إنّ من أكثر الحقوق المترتبة على الطلاق في القانون الليبي، و المثيرة للجدل، والذي دائمًا ما تكون محلًا للاسئلة المتكرَّرة هو أحقية بقاء الحاضنة في بيت الزوجية لحضانة أبنائها.
في هذا الاستطلاع نتناول بيت الحضانة كفهوم قانوني، وطبيعة هذا الحق، وأسباب انقضائه، والمشكلات التي تواجهها الحاضنة عمليًا لتحصيل هذا الحق..
حتى نستطيع توضيح الأمر على نستعرض بداية بعضًا ما تناولته سرايا المحاكم من قضايا في هذا الشأن.
نبدأ بالاخت )ر.ع.ا( التي قضى بتطليقها للضرَّر من زوجها إلا أن المحكمة رفضتْ طلبها الوارد بصحيفة دعواها التي طالبت فيه بالبقاء ببيت الزوجية لحضانة ابنته منه، وقضتْ المحكمة لها بمبلغ مالي«زهيد» كبديل لبيت الحضانة .
في قضية أخرى قضتْ المحكمة بأحقية المدعية )م .ع س( بالبقاء ببيت الزوجية لحضانة أبنائها من زوجها «الطليق»، ورفضتْ طلب هذا الأخير بدفع مبلغ مالي كبديل للسكن.
وفى دعوى أخرى التي اقامها الاخ «ح.س .ا» ضد طليقته طالبًا فيها الانتقال إلى منزل أخر لحضانة أبنائه منه غير البيت المحكوم به وقد استجابت المحكمة لطلبه، وقضت له بذلك ….
من هنا يتضح لكَ أن هذه المسألة ليست بتلك البساطة التي يتصورها البعض، وه،ا ما يقودنا لتوضيح الرأي القانوني في هذه المسألة من واقع النصوص القانونية، وأحكام محكمتنا العليا الالزامية والمفسرة لهذه النصوص والمكملة لها
الرأي القانوني
إنّ حق الحاضنة بعد طلاقها ببيت الحضانة يجد أساسه في احكام شريعتنا الاسلامية الغراء واحكام ونصوص القانون رقم 10/1984 بشأن احكام الزواج والطلاق واثارهما وتعديلاته
حيث إن الحق في بيت الحضانة كفهوم قانوني هو البيت الذي يكون معدًا لحضانة الابناء بعد فراق الزوجين اي انه اعتبر بيت الحضانة من مشتملات النفقة الواجبة على والد الابناء والملزم بها اي انه حق مشترك بين الحاضنة والابناء وهذا الحق بطبيعته يعني ان يقتصر على الغاية التي شرع من اجلها فلا يكون للحاضنة ان تتصرف في بيت الحضانة بالبيع او الايجار او تغيير معالمه انما يكون بقاؤها فيه مؤقتًا لغرض تربية الابناء والحفاظ عليهم ورعايتهم فينتهي احقيتها في البقاء به بانتهاء هده الغاية اي البلوغ الشرعي للابن الذكر وزواج الابنة او بسقوط احقيتها في الحضانة في حد ذاتها لسبب قانوني او شرعي
وقد وضع المشرع افتراضا ان بيت الحضانة هوا ذاته بيت الزوجية وان الاصل فيه والظاهر ملكيته للزوج «الطليق» وبالتالي يكون على الطليق عبء اثبات عدم ملكيته لبيت الزوجية فان ثبت ملكيته له فان المحكمة تكون ملزمة بالاستجابة لطلب الحاضنة ببقائها ببيت الزوجية ذلك ان المحكمة العليا اوضحت ان الاصل في بيت الحضانة هوا بيت الزوجية )بيت الزوجية هوا البيت الذي اقامت فيه الزوجة مع زوجها لفترة او لفترات مع زوجها وكان ظاهر الحال يدل على ملكيته لهدا المنزل( ولا يصار لغيره إلا اذا لم يكن مملوكا للطليق وان )مالك العقار افصح عن عدم رغبته في اقامة الحاضنة به ( وبذلك لا يكون امام الحاضنة الا طلب الزامه بدفع مبلغ نقدي كبديل لبيت الحضانة .. كما ان حق الحاضنة في بيت الحضانة لا يتعلق )بعقار محدد ومعين انما يتعلق بذمة طليقها والد الابناء( ويترتب على هذا ان للولي )الاب او الطليق( ان يوفر منزلًا آخر للحضانة غير الذي حكم به وان يطلب من الحاضنة الانتقال اليه اذا توافرت فيه بعض الشروط المعينة كما للحاضنة الحق في طلب بديل له او مقابل نقدي والامر هنا متروك لتقدير الحاضنة تقدره وفقا لمصلحة المحضونين كما اكدت المحكمة العليا
إلا أنه وفي الواقع العملي كثيرًا ما نشاهد الاستخدام السيء لهذا الحق فيكون طلب الحاضنة للبقاء بيت الحضانة مجرد انتقام، ونكاية منها ضد طليقها، وقد نشاهد بالمقابل سعى الطليق الحثيث للتملّص من هذا الواجب وما يرتبه ذلك من اشكاليات تصاحب تنفيد حكم التمكين من بيت الحضانة حيث يستطيع الطليق «ولن نفصل في ذلك» التهرب من هذا الواجب حتى يصار للبديل النقدي الذي قد لا يغطى تكاليف البديل العيني لبيت الحضانة وهنا الاشكالية الكبرى العملية التي تواجهها الحاضنة .. حيث انه وكما اسلفنا ان بيت الحضانة من مشتملات النفقة الواجبة على والد الابناء ويترتب على ذلك انه يتم تقدير قيمة البديل النقدي وفًقا لحالة الملزم بها يسرًا وعسرًا؛ فلذلك لا تتفاجئ إن قلنا ان هناك احكامًا بالبديل النقدي لا تتجاوز في قيمتها )١٠٠( دينار ومن المعلوم ان هذا المبلغ لا يمكن ان يكون ثمنًا لإيجار حجرة واحدة شهريًا ..وعليه ولما سبق ذكره ولان الموضوع يمس الأسرة التي هي نواة المجتمع فالامر يحتاج لوقفة جادة من المشرع لوضع التشريعات التي تضمن للأبناء العيش الكريم تحت سقف بيت يؤويهم كما أن معالجة أصل المشكلة في حد ذاته ونعني )مشكلة شيوع الطلاق وأسبابه( من شأنه الحد من هذه الآثار السلبية ..