوي» في هذا السياق بشكل أكثر تفصيلاً ضمن صفحات هذا الكتاب، الذي أعجبتني مقدمته بعموم، حيث يستعرض بإيجاز معنى حالة التفاعل الحضاري بوصفها تمثل نقطة الالتقاء بين الشرق والغرب بدأت في مطلع العصر الحديث، غير أن ذلك الالتقاء وما كانت له من ثمرات اليقظة القومية التي سرت في ليبيا وبقية البلدان العربية كانت أول نقطة في بداية موجة معاناة الشعراء والكتاب بشكل عام ، إذ وجب عليهم الانصياع لهذا المد الفكري المصاحب، وبالتالي غابت ذاتية الشاعر والكاتب في نصوص تلك المرحلة واختفت شخصية الأدباء قسرا أمام هذا النوع الذي وفد مع التيار الحديث ليأخذ الآدب اتجاها آخر وهو التصنيف وفق المنظومة الجديدة للأفكار انصياعاً أو ربما خوفاً من التيار عواقب عدم الاتباع، وهذه نقطة قائمة إلى هذه اللحظة..!

يصنف التليسي هذه الحالة بالقول أنها خلّفت فريقين من الشعراء وهم :

* تيار مندفع إلى تقليد الحضارة الوافدة يؤمن بأن معانقة هذا النّوع الجديد هو الكفيل باللحاق بركب الحضارة

* تيار محافظ لا يرضي التخلي عن مقومات الشخصية الوطنية التاريخية، ويؤمن بأن بعث الأمة يكمن في العودة إلى مصادرها الأصلية وقيمها الخالدة..

يبدو أن هذا الأمر يتكرّر على مر الزمان ليسري هذا الوصف على الكتابة في قضايا المجتمع بمختلف أنواعها، فإذا كانت أهم مرتكزات عملية التحرير الصحفي طبيعية المجتمع، لا نستغرب كل ما ذكره التليسي في كتابه معتبراً أن الصراع يكمن في كل ما يتصل ببواعث النهضة وطرق تحقيقها ولا يزال أثرها يمتد في معظم المجالات الفكرية، بما فيها الشعر وإن كان يصنف كلون من ألوان الفنون الإنسانية الرفيعة ومظهر من مظاهر الحضارات المعبرة عن حياة الإنسان، إلا أنه لم ينجو من هذه  الصراعات التي انعكست عليه كما انعكست على بقية الفنون والأفكار ومعظم الإرث الإنساني، وهذا يعزّز فرضية استحالة دراسة وتفهم الأفكار والثقافات والتاريخ دراسة جادة دون دراسة القوة المحركة لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى