
في فرنسا تحديدًا وعند أول تجربة للبلديات في هذا البلد الأوروبي المتطور .. قرَّرتْ الدولةُ نقل كافة الاختصاصات لعميد البلدية .. كما منحته الصلاحيات كافة معتبرةً بذلك أنّ باريس كيان سياسي، واقتصادي متكامل لكنه غير مستقل عن فرنسا .. وبالفعل تواصل العملُ والجهدُ من خلال خطط استراتيجية لنقل كل الاختصاصات للبنية وقد استغرق هذا العملُ ما يقارب من عشر سنوات أصبحتْ خلاله باريس بلدية بمواصفات جمهورية مستقلة، وأصبح عميد بلدية باريس أشبه ما يكون برئيس جمهورية .. الأمرُ المهم في هذا السياق لم يكن مجرد التتويج بمواصفات الرئيس، ولا الصلاحيات المطلقة بل كانتْ المسؤولية الأكبر، والأهم التي يتوقف من خلالها نجاح هذه التجربة بما تحمله من صلاحيات شبه مطلقة؛ حيث كان لزامًا على عميد البلدية مقابل ما تم منحه من صلاحيات أن يكون مسؤولاً أيضًا على إيرادات تطوير باريس وكان عليه أن يعمل ليل نهار من أجل أن يجعل من باريس بلدية تمنح الدولة ميزانيات سنوية وتُسهم في زيادة دخلها ودخل مواطنيها وليس العكس .. كانت فكرة البلدية الجمهورية أنّ تكون البلدية برئاسة عميدها بلدية داعمة لفرنسا تخلق الفرص، وتبني المؤسسات من خلال مواردها وخططها ..
لهذا كانت تجربة رائدة، وناجحة لدى عديد الدول، وقد قامت من خلال عدة منظمات بتصدير تجربتها وتعليمها لعديد الدول .. نحن وإن كنا حديثي ولادة هذه التجربة فقد بدأناها بالفساد المالي المتمثل في انتخاب ما يقارب من عشرة أعضاء بمرتبات ومزايا مجزية ليكون عددهم على مستوى البلد خرافي .. كما أننا أُجبرنا منذ انطلاقة هذه الانتخابات على منح ميزانيات منتظمة متوقفة في تسييلها على صيانة أنبوب، أو حفرة غير عميقة بجوار مدرسة، أو طريق عام .. نحن أرهقنا الدولة بنظام خدمي كان من المفترض أن يكون مدروسًا من كافة جوانبه إلا أنه أصبح خلال عشر سنوات من أكبر التجارب التي اتسعتْ فيها هوة الفساد المال، والإداري .. هذا ناهيك عن المعايير التي يفترض أن تكون حاضرة عند غرس أي لوحة إعلانية لأشخاص لا يملكون حتى هموم العمل الجماعي، ويحملون رؤية، ولا رسالة هادفة تخدم مناطقهم .. لهذا أوقفوا انتخابات البلديات حتى لا نكون مجبرين على مواجهة واقع أمر للوطن والمواطن .. كونوا بخير