لم أعد أستيقظ على الخسارات
كما يفعل الآخرون…
أستيقظ على أصوات بعيدة،
تشبه طرق الجدّات على أواني النحاس،
حين يتهيأن للطهو ويتبادلن الحكايات
عن الهادئات أكثر مما ينبغي،
عن اللواتي مرّ القطار وهنّ يبتسمن،
عن الانتظار الطويل الذي يُربّى في حجور النساء.
تمرّ المعلّمات في الممرات كالعصافير المتعبة،
يخفضن أصواتهنّ إذا مرّت إحداهن بابتسامة زائدة،
وأحيانًا يكتفين بنظرة صغيرة،
كميزان خفيٍّ يُوزن فيه مقدار الوداعة فينا.
وأنا…
لم أتقن ترتيبَ نفسي في القوالب،
ولا كنتُ من أولئك الكِنَن
اللواتي يُشاد بهنّ الحديث في المجالس النسائية،
يُتقنَّ “الفتلكة” في تقديم الأطعمة
لم أعرف كيف أُمسك الفنجان
بطريقة تُرضي الأمَّ المنتظرة
على الطرف الآخر من الصالون.
لكنني…
أعرف كيف أرمّم قلبًا فقد صوته،
وأشرب شاي الصباح
كمن ينتظر وجهًا مألوفًا في البخار.
أكنس البيت على مهل،
كأنني أُزيل الغبار عن أيامي،
أُعيد ترتيب الرفوف التي وضعتُ عليها أحلامي،
ثم أُمشّط شعري بمشط تركته أمي قبل رحيلها،
ما زال يحمل دفءَ كفّها،
ورائحة أنساها… وأعود لها
أتحدث مع أبي كلما مرّ طيفه في الممر،
أسأله إن كان الغياب يؤلم مثلي ؟!
ثم أبتسم لنفسي،
حتى لا أبدو حزينةً أكثر مما يجب.
أعيش كما تشاء الحياة،
لكنني لا ألين كما تشاء القوالب.
أمشي بملامحي كما هي،
دون أن أُعيد طلاء نفسي
لتناسب نظراتٍ ترمقني باستغراب.
وأعود إلى قلبي من جديد،
أجلس على حافة النهار،
أشرب الشاي مع وجه المدينة،
ألوّح للغرباء دون أن يعرفني أحدٌ منهم،
كمن يودّع حياةً قديمة دون بكاء.
أغادر دائمًا محمّلةً بأشيائي الصغيرة،
بما تبقّى من دفئي، ومني،
إلى وجعٍ جديد لا يُشبهني،
ولا يتّسع لقالبٍ ضاق بي منذ زمن