
شهد عام 2025 مرحلة حاسمة في تاريخ ليبيا الحديث، اتسمت بتقاطع ملفات سياسية معقدة، وتحديات اقتصادية، وأحداث اجتماعية بارزة. كانت هذه الفترة محاولة لإيجاد مسارات إصلاح، مع استمرار التوترات الأمنية والعناصر غير المستقرة التي أثرت في الحياة اليومية للمواطنين على امتداد مناطق البلاد.
المشهد السياسي
خلال 2025 تصدرت جهود التسوية السياسية المشهد، حيث تواصلت مشاورات الأمم المتحدة مع الأطراف الليبية بهدف توحيد المؤسسات وتأسيس حكومة مؤقتة تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
قبل إحاطة أمام مجلس الأمن، عقدت البعثة الأممية اجتماعات مع قيادات أمنية في طرابلس لتنسيق المواقف حول مسار الحل السياسي.
التوترات المسلحة وتأثيرها على الاستقرار
على الرغم من مساعي الحل، ظل واقع الأمن هشًا. شهدت العاصمة طرابلس أحداثًا عنيفة تمثلت في اشتباكات مسلحة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، ما دفع البعثة الأممية للتحذير من تدهور الأوضاع الأمنية.
كما تزامن هذا مع تصاعد الاشتباكات بين قوات حكومية وعناصر مختلفة في العاصمة لعدة أيام، في ظل فوضى أمنية وعمليات فرار من السجون.
من الجانب العسكري، أدت الاغتيالات داخل أطر الميليشيات مثل مقتل قائد قوة مهمة إلى تغييرات في خارطة القوى، ما دفع ببعض الوحدات الحكومية لبسط سيطرتها على مناطق أكثر في طرابلس.
لاحظت تقارير أيضًا امتداد التنافس بين الجماعات المسلحة خارج العاصمة، بما يؤشر لصعوبة تحقيق الاستقرار الشامل.
ومنها مقتل قيادي بمدينة صبراتة.
احتجاجات ومطالب شعبية
في نهاية ديسمبر، وقعت احتجاجات في مدن غربية تطالب بالكشف عن ملابسات مقتل رئيس أركان الجيش الوطني الليبي في حادث تحطم طائرة، مما ألقى بظلاله على المشهد الاجتماعي والسياسي، وتصاعد النقد الموجه للطبقة السياسية والحكومية.
الاقتصاد الليبي
ارتفاع الدولار لمستويات غير مسبوقة… كان الدولار هو العنوان الأبرز لمعاناة الليبيين في 2025.
شهد سعر صرف الدولار ارتفاعات متتالية أربكت السوق، وأثّرت مباشرة على أسعار الغذاء والدواء.
كما تصاعدت أزمة السيولة والمصاريف التشغيلية لدى الأسر، خاصة مع ثبات المرتبات مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة.
توسّعت دائرة الشكوى من “الراتب الذي لا يصل لنصف الشهر”، في مشهد اجتماعي بات مألوفًا.
الى ان تم معالجة ذلك بمنظومة رقمية من مصرف ليبيا المركزي تسمى «راتبك لحظي» وهي عالجة تأخر المرتبات في الاشهر الأخيرة.
ورغم ذلك، واصل قطاع النفط أداءه المستقر نسبيًا، ما أبقى الدولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها الأساسية، وإن لم ينعكس ذلك تحسنًا فعليًا على حياة المواطن.
أداء قطاع النفط والطاقة
ظل قطاع النفط العماد الرئيسي لاقتصاد ليبيا في 2025، حيث حقّق إنتاج النفط استقرارًا غير مسبوق مقارنة بالسنوات الماضية التي شهدت تعطيلات ونزاعات متكررة على الموانئ والمرافئ. بحسب تقارير اقتصادية، حافظت ليبيا على مستويات إنتاج جيدة ساهمت في رفع عائدات الدولة إلى مستويات أعلى من 2024، ما دعم النمو الاقتصادي.
هذا التعافي النسبي في قطاع الطاقة عزز توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لنمو اقتصادي قوي نسبيًا خلال العام، رغم أن بعض المؤسسات الدولية حذّرت من مخاطر هيكلية في إدارة الموارد.
إصلاحات مالية وتحول رقمي
سجل القطاع المصرفي تقدمًا في عدة مجالات، من أبرزها إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي 2025–2029 لمعالجة ضعف وصول الخدمات المالية للمواطنين، ودعم التحول نحو الاقتصاد الرقمي مما يعزز مشاركة واسعة في النشاط الاقتصادي.
كما شهدت المدن الكبرى منتديات ومعارض اقتصادية مهمة، مثل منتدى ليبيا الدولي للنفط والطاقة في طرابلس، الذي جمع مسؤولين محليين ودوليين لبحث فرص الاستثمار وتوسيع إنتاج النفط.
في مجال الخدمات والابتكار، تم تنظيم منتديات للدفع الإلكتروني في بنغازي وتظاهرات لتعزيز التحول الرقمي وجذب الاستثمارات في القطاع.
التجارة والاستثمار
أُقيم المعرض الدولي في طرابلس 2025 بإقبال دولي واسع، حيث شارك عدد كبير من الشركات الليبية والعالمية، ما ساهم في تعزيز العلاقات التجارية.
بالرغم من هذه الإشارات الإيجابية، يبقى الاقتصاد الليبي معرضًا لضغوط من اقتصاد الظل، الذي يستحوذ على حصة كبيرة من النشاط الاقتصادي، ويشكل تحديًا أمام توسيع المجال الرسمي.
الجانب الاجتماعي والثقافي
شهدت بنغازي مهرجان بنغازي الثقافي، الذي أعاد للمدينة حضورها كحاضنة للفكر والفن، بمشاركة كتّاب، فنانين، ومثقفين من مختلف المدن.
احتضنت طرابلس مهرجان الإعلام، في رسالة واضحة بأن الصحافة والثقافة لم تعودا على الهامش.
تنوّعت الفعاليات بين معارض كتب، أمسيات شعرية، عروض مسرحية، وملتقيات فنية، في مشهد لم يكن مألوفًا قبل سنوات قليلة.
الثقافة في 2025 لم تكن احتفالًا بقدر ما كانت إعلان بقاء.
الصحافة… من مرحلة الارتباك إلى المقاومة
شهدت الصحافة الليبية في 2025 نقطة تحوّل لافتة.
بعد سنوات من التراجع والضغوط، بدأت الهيئة العامة للصحافة تستعيد دورها بنشاط استثنائي، وتنظيم مبادرات مهنية وتدريبية.
انتقل الخطاب الصحفي من حالة الدفاع إلى محاولة استعادة التأثير.
توّج هذا الحراك بحصول الصحفية هند التواتي «صحيفة فبراير» على جائزة أفضل تقرير صحفي لعام 2025، في اعتراف مهني بقوة الصحافة الاستقصائية الليبية رغم الظروف.
الصحافة الليبية قالت بوضوح: نحن هنا… ولن نغيب.
التعليم والنتائج الأكاديمية
شهدت ليبيا في 2025 تنظيم موسم القبول الجامعي، حيث أعلنت وزارة التعليم الحدود الدنيا للقبول في الكليات والمعاهد، مما شكل جانبًا مهمًا في حياة آلاف الطلاب.
الثقافة والفعاليات
سُجل اهتمام ملحوظ بالابتكار والتكنولوجيا عبر فعاليات تعليمية تُبرز روح الشباب الليبي، كما تواصل الفرق المشاركة في بطولات علمية مثل مسابقات الروبوتات العالمية، ما يعكس طموحًا نحو تحقيق التميز العلمي.
في الجانب الرياضي، شاركت ليبيا في الألعاب الإسلامية 2025 في السعودية، محققة ميداليتين في عدة رياضات، ما عزز الروح الوطنية في الساحة الرياضية.
في ديسمبر اعادة افتتاح المتحف الوطني في حفل وخم كبير حضره عدد من الاعلاميين والمثقفين العرب.
اقيم مهرجان للأغنية الليبية في مدينة الخمس بمسرح لبدة الكبرى.
تحديات اجتماعية
بالرغم خطى الإصلاح، واجهت ليبيا تحديات اجتماعية تشمل اختلالات في الخدمات الأساسية وظروف معيشية متفاوتة ما بين مناطق مختلفة، إلى جانب توترات أمنية أثرت في حياة المواطنين اليومية.
التنمية والبنية التحتية.
شهدت ليبيا استمرار في تنمية البنية التحتية حيث استمر العمل في تنفيذ الطريق الدائري الثالث وافتتاح جزء منه.
كما تم توقيع الاتفاق بخصوص البدء في تنفيذ الطريق السريع المسمى )مساعد-رأس جدير( الاستثماري مع الحكومة الايطالية.
الحوصلة
عام 2025 كان عامًا محوريًا في مسار ليبيا نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي. تميز ببعض التقدم في مؤسسات الدولة والحوارات السياسية، وتعافٍ اقتصادي نسبي مدفوعًا بقطاع النفط والطاقة، وتحول تدريجي نحو الاقتصاد الرقمي. في المقابل، بقيت التوترات الأمنية جزءاً من الواقع، مع احتقان شعبي في بعض الفترات، مما يؤكد أن التحول نحو دولة مستقرة وشاملة ما يزال بحاجة إلى جهود متواصلة في 2026 وما بعده.



