من على كرسي المرض تمكن الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات من رؤية إخوته يلعبون بالكرة في الفناء..كان رأسه يؤلمه وشعر بثقل شديد في جسده لدرجة أنه لم يعد قادرا على الحراك..فلقد كان أوكاشا مصابا بحمى التيفوئيد وهو مرض كان من المفترض أن يتعافى منه في غضون أيام..لكنه قضى شهرا داخل مستشفى مزدحم حيث كان كل سرير فردي يحشر أربعة أو خمسة أطفال مرضى..رغم أن العلاج هو جرعة بسيطة من المضادات الحيوية لكنها فشلت هذه المرة ولم تستجب أجسادهم للدواء..فلقد طورت البكتيريا مقاومتها بل كلما تعرضت للمضادات كلما انتشرت العدوى..وحدث إنه بعد شعور الأطفال المرضى ببعض تحسن انتكست حالتهم مرة أخرى..هذه القصة اوجزتها بتصرف بعد أن تناولتها صحيفة أجنبية إلكترونية لأجد بعد تمرير الشاشة أن سبب سردها يكمن في إجتماع تم الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة لمعالجة قضية الإلتهابات المقاومة للأدوية..بعد تحذير منظمة الصحة العالمية من اكتشاف سلالات خطيرة من بكتيريا شديدة الضراوة وتسبب مضاعفات شديدة في الولايات المتحدة و15 دولة أخرى..فحسب الدراسات تتجاوز الوفيات الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات بالفعل حالات الوفاة الناتجة عن الملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية والسل في أفريقيا..فعلى مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة سوف يموت شخص كل ثلاث دقائق بسبب أمراض صحية شائعة يمكن الوقاية منها وعلاجها في السابق وذلك ببساطة لأن المضادات الحيوية التي نستخدمها لعلاج هذه الأمراض لن تكون فعالة..وقد يكون هذا مفاجئا للبعض حيث نتوقع أن يؤدي التقدم المذهل الذي تم أحرازه على مدى العقود الأخيرة إلى الحد من ظاهرة الموت بسبب مقاومة مضادات الميكروبات..ووفقا لذلك لابد من تلبية احتياجات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تتحمل أكبر المآسي..بدلا من تسليط المجهر على الدول المتقدمة دون شعوب العالم النامي..وتقول توصيات مؤتمر نيويورك إن البلدان يجب أن تسعى جاهدة إلى تقليل كمية المضادات الحيوية المستخدمة في النظام الغذائي بحلول عام 2030 والالتزام بمحدودية استخدامها في الحيوانات والزراعة..وسط تحذيرات أخرى من أن مقاومة مضادات الميكروبات قد تكلف الاقتصاد العالمي 100 تريليون دولار بحلول عام 2050..وعلاوة على ذلك تحتاج البلدان النامية التي تتأثر بشكل غير متناسب إلى المزيد من الاستثمارات لتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي ومكافحة العدوى والحصول على اللقاحات..في كل الأحوال توجد دائما ضغوط تمارسها الصناعات الدوائية والزراعية الكبرى حتى لا تتأثر أرباحها..أخيرا اتضح إنه عندما اتصل مكتب الصحافة الاستقصائية بالمدرسة والمستشفى لم يتم الحصول على أية معلومة مفيدة من بيانات ملف أوكاشا الصحي ولا التاريخ الطبي لأي طفل آخر..ليبقى السؤال هل مازال أوكاشا بعد عدم قدرة أبويه على ملاحقة تكاليف العلاج ينظر إلى الشمس عبر نافذة المنزل أملا في الحصول على عقار الملاذ الأخير..طبعا لا ننتظر من الذين يتفرجون على ضحايا الحروب والمجاعة والعطش والمرض أن يستبدلوا حتى واحد من مصانع السلاح المربحة بحفنة من الإنسانية..