يستطيع المراقب المنصف أن يقرر بكل الاطمئنان أن صدق التوقعات المتعلقة بنوعية الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي الذي تعرضت له قنصليتها بدمشق، والقائلة بأن الرد المنتظر لن يُخل بالتوازن الذي يحرص الطرف الأمريكي على المحافظة عليه كيفما كان الإخلال الذي قد يُستدرج إليه هذا الطرف أو ذاك، وأن المحافظة على دور الطرفين كما يعرفه بل ويحدده الراعي الأمريكي، سيكون دائماً هو سيد الموقف، وإن بدا ظاهرياً ليس كذلك، وهكذا بعد الكثير من الوعد والوعيد والإنذار والتهديد، وقبل أن تنقضي عطلة عيد الفطر السعيد، انطلقت عشرات المُسَيَّرات من الطائرات والصواريخ المعبأة من العاصمة الإيرانية متجهة نحو تل أبيب لتمر بأكثر من سماء فيتم اعتراضها أمريكياً وبريطانياً وحتى فرنسياً، تنفيذا لما أُعلِنَ من العزم على حماية إسرائيل من أي هجوم تتعرض إليه، وتعمد الأردن من جهتها بعد أن تُعلن إلى إسقاط كل ما يدخل أجواءها من هذه المُسَيَّرات، دفاعاً عن السيادة كما أُعلن، غير أن قواعد اللعبة قد تدفع بالطبع إسرائيل كي تهدد بقرب الرد، وربما تجد من يصدق بل ويحدد قرب الموعد، أما النظرة الأبعد فسترى في ما ظهر من امكانيات إيران ما يزيد امبرطوريات البترول الخليجي المزيد من الحذر والتدبّر والتنسيق القوي مع الحليف الأكبر، فكل مراجعة معمّقة تعطي الأهمية بل الضرورة للمشترك القومي وأرصدته الوجدانية، تلك التي تجعل فرص اللقاء ودواعي التعاون أقدر بين الذين قد تعود أذواقهم إلى بقايا سجع الكُهّان وإن لم يعودوا يذكرون منه شيئاً، بعكس الذين مرجعياتهم مختلفة وألسنتهم كثيراً ما تنطق أبلغ ما تواتر على تقديسه العرب بألسنة تحرم المستمع من أنفس جمالياته، وإذا كانت إسرائيل قصدت بمهاجمة إيران في قنصليتها بدمشق وتقتل من ترى ضرورة قتله وترد إيران من ترابها وبالصورة التي أتاحت لأمريكا وبريطانيا إسقاط معظم ما وُجِّهَ لإسرائيل قبل أن يخرج من أرض العرب، فلأن اللعبة على الأرجح قد تمت كما تريد لها أمريكا، أي أن الأمور مقُدّرة سلفاً وما يربط الطرفين أوثق ويعود بها إلى تجنب القتال الحقيقي، ويكفي أن ما قضمه الشاه من الأراضي العربية لم يتخلَّ عنه نظام آيات الله، فدور إيران هو الدور المطلوب، أما إذا أردنا وصفه في كلمات فقد نقول أكبر من تل أبيب وطهران.