أمين مازن يكتب.. وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لم يكن غريباً أن يتطلع المجلس الرئاسي للقيام بدورٍ أكثر ايجابية للوصول إلى مخرج من الأزمة الليبية التي سئمها معظم المنخرطين فيها و المنتفعين بشيء من مردودها لكثرة ما لحقهم بها من العناء، إذ على الرغم من أن تشكيله قد تم ضمن قائمة واحدة أُقِرَّت من فريق الحوار الذي انبعث بعد صمت المدافع و قيل حول ذلك ما قيل من تأثير المال الفاسد إلا أن غض النظر الذي التزمته ستيفاني ويليامز يرجح إلى أن هذا الفريق يمكن مع شيء من التدوير أن يحافظ على استمرار صلاحيته و أن ممثلي الأقاليم الثلاثة بما هم عليه من وجود المكون التارقي و حياد المنفي و خصائص اللافي، قد يكونون أكثر قدرة على تلقف المطلوب و الاسهام في أدائه و لاسيما في استحقاق المصالحة الوطنية التي تمثل البداية الحقيقية للخروج من المأزق و التي لا سبيل إليها دون تذكر التنازل التركي عن البلاد للإيطاليين و تحرك الأجداد بإعلان الجمهورية في غرب البلاد و إمارة إدريس في برقة و مستوى أقل في فزان، و ما تبع ذلك عقب هزيمة إيطاليا و حلول قوات الحلفاء وصولاً إلى دولة الاستقلال التي لم تكن مبرأة من الكثير مما أدى إلى سقوطها و نظام الفاتح و ما ازدحم به من السلبيات التي أدت بالطبع إلى الانتفاضة و تطوراتها المعروفة دون أن نهمل بالطبع ما تم بها من التسويات التي كثيراً ما عرضتها الشاشات و لاسيما ما قيل بصدد المراجعات و مثل ذلك التعويضات المالية و المعنوية و تقلّد المواقع السياسية و الدبلوماسية، و ما من عاقل يستطيع أن يطعن في سلامتها أو يعتبرها نقيصة على من قبِلَ و لا مِنَّة ممن أعطى، صحيح أن الأحداث قد أملت شيء من الاصطفاف الذي اختلفت فيه الخطوط بين من جاهر بما رآى و من أفلح في تجنب الصراع غير المتكافئ، و أن أعداداً كثيرة من الناس قد سارعت بارتداء الملابس الدالة على المشاركة أو التوجه إلى أقرب إذاعة للتصريح الممجوج، إلا أن الذي لا يستطيع إنكاره سوى من فقد البوصلة الدالة، هو أن مبدأ المصالحة قد صار ضرورة شديدة الإلحاح في وقتٍ مبكر للغاية، و أن الدعوة إليها بالمنظور الذي يرى فيه الاستحقاق الوطني الذي لا بد أن يسعى إليه الجميع و لا مكان فيه للغالب و المغلوب، و أن المجلس الرئاسي الذي شُكِّلَ لهذا الغرض و يتطلّلع هذه الأيام للعب دور في الخروج من الأزمة، لن يتكمن من الخروج بأي طائل ما لم ينطلق من هذه المنطلقات مجتمعة، و ما ذلك إلا لأن المعلومة صارت في زمننا تنتقل بسرعة الضوء كما و أن وسائل الاتصال لم تعد تسمح لأحد أن يتصور إمكانية الحفاظ بما لديه أو التخفي عما اجترأ، و ما من شيء يتفق عليه الناس كاحتقارهم للكاذب و من يخرق ما يقول و يرتكب ما عنه ينهى، و لعل هذا ما حدا برؤساء القوم أن يفاخروا بالتسامح و عدم المكافأة بالسوء و حفظ القريب في غيبته و رفع قدره أمام غيره. و أخيراً فإنهم أي المجلس الرئاسي بثلاثته مَدْعُوُّن أكثر من أي وقتٍ مضى إلى تبنّي الخطاب الذي يحمل هذه المعاني و التي اختتمها شاعر العرب بقوله: “ولا أَحْمِلُ الحِقْدَ القديمَ عَليهــمُ***وليسَ رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحِقْدا“.