بقلم أ. وفاء ميلود ساسي
يثير موضوع النفقة عدة إشكاليات لدى بعض المحاكم؛ فهو من الموضوعات المهمة التي تمس الفرد والمجتمع لما للنفقة من أهمية في كسوة الفرد وجعله مكتفيا بذاته حتى لا يلجأ للظواهر الهدامة ومنها ظاهرة التسول والسرقة وإلخ….
وقد عالج المشرع الليبي النفقة بنصوص صريحة لا يلحقها أي غموض وذلك كما جاء في القانون رقم (10) لسنة 84 بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما المعدل بالقانون رقم (14) لسنة 2015م.
والذي نص في المادة (22) تشمل النفقة المسكن والطعام والكسوة والعلاج وكل ما به مقومات الحياة.
والمادة (23) تجب نفقة الزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح، وتقدر النفقة بحسب حال الزوج وقت فرضها عسرًا أو يسرًا.
والمادة (24) يجوز طلب زيادة النفقة أو نقصانها لتغير حال المنفق أو أسعار البلد أو ظهور ما لم يكن ظاهرًا من حال الملزم بها.
والمادة (27) أ_ يجوز للمحكمة أن تفرض نفقة مؤقتة لمن يستحقها شرعاً بناءً على طلبه وذلك متى بأن لها من مظاهر الحال أو من التحريات رجحان توافر شروط استحقاق النفقة وتقصير من تجب عليه في القيام بالإنفاق، ويصدر الأمر من المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن مستحق النفقة أو من تجب عليه ويكون الأمر الصادر بفرض النفقة مشمولاً بالنفاذ المعجل.
ب_ يجري تنفيذ الأمر بالطرق المقرَّرة لتنفيذ أحكام النفقة.
ج_ لكل من ذوي الشأن أن يعترض على الأمر وذلك برفع دعوى بالطرق العادية أمام المحكمة الصادر منها الأمر وفي هذه الحالة ينتهي أثر الأمر بصدور الحكم.
د_ لا يستحق أي رسم على الطلب بفرض النفقة أو الأمر الصادر بفرضها أو إعلان هذا الأمر أو تنفيذه.
ونستعرض في هذا المقام اجتهاد بعض من القضاة حول تقدير النفقة والذي تم الاعتراض عليه من قبل الزوج نظراً لعسره.
الحكــــــم
المعترض (الزوج) أقام اعتراضه الماثل بموجب صحيفة اعتراض مسدّد عليها الرسوم أعلنتْ إعلاناً صحيحاً للمعترض ضدها (الزوجة) وقال شرحاً له بأن المعترض ضدها سبق وأن استصدرت أمراً ولائياً ضد المعترض تقرَّر فيه إلزام المعترض (الزوج) بأن يدفع للمعترض ضدها (الزوجة) مبلغاً مالياً قدره 900 دينار ليبي شهري، وهذا الأمر لم يلقَ قبولاً لدى المعترض للوجوه التالية:
أن المعترض(الزوج) متقاعد وأن دخله الشهري قدره (450 د.ل) وأن المبلغ (900 د.ل) كنفقة مستعجلة للمعترض ضدها أثقل كاهله مقارنة إلى دخله، مع عدم وجود مصدر آخر للدخل وأنه لا يستطيع دفع هذا المبلغ نظراً لعسره، ومن ثم يطلب تخفيض قيمة هذا المبلغ لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرَّر ولا ضرار) .. وانتهى إلى طلب:
1_ من حيث الشكل قبول الاعتراض شكلاً.
2_ في الموضوع الحكم بتخفيض مبلغ النفقة المحكوم به للمعترض ضدها ولأبنائه منها إلى مبلغ (350 د.ل) حتى يتبقى له من مرتبه (100د.ل) لكي يستطيع الصرف من باقي مرتبه على نفسه، مع إلزام المعترض ضدها بالمصاريف والأتعاب مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
رأي القانوني:
تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن النفقة أمر شرعي وقانوني لا جدال فيه، ولكن ذلك لا يعني أنه غير منظم بنصوص قانونية مستسقاة من الشريعة الإسلامية، بينت هذه النصوص لمن تعطى النفقة؟ ومتى تعطى؟ والقواعد الأساسية عند إعطائها وتقديرها.
ففي هذه الوقفة نود أن نعرج على إشكالية تقدير النفقة من المحكمة دون أن تتقيد بنص المادة (27) من القانون رقم 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وآثارهما والتي تقضي بأن يكون إصدار أمر النفقة من المحكمة إذا تبين لها من واقع الحال أو من التحريات شروط استحقاقها .. وهاتان النقطتان مهمتان عند إصدار الأمر بالنفقة، إلا أن واقع الحال في بعض الدوائر الشرعية لا تتقيد بفحوى النص مما يسبَّب في إصدار أوامر يلاحقها الاعتراض، ليلغى هذا الأمر ويعدل وفي القليل يصدر الاعتراض بالتأييد، ذلك لأن إصدار الأمر من دون تحريات كما جاء بالنص المشار إليه يجعل من الأمر الصادر بالنفقة مبنياً على اجتهاد والحقيقة أنه لا اجتهاد مع صراحة النص، وهذا مما يسبب في تراكم القضايا.
هذا وتستمر الاعتراضات حول موضوع النفقة من كلا الطرفين نظراً لصدور بعض الأحكام بصورة مستعجلة دون دراسة دقيقة للوضع المالي للزوج ومقدرته على تغطية قيمة النفقة بأكملها وأحيانًا أخرى تكون الاعتراضات نظرًا لتغير الظروف المحيطة بالفرد كغلاء المعيشة وتغير الوضع الاجتماعي للزوج أو الزوجة وحاجة الأبناء في توفير عيش كريم لهم أسوة بغيرهم …
نسأل الله تحقيق العدالة الاجتماعية