إعداد ولقاءات: الصحفية ربيعة حباس
هناك في الجنوب توفي الطفل مرعي محمد يوم 7 أغسطس 2021 و هو من سكان منطقة (قيره الشاطيء) بعد أن لدغته عقرب و افرغت سمها في جسده الطري طرواة الطفولة التي نعرفها جميعا ولم يتمكن أهله من اسعافه لعدم توفر المصل ، ثم لحقته الطفلة رونق رافع موسى يوم 11 من الشهر نفسه والسنة وهي من سكان قرية (تاروت) ، و واصلت العقرب مسيرها نحو الطفل غانم المهدي أبوسبيحة من سكان القرضة الذي لم يكن مصيره مختلفا عن سابقيه.
في قرى بسيطة تكثر حالات الإصابة حيث توجد أخطر أنواع العقارب على مستوى ليبيا منها قرية تاروت التي تقع وسط منطقة وادي الشاطيء وتبعد عن مدينة براك مسافة 35 كم؛ وقرية قيرة تقع شمال غرب وادي الشاطيء تبعد 750 كم عن مدينة طرابلس ، و منطقة وادي عتبة سجلت يوم 16/ 8/2021 ما يفوق الـ 70طفلا أصيبوا بلدغات العقارب بعضهم تم اسعافهم بطرق بدائية ، و آخرون وصلوا المستوصف وهم في الرمق الأخير و آخرون رحلوا بصمت و في صمت الأسرة عن اصابتهم ، وتعددت وسائل العلاج بين امصال تشترى و تباع بأثمان مزاجية و بين حجرة سوداء تجلب من الجزائر يقال إنها قادرة على امتصاص السم من جسد الملدوغ دون أي تدخل جراحي .
في لقاء مع مدير مستشفى أوباري .. قال ازدياد عدد حالات الإصابة بلدغات العقارب في الجنوب سببه توقف عمليات الرش بالمبيدات الحشرية المسؤولة عنها وزارة البيئة، ومن هنا يوميا تأتينا حالات لطفل ملدوغ، ونحن في هذه الحال لا نملك إلا أن نعالجه بالمضادات الحيوية و ما يتوفر لدينا من سوائل، رغم ان اغلب حالات الأطفال تصلنا بعد اصابتها بساعات، مما يعني دخول الطفل في مرحلة الخطر وبالتالي احتياجه لما لا يقل عن 3 أو 4 حقن لمحاولة انقاذ واستعادة أنفاسه .
لماذا تصل الحالات متأخرة ؟
يرجع ذلك لعدة أسباب أهمها إما لعدم علم أو انتباه الاسرة بإصابة طفلها إلّا بعد ارتفاع درجة حرارته فتسرع به للمستشفى وغالبا يكون دخل غيبوبة وفي مرحلة متقدمة من تسرب السم داخل جسده، أو بسبب تأخرهم في الوصول لعدم توفر البنزين أو عدم وجود سيارة ، تمكنهم من الوصول الى مستشفى اوباري علما بأن المستشفى جهة علاجية وايوائية و ليس وقائية ولكن قفل المراكز الصحية الوقائية في أغلب مدن ومناطق الجنوب وعدم وجود الأطباء، اجبر المواطن على اللجوء إلينا وقطع مسافة ما لايقل عن 60 كيلو متراً منهم من يضطر لقطع مسافة 200 كيلو متر لإنقاذ فلذة كبده.
كم المسجل لديكم من عدد الإصابات وفق الإحصائية؟
هذه السنة أكثر من 900 حالة إصابة للأطفال ، توفي حوالي 9 حالات وهذا اقل من السنة الماضية في عدد الوفيات اما عدد الإصابات بشكل عام شاملة أطفال وكبار فقد سجلنا أكثر من 2000 حالة.. وتبقى خطورة إصابة الأطفال و التي تؤدي الى وفاتهم تكمن في عدم ادراك الطفل بأن ما تعرض له هو لدغة عقرب وليس مجرد حشرة عابرة فتجده يواصل لعبه و مرحه الى ان ترتفع درجة حرارته نتيجة تسرب السم في جسده.
من الأكثر تحملاً للمسؤولية حسب وجهة نظرك و بحكم وجودك في المحك؟
مستشفى اوباري العلاجي رغم مخاطباتنا المتكررة بحاجتنا للأدوية والامصال، يكتفي جهاز الامداد الطبي بصرف اقل كمية من هذه الاحتياجات لنا، بينما الجهات الوقائية تأخذ الأكثر وهي أقل احتياجنا إليها ، كذلك يبقى الحل الجذري هو الرش المكثف بالمبيدات لبرك المياه و الأماكن العامة وهذا عن تجربة فعلية وقد أكدنا على أهمية وضرورة عمليات الرش بشكل مكثف ولكن دون جدوى.
مدير مكتب الخدمات الصحية في درج الكيلاني الشباكي ..
هل لديكم إحصائية بعدد الاطفال ؟
ليس لدينا إحصائية ثابتة بالاسماء، ولكن يبقى معدل المسجل 20 لدغة في الشهر على مستوى بلدية درج ، و ما نتحصل عليه من امصال لا يتعدى 20 مصلاً يتم توزيعها على المراكز الصحية و انتهى الامر عند هذه النقطة.
ما آلية العلاج وإنقاذ الأطفال الملدوغين؟
لدينا (مسعفو شنطة) ينتقلوا من مكان لآخر ما بين مستوصف وعيادة خاصة حسب مكان وجود الحالة وبجهوده الخاصة يتحصل على الامصال.
معالج متطوع : عبدالسلام حصن
كم عدد الحالات التي عالجتها؟
تقديرا من شهر 5 إلى 8 أكثر من 35 حالة بينهم 15 من الأطفال الذين تمكنت من اسعافهم وعلاجهم مجانيا اصغرهم عمره 7 سنوات طفلة كانت تلعب امام البيت ولدغتها العقرب فاسرعت لوالدها واخبرته انها دون ان تعرف السبب وبدوره اتصل بي فتوجهتُ إلى عين المكان بسيارتي الخاصة وتمكنت من سحب السم واسعافها باستخدام (الهورتيكوتيزول) والمصل ان تحصلت عليه .
كيف تتحصل على الأمصال؟
لدي صديق صيدلي كل ما وجدتُ عنده الامصال اشتري منه مجموعة بسعر الجملة واستخدمها في الحالة المصابة مجانا، وحاليا المستشفى القروي في منطقة درج، توجد به كميات عندما اجد حالة تحتاج مصلاً ضرورياً اتواصل مع المسؤول في هذا المستشفى وأي مصل اخذه منه و أرجّع له الظرف فارغا.
ما الأوقات التي يصاب فيها الأطفال باللدغات ؟
الأغلبية في (العشية) و الساعة 1 ليلا بسبب ظهور العقارب مع برودة الجو نسبيا، و لا ننسى ان غياب عمليات الرش في المناطق و القرى فآخر عملية كانت منذ سنتين و كانت بسيطة ، وهذا التجاهل ساهم في انتشار العقارب والافاعي .
هل خاطبتم عضو مجلس النواب عن منطقتكم؟
عضو مجلس النواب من غدامس المتحدث باسم منطقتنا (درج) لم نسمع له صوتا في جلسة برلمانية و لا في ظهور إعلامي، رغم علمه بالمعاناة التي تعيشها 7 قرى مجاورة وتشتغل عليها سيارة قمامة واحدة ومياه الشرب انقطعت عنها سنة ونصف السنة فاضطررنا لشرب ما يمكن شربه واغلبنا أصيب بامراض المسالك من كبار وصغار على حد السواء.
وعن تجربتها قالت نجاة الحامدي :
مصل العقرب اختفى أو تم اخفاؤه عن المواطن في منطقتي من سنة 2012 ، و اكتشفت هذا عندما تعرض (أخي الصغير14 عاماً ) للدغة عقرب وهو في طريقه للبيت بعد صلاة المغرب في الجامع، ومن شدة الوجع صرخ بأعلى صوته وسمعه صديقه فسارع بنقله للمستوصف و أول ما دخل به وهو يصرخ فزعت الممرضات نحوه، وبعد ما عرفن إنه ملدوغ رجعن و ما رضين علاجه بحجة عدم وجود الامصال، فرجع به للبيت واضطررنا لشراء المصل من صيدلية في منطقة (سمنو وهي إحدى القرى الواقعة شمال شرق سبها) بقيمة 80 ديناراً، و في صباح اليوم الثاني اخبرتنا ممرضة تعمل (بالوردية) بوجود المصل في المستوصف ولكن لا يعطى إلّا (بالواسطة) حسب قولها.
بقي في آخر المطاف أسر الأطفال الذين لقوا حتفهم و المؤسف في الامر ان كل من حاولنا التواصل معهم كانت الردود إما بعدم الرغبة في الحديث والاكتفاء بنطق 3 كلمات( قضاء و قدر) أو منع الوسيط من ربطه معنا بأي شكل من الاشكال، ردود أفعال غريبة تبقى هي أحد أسباب مواصلة العقارب لمسيرتها نحو أطفال لا يميزون بين عقرب تلدغ وتجاهل متعمد وكلاهما قاتل بصمت.
يشار إلى أن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية قد أفرج عن 20.000 مصل خصصت للمنطقة الجنوبية بالكامل وتم تسليمها إلى جهاز الإمداد الطبي ليوزعها عن طريق فرعه في الجنوب على المراكز الصحية ولكن السؤال أين اختفت هذه الأمصال وما الآلية التي تم توزيعها لها ولماذا مازالت العقارب تسرح وتزهق أرواح الطفولة .. في أسئلة سننشر إجاباتها في عدد قادم،