ثقافة

عودك رنّان

 

قصة قصيرة

عودك رنّان

هدى القرقني

العاشرة مساءً هو الموعد  الذي حدّده والدي لان يكون اخوتي الاكبر مني في البيت سواء أكان الوقت شتاء أم صيفًا بعد العاشرة وخمس دقائق يقفل باب البيت ويتركهم في الخارج ورغم علمه ان امي تدخلهم بعد  ان يذهب للنوم الا انه لم يغير من عادته تلك حتى كبرنا وغادرنا  البيت  .

كنا ثلاث شبان وانا اصغرهم وجميعنا نمتثل لاوامر ابي الا اخي الاوسط(علي)فقد كان متمرد جداً وعادة ما يعاقب ولكن ذلك لم  يثنِهِ عن السهر والعودة متاخراً في كل مرة ،كنا قريبين جداً من  بعضنا رغم فارق السن بيننا

كنت انا واخي (علي)لنا نفس الغرفة ،وكان بين سريرينا طاولة مربعة عليها بعض الكتب والكثير من اشرطة الكاسيت ومسجل له فتحتان ، اخبرني يوماً انه ينوي ان يشتري (الة) عود وجدها بثمن زهيد وقد قارب على جمع ثمنها ،اسعدني الخبر وساعدته في ذلك وقد اعطيته كل ما ادخرته في حصالتي وساعدته امي ايضاً ،بعد عدم معارضة ابي لذلك وكنت سعيدا  يوم احضره الى البيت وقد بد بالعزف عليه بإتقان وانا اتساءل متى تعلم اخي كل ذلك ؟؟ لقد كان موهوباً وله ايضاً صوت جميل …

هذه الليلة عرفت أن جيراننا سيقيمون حفلاً صغيراً  على السطح بمناسبة تخرج ابنهم من الجامعة هذا ما اخبرني به اخي وهو يرتب نفسه ويستعد للخروج ، تسللت الى السطح لارى ماذا يفعلون ،الكل منهمك في عمله فقد ثبتوا  الواحا خشبيةو وضعوا فوقها رواقا ملونا بالوان زاهية وفرشوا الارض بالسجاد وعلقوا عناقيد من الاضاءة ،وعلى احد الجوانب كان هناك من يقوم بتركيب مكبرات للصوت، وقررت ان اتسلل الى هناك ليلاً للمشاهده ،فانا لا استطيع ان  احضر فقد اتاخر واكون عرضة لتانيب ابي ،كانت الساعة العاشرة عندما فاجاني صوت الموسيقى العالي جداً

وكانه في غرفتي، خرجت على اطراف اصابعي الى السطح حتى لا يسمعني احد ،كان هناك الكثير من الشباب وقد انهمكوا في الغناء والتصفيق وكنت احاول ان ارى ذلك الفنان الذي تحلق الشباب حوله وينظرون اليه باعجاب ومن شدة دهشتي وجدته اخي وهو منهمك في العزف على عوده ،كنت اقف على قطعة كبيرة  من الاسمنت ،ومن ارتباكي التوى كاحلي وسقطت على الارض وعدت زحفاً الى غرفتي وانا ارتجف ،كيف لو علم ابي ان العود الذي وافق على  شرايه  قد اصبح ابنه يرتاد به الحفلات ويغني ،

غلبني النوم مع صوت اذان الفجر و

في الصباح سمعت ابي يخبر امي :

انه لم ينم ليلة البارحة من كل هذه الفوضى ،وواصل حديثه.. شباب ضايع ليس لديهم  ما يفعلونه ، ثم سال امي :

-اليوم نتيجة الدور الثاني للشهادة الثانوية، هل اخبرك علي بشيء ؟

لم ترد امي عليه فقط هزت راسها بالنفي،ولم تخبره بالطبع  انه  عاد البارحة بعد منتصف الليل فهي تعرف انه كان في فرح ابن جيرانا ولكن لا تعلم انه هو من كان يغني هناك ،

استيقظ علي بعد اذان العصر   ،

وجدني جالساً على حاشية سريره ،نظر الي وقال

-اشعر بصداع ،

قلت له:

– لقد رايتك البارحة .

لم  يبالِ بكلامي اخذ وشاحا كان بجانبه وضمد به راسه واخرج عوده واحتضنه وبدا يغني …

عودك رنان

رنت عودك الي

عيدها كمان …وظلك عيد يا علي

سمعني العود ..ع العالي

وعيدها كمان …

وبدات اغني معه ثم غرقنا في الضحك وقال لي ساقوم بتسجيل اغاني جديدة على اشرطة كاسيت  ،

وفي لحظه انفتح باب الغرفة وكان ابي غاضباً يتطاير الشرر من عينيه، اخذ العود من يد اخي ورمي به بكل قسوة  على الارض وقد تناثرت  اجزاوه وانكمشت اوتاره على بعضها وكانها اصدرت انينا، نظر ابي الى علي  وقال له وقد تهدج صوته :

لقد رسبت ايها الفاشل مرة اخرى ولم تخبرني،كل ذلك بسبب  هذا واشار الى العود المحطم وخرج وهو يتمتم بكلمات لم نفهمها، نظرت اليه وجدته جامدا في مكانه ينظر الى عوده وقد اصبح جثة متناثرة الاطراف، ولاول مرة ارى دموعه وقد فاضت من عينيه وصوت احتكاك اسنانه …

لم يعد اخي الى البيت بعد خروجه في ذلك اليوم واصبح ابي يترك الباب مفتوحاً حتى الصباح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى