على الطريق

إبرةٌ في كومةِ ريح

سميرة البوزيدي

الخرقُ‭ ‬فيَّ،

لا‭ ‬في‭ ‬الثوبِ‭.‬

وفي‭ ‬كلِّ‭ ‬تمزّقٍ

ينزُّ‭ ‬سؤالٌ‭ ‬قديم،

نسيتُ‭ ‬أن‭ ‬أطرّزهُ‭ ‬بجواب‭.‬

اللغةُ

إبرةٌ‭ ‬مائلةٌ‭ ‬في‭ ‬يدِ‭ ‬الريح،

تدخلُ‭ ‬من‭ ‬جهةِ‭ ‬القلب

وتخرجُ‭ ‬من‭ ‬جهةِ‭ ‬الغيم،

تتركُ‭ ‬أثرًا‭ ‬لا‭ ‬يُرى

إلا‭ ‬حينَ‭ ‬يبكي‭ ‬الصمتُ‭ ‬وحده‭.‬

الريحُ

عجوزٌ‭ ‬لا‭ ‬أبناءَ‭ ‬لها،

تجلسُ‭ ‬على‭ ‬كرسيٍّ‭ ‬هزّاز

في‭ ‬آخرِ‭ ‬الصمت،

تحيكُ‭ ‬جواربَ‭ ‬المعنى

لحفيدٍ‭ ‬لم‭ ‬يُولد،

كلُّ‭ ‬غُرزةٍ

سؤالٌ‭ ‬بلا‭ ‬جواب،

وكلُّ‭ ‬عقدةٍ

دمعةٌ‭ ‬يختزنها‭ ‬الغيم‭.‬

ولا‭ ‬تمطر

اللغةُ‭ ‬ابنة‭ ‬متبناة،

هجرتها‭ ‬منذ‭ ‬قرون،

لكنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحيك،

لعلّ‭ ‬القصيدةَ‭ ‬تأتي‭.‬

أسحبُ‭ ‬السلكَ‭ ‬من‭ ‬حنجرتي

كأنني‭ ‬أخيطُ‭ ‬القصيدةَ

من‭ ‬صوتٍ‭ ‬لم‭ ‬يُولد‭ ‬بعد،

أُمرّر‭ ‬المعنى

في‭ ‬ثنايا‭ ‬الخرق،

فلا‭ ‬يلتئم‭.‬

أنا‭ ‬الراتقُ‭ ‬دون‭ ‬يقين،

أرقّعُ‭ ‬الوجودَ

بشيءٍ‭ ‬يشبه‭ ‬المعنى،

وأخيطُ‭ ‬الزمنَ

بخيطٍ‭ ‬من‭ ‬شهقة‭.‬

يا‭ ‬أيها‭ ‬الخرقُ

الممتدُّ‭ ‬في‭ ‬جسدي‭ ‬كقَدَر،

كلما‭ ‬ظننتُ‭ ‬أنّني‭ ‬رتقتُكَ،

انفتحتْ‭ ‬من‭ ‬جديد

كبابٍ‭ ‬لا‭ ‬يُغلق،

كحُلمٍ‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬تحت‭ ‬الوسادة‭.‬

القصيدةُ؟

هي‭ ‬محاولتي‭ ‬الكسيرة

أن‭ ‬أُخفيَ‭ ‬هذا‭ ‬العَطَبَ

بقصيدةٍ‭ ‬تضيءُ

ولا‭ ‬تشفي‭.‬

كثرتْ‭ ‬خيوطي،

واختبأتِ‭ ‬الإبرةُ‭ ‬في‭ ‬حنجرتي،

ضاعَتْ‭ ‬بين‭ ‬استعاراتٍ

لم‭ ‬تعُد‭ ‬تسعُ‭ ‬صمتي‭.‬

أُرتّقُ‭ ‬القصيدة

بما‭ ‬تبقّى‭ ‬لديَّ‭ ‬من‭ ‬شكّ،

أرقّعُ‭ ‬الصمتَ‭ ‬بالصدى،

وأُدخِلُ‭ ‬الإبرةَ‭ ‬لثُقبِ‭ ‬الغيم،

فتهطلُ‭ ‬مجازًا

لا‮ ‬‭ ‬يقينًا‭.‬

كلما‭ ‬طالتْ‭ ‬خيوطُ‭ ‬الشعر،

ضاعَ‭ ‬خيطٌ‭ ‬من‭ ‬يدي،

وصارتِ‭ ‬القصيدةُ

تُفتّش‭ ‬عن‭ ‬نفسها

كما‭ ‬تفتّش‭ ‬عن‭ ‬إبرةٍ

في‭ ‬كومةِ‭ ‬ريح‭.‬

يقولون‭:‬

‭)‬طُولُ‭ ‬السلكِ‭ ‬يُضيّعُ‭ ‬الإبرة‭(‬،

وأنا‭ ‬أمدّدتُ‭ ‬اللغةَ

حتى‭ ‬نسيتُ‭ ‬أنها‭ ‬كانتْ‭ ‬أداةً،

أنها‭ ‬كانتْ‭ ‬جُرحًا‭ ‬حادًّا

لا‭ ‬مرثيّةً‭ ‬أنيقةً‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى