رأي

إيرانُ والهجومُ الأمريكي لغزٌ تكشفه الأيامُ

أمين مازن

لئن‭ ‬اختلفتْ‭ ‬التصريحات‭ ‬حول‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬الهجوم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬استهدف‭ ‬المنشآت‭ ‬العسكرية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬النووية‭ ‬منها،‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬أعماقٍ‭ ‬عجزتْ‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬قدرات‭ ‬الكيان‭ ‬الصـهيـوني،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المشاركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬حققتْ‭ ‬المنتظر‭ ‬منها‭ ‬بشأن‭ ‬فاعلية‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بتعطيله‭ ‬لعددٍ‭ ‬من‭ ‬السنين،‭ ‬فإن‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ينصرف‭ ‬إليه‭ ‬تفكير‭ ‬كل‭ ‬مراقب‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬موقفه‭ ‬بصدد‭ ‬المعركة،‭ ‬هو‭ ‬حرص‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬قطع‭ ‬المباحثات‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭ ‬قبل‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬واستؤنفت‭ ‬بعدها،‭ ‬فمثل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬حقيقةٍ‭ ‬واحدةٍ‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الفارسية‭ ‬هو‭ ‬التواصل‭ ‬وليس‭ ‬القطيعة،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬وإن‭ ‬حصلت‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬فإنها‭ ‬أوهن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لأن‭ ‬الفُرس‭ ‬مُكوَّن‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬ما‭ ‬له،‭ ‬والقوة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينكرها‭ ‬سوى‭ ‬قصير‭ ‬النظر،‭ ‬خاصة‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬فيها‭ ‬إيران‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القلاقل‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الغرب‭ ‬يوماً‭ ‬بمنأى‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬يجري،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬بالذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المد‭ ‬اليساري‭ ‬الذي‭ ‬استظل‭ ‬بشخصية‭ ‬الزعيم‭ ‬مصدق‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بموجبه‭ ‬تأميم‭ ‬البترول‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أزمةٍ‭ ‬دفعت‭ ‬الشاه‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬عرشه‭ ‬ومكابدة‭ ‬الغربة،‭ ‬ريثما‭ ‬تمت‭ ‬الترتيبات‭ ‬التي‭ ‬أذُنت‭ ‬بعودته‭ ‬إثر‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الجنرال‭ ‬زاهدي‭ ‬في‭ ‬الخصوص،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كي‭ ‬يعود‭ ‬الشاه‭ ‬إلى‭ ‬عرشه‭ ‬وممارسة‭ ‬سلوكه‭ ‬الامبراطوري،‭ ‬وإنما‭ ‬ليكون‭ ‬صاحب‭ ‬الدور‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬بصفةٍ‭ ‬عامةٍ،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتأخر‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬المطلوب‭ ‬منه‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬التوجهات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬الأحلاف‭ ‬المؤيدة‭ ‬للغرب‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬خياراتها،‭ ‬وكان‭ ‬التنسيق‭ ‬واضحاً‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬تركيا‭ ‬مندريس‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بن‭ ‬غوريون‭ ‬والعداء‭ ‬المكشوف‭ ‬لكل‭ ‬التوجهات‭ ‬الوحدوية‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬السياسة‭ ‬المصرية‭ ‬بالحقبة‭ ‬الناصرية‭ ‬حتى‭ ‬لقد‭ ‬رأيناه‭ ‬لا‭ ‬يتحرّج‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬الجزر‭ ‬الإمارتية،‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬رياح‭ ‬الاستقلال‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬إنه‭ ‬التوجه‭ ‬الذي‭ ‬حافظ‭ ‬عليه‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬عندما‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬الشاه‭ ‬وإقامة‭ ‬نظامهم‭ ‬الذي‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬التوجهات،‭ ‬فتبين‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬المكون‭ ‬الفارسي‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تسقطه‭ ‬من‭ ‬الحساب‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬مهاجمته‭ ‬بالطائرات‭ ‬والقنابل‭ ‬وبالأطنان،‭ ‬وما‭ ‬أحوج‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬إلى‭ ‬استدعاء‭ ‬هذه‭ ‬الخلفيات‭ ‬مجتمعة‭ ‬عند‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬المرحلة‭ ‬ودور‭ ‬المكونات‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬أحداثها‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬تقييم‭ ‬المصالح‭ ‬الحقيقية‭ ‬وإملاءات‭ ‬التبادل‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬وإكراهات‭ ‬التعاون‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬للعواطف‭ ‬وإنما‭ ‬الحسابات‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬الحسابات،‭ ‬حيث‭ ‬يعرف‭ ‬كلٌ‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬ويحق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬يأخذ،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬امتلك‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬حدً‭ ‬كبيرٍ‭ ‬بها‭ ‬ترامب‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى