صحةمقالات

أزمة الشفافية لدى مؤتمر الأطراف في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ: عندما تُغلق الأبواب، تتعالى الأسئلة

 

أنشأت اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ لحماية الصحة العالمية من خلال التعاون، والأدلة العلمية، والمساءلة.

ومع ذلك، وبعد مرور عقدين، أصبحت اجتماعات مؤتمر الأطراف واجتماعات الأطراف أكثر انغلاقًا، حيث تقتصر على وصول محدود لوسائل الإعلام، ومداولات مغلقة، ورؤية عامة شبه معدومة لكيفية صياغة سياسات مكافحة التبغ العالمية.

وعلى الرغم من تمويل هذه الاجتماعات من الأموال العامة، وادعائها الالتزام بالشفافية والمشاركة، فإنها تستبعد بشكل روتيني الصحفيين، وممثلي المستهلكين، والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. والنتيجة هي عملية تتعارض مع الأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يقوم عليها نظام الأمم المتحدة، وخاصة الحق في الحصول على المعلومات، وحرية التعبير، والحق في المشاركة في الشؤون العامة. ومع اقتراب انعقاد المؤتمر في جنيف، لم يكن أزمة المصداقية لدى منظمة الصحة العالمية أكثر وضوحًا مما هي عليه الآن.

نهج مغلق يتعارض مع هيئات الأمم المتحدة الأخرى
على عكس مؤتمرات الأمم المتحدة الأخرى مثل مؤتمر المناخ أو جمعية الصحة العالمية التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي توفر تغطية إعلامية واسعة وبثًا مباشرًا وإحاطات يومية، يبقى مؤتمر الأطراف في اتفاقية مكافحة التبغ بعيدًا عن الأنظار.

إذ لا يُسمح إلا بحضور الجلسة الافتتاحية للمراقبين والصحفيين، بينما تُعقد الجلسات التي تحدد السياسات خلف أبواب مغلقة، وغالبًا ما تُنشر الوثائق بعد اتخاذ القرارات النهائية.

هذا النهج السري غير معتاد في بيئة العمل متعددة الأطراف اليوم، ويمنع الصحفيين والجمهور من فهم الأسس التي تقوم عليها السياسات التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، بما في ذلك أكثر من مليار مدخن بالغ.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، عقدت منظمة الصحة العالمية واتفاقية مكافحة التبغ مؤتمرًا صحفيًا قبل الاجتماع، وكان الشكل متوقعًا: أسئلة مُعدة مسبقًا، وعدم طرح مواضيع جديدة، وتصريحات تكرر المواقف القائمة. سُمح لصحفي واحد فقط بطرح سؤال لكل قضية، مما يشير إلى نهج مُحكم ومسيطر عليه.

اعتماد الصحافة: حاجز لا بوابة
رغم أن المؤتمر يسمح نظريًا باعتماد الصحفيين، إلا أن العملية مرهقة وغير متسقة. إذ تتطلب وثائق شخصية مفصلة، ورسائل نوايا، ومواعيد نهائية قصيرة، مما يثني عن المشاركة. بالنسبة لهذا الاجتماع، فُتحت الطلبات قبل الإعلان العام بأشهر، ولم يُمنح سوى عشرة أيام لتقديمها.

هذا النهج يتناقض بشكل صارخ مع مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، الذي يعتمد آلاف الصحفيين والمنظمات غير الحكومية سنويًا، ويوفر مراكز إعلامية وقنوات اتصال شفافة. مشاركة إعلامية أكبر في جنيف لن تعزز المساءلة فحسب، بل ستعيد الثقة في قيادة منظمة الصحة العالمية في وقت تتعرض فيه المؤسسات العامة للتدقيق.

كما أشار أحد النشطاء الدوليين في مجال الحد من الضرر: “تم انتقاء ممثلي وسائل الإعلام في عملية اعتماد حرمت أي شخص لا يشارك منظمة الصحة العالمية رؤيتها لمكافحة التبغ.” هذا النهج الانتقائي يستبعد الأصوات المتنوعة ويعزز الانطباع بوجود تحيز.

المادة الخامسة: من أداة حماية إلى أداة إقصاء
يرى المراقبون أن هذا التضييق في المشاركة ينبع من تفسير واسع للمادة الخامسة، التي صُممت في الأصل لحماية صنع السياسات من تدخل الصناعة. لكن في الممارسة، تم تطبيقها بشكل واسع لدرجة أنها تستبعد الباحثين المستقلين والصحفيين والمتخصصين في الصحة العامة الذين يدعون إلى نهج قائم على تقليل المخاطر.

ويؤكد أحد الخبراء في السياسات الصحية: “المادة الخامسة لا توفر أي أساس لمنع الأكاديميين أو المدافعين أو أي شخص خارج الحكومة من حضور المؤتمرات.” وتظهر الأبحاث الأكاديمية أن تطبيق المادة يختلف بشكل كبير بين الدول، غالبًا بناءً على نفوذ شبكات الضغط في مجال مكافحة التبغ.

هيمنة أصوات محدودة
إلى جانب الإعلام، تسمح الاتفاقية لعدد محدود من المنظمات غير الحكومية بصفة مراقب، معظمها يتماشى مع موقف منظمة الصحة العالمية. لم يُسمح أبدًا لمنظمات المستهلكين أو المدافعين عن الحد من الضرر بالمشاركة. وهذا يعني أن معظم الأبحاث والتوصيات والسياسات في المؤتمر تأتي من شبكة محدودة من الجهات المتشابهة في الرؤية.

يحذر النقاد من أن جدول أعمال المؤتمر يحمل تحيزًا أيديولوجيًا، حيث يتم تجاهل الحد من الضرر، وإسكات المعارضة العلمية، واستبعاد المقترحات الداعمة لبدائل النيكوتين الأكثر أمانًا. وكما يحذر أحد النشطاء: “أصبحت الاتفاقية أداة سياسية وليست معاهدة قائمة على العلم. إذا كانت منظمة الصحة العالمية جادة بشأن الإصلاح، فيجب إعادة هيكلة الاتفاقية جذريًا.”

بالنسبة لدول مثل ليبيا، حيث تتقاطع تحديات الصحة العامة مع الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، فإن الشفافية في الحوكمة الصحية العالمية أمر أساسي. فالقرارات التي تُتخذ في جنيف ستؤثر على استراتيجيات مكافحة التبغ الوطنية، وسياسات الضرائب، وخيارات الحد من الضرر. إن استبعاد الأصوات المتنوعة من هذه المناقشات يهدد بفرض سياسات تتجاهل السياقات المحلية واحتياجات المستهلكين.

إذا كانت منظمة الصحة العالمية واتفاقية مكافحة التبغ تهدفان حقًا إلى حماية الصحة العالمية، فعليهما تبني الانفتاح، والسماح بالتدقيق، وتمكين المشاركة الفعالة. بدون هذه الإصلاحات، يخاطر المؤتمر بتعزيز الانطباع بأن السياسات الصحية العالمية تُصاغ خلف أبواب مغلقة، بعيدًا عن المجتمع التي يُفترض أن تخدمها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى