الرئيسيةرصدلقاءات

المعهد‭ ‬القومي‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬صبراتة.. معـركة‭ ‬السرطان‭!!‬

‭ ‬رتاج‭ ‬المرهاق‭ / ‬منار‭ ‬البريكي

تُعد‭ ‬الأورام‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الصحية‭ ‬الحساسة‭ ‬والمعقدة،‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬حياة‭ ‬الكثيرين‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬ومع‭ ‬تزايد‭ ‬نسب‭ ‬الإصابة‭ ‬وتطور‭ ‬طرق‭ ‬التشخيص‭ ‬والعلاج،‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجوانب‭   ‬الطبية،‭ ‬النفسية،‭ ‬والاجتماعية‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬رصد‭ ‬أوضاع‭ ‬المعهد‭ ‬القومي‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬بمدينة‭ ‬صبراتة‭  ‬وللإقتراب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬مرضى‭ ‬الأورام‭   ‬،‭ ‬ونقل‭ ‬صوت‭ ‬الأطباء‭ ‬والمختصين،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬التحديات‭ ‬والآمال‭ ‬التي‭ ‬ترافق‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ .‬

والتقينا‭ ‬أولاً‭ ‬مع‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬بالمعهد‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الكواش‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬بأن‭   ‬المعهد‭ ‬بيت‭ ‬المرضى‮…‬‭ ‬والسرطان‭ ‬معركتنا‭ ‬جميعًا‭ .‬

بدأ‭ ‬الدكتور‭ ‬حديثه‭ ‬قائلاً‭” ‬تأسس‭ ‬المعهد‭ ‬القومي‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬وبدأ‭ ‬فعليًا‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬المرضى‭ ‬سنة‭ ‬1995‭  ‬وكان‭ ‬يُعرف‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬باسم‭  ‬المعهد‭ ‬الإفريقي‭  ‬ثم‭ ‬تغير‭ ‬اسمه‭ ‬إلى‭ ‬المعهد‭ ‬القومي‭  ‬عام‭ ‬2012‭ ‬ليكون‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المراكز‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬الأورام‭ ‬بشمال‭ ‬إفريقيا‭  ‬ويضم‭ ‬جميع‭ ‬التخصصات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬المرض‭ ‬المعقد‭. ‬

‭ ‬عدد‭ ‬المرضى‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬المعهد‭ ‬

وعن‭ ‬أبرز‭ ‬التحديات‭ ‬الحالية،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬الدكتور‭ ‬في‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬العدد‭ ‬المتزايد‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬تجاوز‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬للمعهد،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قلة‭ ‬عدد‭ ‬الأسرة،‭ ‬ومحدودية‭ ‬الإمكانيات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬يومية‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬الحالات‭. ‬

وأوضح‭ ‬الدكتور‭ ‬أن‭ ‬نقص‭ ‬الأدوية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬التحديات‭ ‬حيث‭ ‬العلاجات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالأورام‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يعجز‭ ‬عنها‭ ‬حتى‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخل‭ ‬الجيد،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬محدودي‭ ‬الدخل‭   ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بدأنا‭ ‬نستلم‭ ‬بعض‭ ‬الأدوية‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهود‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد‭ ‬الطبي‭ ‬والهيئة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ونأمل‭ ‬خلال‭ ‬الشهرين‭ ‬القادمين‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الأدوية‭ ‬اللازمة‭. ‬

وأضاف‭ ‬الكواش‭ ‬بأن‭ ‬عدد‭ ‬الأطباء‭ ‬قليل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬70‭ ‬طبيبًا‭ ‬فقط،‭ ‬بينما‭ ‬نحتاج‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬40‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬طبيبًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭ ‬صعب‭ ‬ومعقد،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يُقبل‭ ‬عليه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الشباب‭. ‬

وحول‭ ‬تنسيق‭ ‬العمل‭ ‬داخل‭ ‬المعهد،‭ ‬يوضح‭ ‬الدكتور‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬هيكلًا‭ ‬تنظيميًا‭ ‬واضحًا‭ ” ‬لدينا‭ ‬مدير‭ ‬عام،‭ ‬وتحت‭ ‬إدارته‭ ‬قسم‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية،‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأقسام‭   ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬لجنة‭ ‬علمية‭ ‬استشارية‭ ‬تقدم‭ ‬الرأي‭ ‬العلمي‭ ‬والخطط‭ ‬المستقبلية‭ ‬لتطوير‭ ‬الأداء‭” .‬

وعن‭ ‬دعم‭ ‬المرضى‭ ‬المحتاجين،‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭” ‬يوجد‭ ‬صندوق‭ ‬تبرعات‭ ‬رسمي،‭ ‬لكن‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬قليلة‭ ‬جدًا‭ ‬ونحاول‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق،‭ ‬وعبر‭ ‬لجنة‭ ‬الزكاة،‭ ‬أن‭ ‬نغطي‭ ‬بعض‭ ‬احتياجات‭ ‬المرضى‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود،‭ ‬لكن‭ ‬الدعم‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭.” ‬

ونوه‭ ‬الكواش‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬للمعهد‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬التوعية‭ ‬المجتمعية‭ ‬حيث‭ ‬نقوم‭ ‬بحملات‭ ‬للكشف‭ ‬المبكر‭ ‬خاصة‭ ‬بسرطان‭ ‬الثدي‭ ‬وسرطان‭ ‬القولون،‭ ‬لأن‭ ‬الكشف‭ ‬المبكر‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأفضل‭ ‬لرفع‭ ‬نسب‭ ‬الشفاء‭ ‬وتقليل‭ ‬تكلفة‭ ‬العلاج‭. ‬

وقدم‭ ‬مدير‭ ‬المعهد‭ ‬شكره‭  ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصرح،‭ ‬رجالًا‭ ‬ونساءً،‭ ‬ممن‭ ‬يسهرون‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬المرضى‭ ‬رغم‭ ‬الصعوبات‭ ‬اليومية‭  ‬مؤكداً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مريض‭ ‬يأتي‭ ‬للمعهد‭ ‬يصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬المعهد‭ ‬و‭ ‬تمنى‭ ‬الشفاء‭ ‬للجميع،‭ ‬ودعا‭  ‬الناس‭ ‬لإجراء‭ ‬الفحوصات‭ ‬المبكرة،‭ ‬لأن‭ ‬السرطان‭ ‬كلما‭ ‬اكتُشف‭ ‬مبكرًا،‭ ‬زادت‭ ‬فرص‭ ‬النجاة‭.‬

الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ‬محمد‭: ‬الأورام‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تميّز‭ ‬بين‭ ‬عمر‭ ‬أو‭ ‬جنس‮…‬‭ ‬والدواء‭ ‬حلم‭ ‬مؤجل‭ ‬بانتظار‭ ‬وعود‭ ‬الدولة

داخل‭ ‬أروقة‭ ‬المعهد‭ ‬القومي‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬في‭ ‬صبراتة،‭ ‬تقف‭ ‬الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ‬محمد،‭ ‬الصيدلانية‭ ‬ورئيسة‭ ‬قسم‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي،‭ ‬كشاهد‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬صعب‭ ‬يعيشه‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ورغم‭ ‬التحديات‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تؤمن‭ ‬برسالة‭ ‬الطب‭ ‬والإنسانية‭ ‬التي‭ ‬دفعتها‭ ‬لاختيار‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭ ‬الدقيق‭.‬

تقول‭ ‬الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ” ‬أنا‭ ‬دكتورة‭ ‬صيدلانية،‭ ‬ورئيسة‭ ‬قسم‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬القومي‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬في‭ ‬صبراتة‭  ‬بدأت‭ ‬مسيرتي‭ ‬المهنية‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القسم‭  ‬في‭ ‬البداية‭  ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أملك‭ ‬دراية‭ ‬كبيرة‭ ‬بهذا‭ ‬المجال،‭ ‬لكنني‭ ‬اخترته‭ ‬لأنه‭ ‬مختلف‭ ‬ومميز،‭ ‬ويعكس‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬شخصيتي،‭ ‬فأنا‭ ‬أحب‭ ‬التحديات‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬واهتمام‭” .‬

تصف‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬بالبسيطة،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأدوية‭ ‬الأساسية‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬الأمور‭ ‬أفضل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭   ‬فالوضع‭ ‬أصبح‭ ‬صعبًا‭ ‬جدًا‭  ‬المريض‭ ‬يواجه‭ ‬معاناة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬العلاج،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار‭ ‬وتدهور‭ ‬الوضع‭ ‬المعيشي‮…‬‭ ‬الرواتب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكفي‭ ‬حتى‭ ‬لجرعة‭ ‬واحدة‭.‬”

وتتابع‭ ‬الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ” ‬رغم‭ ‬كثرة‭ ‬الوعود‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬بتوفير‭ ‬الأدوية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا،‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬تحقق‭ ‬تلك‭ ‬الوعود،‭ ‬وعن‭ ‬أنواع‭ ‬الأورام‭ ‬تشير‭ ‬الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أنواع‭ ‬الأورام‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬المعهد‭ ‬متنوعة،‭ ‬وتشمل‭ ‬فئات‭ ‬عمرية‭ ‬مختلفة‭  ‬تقول‭ ” ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لاحظنا‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬مهولًا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الحالات‭ ‬الجديدة‭  ‬يوميًا‭ ‬نفتح‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمس‭ ‬حالات‭ ‬جديدة،‭ ‬وهذا‭ ‬رقم‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بعدد‭ ‬السكان‭ ‬والإمكانيات‭ ‬الطبية‭. ‬

وتضيف‭: ‬“نشهد‭ ‬حالات‭ ‬إصابة‭ ‬بأورام‭ ‬في‭ ‬الدم‭  ‬والغدة‭ ‬الدرقية،‭ ‬والرحم،‭ ‬وسرطان‭ ‬القولون،‭ ‬وحتى‭ ‬الرئة‭ ‬الأكثر‭ ‬صدمة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأنواع‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬عمرية‭ ‬معينة،‭ ‬فاليوم‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬أو‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬مصابين‭ ‬بسرطان‭ ‬القولون،‭ ‬ومن‭ ‬النساء‭ ‬غير‭ ‬المدخنات‭ ‬مصابات‭ ‬بسرطان‭ ‬الرئة‮…‬‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬يحدث‭.‬”

وتضيف‭ “  ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تستحق‭ ‬دراسة‭ ‬معمقة‭ ‬لمعرفة‭ ‬أسبابها،‭ ‬“قد‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بعوامل‭ ‬بيئية،‭ ‬أو‭ ‬بالغذاء‭ ‬والماء‭ ‬والهواء‮…‬‭ ‬أو‭ ‬بطفرات‭ ‬جينية‭ ‬متزايدة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬الجزم‭ ‬دون‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬دقيقة‭.‬”

ورغم‭ ‬التحديات‭ ‬الطبية‭ ‬والضغط‭ ‬النفسي،‭ ‬ترى‭ ‬الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ‬أن‭ ‬علاقتها‭ ‬بالمرضى‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬العلاج‭  ‬تقول‭:‬

“في‭ ‬البداية،‭ ‬يكون‭ ‬المريض‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صدمة،‭ ‬خائفًا،‭ ‬مترددًا‭ ‬في‭ ‬التفاعل،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬تنشأ‭ ‬بيننا‭ ‬علاقة‭ ‬إنسانية‭ ‬قوية‭  ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نعطيهم‭ ‬العلاج‭ ‬فقط‭  ‬بل‭ ‬نصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حياتهم‭  ‬ونتواصل‭ ‬معهم‭ ‬باستمرار،‭ ‬ونسأل‭ ‬عنهم‭ ‬حتى‭ ‬خارج‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭”.‬

تختم‭ ‬الدكتورة‭ ‬حليمة‭ ‬حديثها‭ ‬بنبرة‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإصرار‭” ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬نحن‭ ‬هنا،‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭. ‬ننتظر‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬الوعود،‭ ‬وأن‭ ‬يتحسن‭ ‬الوضع‭ ‬لأن‭ ‬مرضى‭ ‬الأورام‭ ‬يستحقون‭ ‬الأفضل‮…‬‭ ‬يستحقون‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬بكرامة،‭ ‬وأن‭ ‬يتلقوا‭ ‬علاجهم‭ ‬دون‭ ‬معاناة‭ ‬مادية‭ ‬ونفسية‭ ‬مضاعفة‭.‬

الممرضة‭ ‬زينب‭ ‬الفتحلي‭: ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬للمريض‭ ‬هي‭ ‬مفتاح‭ ‬العلاج‮…‬‭ ‬ورفض‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬نادر‭ ‬جداً‭ ‬

في‭ ‬قسم‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬بالمعهد‭ ‬القومي‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬في‭ ‬صبراتة،‭ ‬تعمل‭ ‬الممرضة‭ ‬زينب‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬قاسم‭ ‬الفتحلي‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭   ‬تملك‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تقرأ‭ ‬وجوه‭ ‬المرضى‭ ‬قبل‭ ‬كلماتهم،‭ ‬وتتفهم‭ ‬مخاوفهم‭ ‬من‭ ‬جرعة‭ ‬أو‭ ‬إبرة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مفتاح‭ ‬الحياة‭.‬

تتحدث‭ ‬زينب‭ ‬عن‭ ‬مسيرتها‭ ‬قائلة‭: ‬بدأت‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الأورام‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬أمراض‭ ‬الدم‭ ‬‮«‬الهيماتولوجي‮»‬‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبًا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬مجددًا‭ ‬لقسم‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭   ‬أعمل‭ ‬هنا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭   ‬وقد‭ ‬تجاوزت‭ ‬خبرتي‭ ‬الآن‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭. ‬

ورغم‭ ‬حساسية‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القسم،‭ ‬تؤكد‭ ‬زينب‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المرضى‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يمنحها‭ ‬إحساسًا‭ ‬بالرضا‭  ‬وعن‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي،‭ ‬تقول‭: ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجربتي،‭ ‬لم‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬تمامًا‭ ‬،‭ ‬المريض‭ ‬عادةً‭ ‬يصل‭ ‬إلينا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يُقرر‭ ‬الطبيب‭ ‬خطة‭ ‬العلاج‭ ‬ويُكتب‭ ‬له‭ ‬التربيشيه‭ ‬أي‭ ‬ورقة‭ ‬العلاج‭  ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬المرضى‭ ‬ذلك‭  ‬يتجهون‭ ‬للقسم‭ ‬لتلقي‭ ‬الجرعة‭. ‬

و‭ ‬توضح‭ ‬زينب‭ ‬أنها‭ ‬تعرف‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خبرتها،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬المريض‭ ‬بعض‭ ‬المرضى‭ ‬قد‭ ‬يصابون‭ ‬بدوخة‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬تسارع‭ ‬في‭ ‬نبضات‭ ‬القلب‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬يشعرون‭ ‬بضعف‭ ‬مفاجئ‭  ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬أتصرف‭ ‬مباشرةً،‭ ‬فأوقف‭ ‬العلاج‭ ‬فورًا،‭ ‬ثم‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬الضغط،‭ ‬والسكر،‭ ‬ودرجة‭ ‬الحرارة‭  ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬القيم‭ ‬طبيعية،‭ ‬أبدأ‭ ‬بإعطاء‭ ‬الأدوية‭ ‬اللازمة،‭ ‬كالكورتيزون‭ ‬مثلاً،‭ ‬حسب‭ ‬الحالة‭  ‬وإذا‭ ‬لاحظت‭ ‬انخفاضًا‭ ‬في‭ ‬السكر،‭ ‬أتصرف‭ ‬بحسب‭ ‬الحالة،‭ ‬وأوفر‭ ‬له‭ ‬العلاج‭ ‬المناسب‭. ‬

وتضيف‭: ‬‮«‬في‭ ‬السابق‭ ‬كنا‭ ‬نرجع‭ ‬للأطباء‭ ‬فورًا،‭ ‬لكن‭ ‬اليوم،‭ ‬وبسبب‭ ‬انشغال‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬أقسام‭ ‬أخرى،‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬خبرتنا‭ ‬الأولية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الموقف‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬التدخل‭ ‬الطبي‮»‬‭.‬

وقال‭ ‬مدير‭ ‬الشؤون‭ ‬الطبية‭ ‬بالمعهد،‭ ‬وطبيب‭ ‬أمراض‭ ‬النساء‭ ‬سابقًا‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬التومي‭ ‬أن‭  ‬ارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬الإصابات‭ ‬بالسرطان‭ ‬مؤشر‭ ‬خطير‮…‬‭ ‬والتشخيص‭ ‬المبكر‭ ‬يحتاج‭ ‬لخريطة‭ ‬جينية‭ ‬وطنية‭.‬

الدكتور‭ ‬التومي‭ ‬التحق‭ ‬بالمعهد‭ ‬منذ‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أمراض‭ ‬النساء‭ ‬والآن‭ ‬يتابع‭ ‬عمل‭ ‬المعهد‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬إداري‭ ‬وطبي،‭ ‬ويسعى‭ ‬مع‭ ‬الفريق‭ ‬لتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬الرعاية‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬رغم‭ ‬التحديات‭ ‬الكبيرة‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭ .‬

وعن‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المتوفرة،‭ ‬أوضح‭ ‬الدكتور‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬الداعم‭ ‬الأساسي‭ ‬للمعهد،‭ ‬منوهاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬متوفر‭ ‬للمرضى‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأقسام‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬العيادات‭ ‬الخارجية،‭ ‬والمعهد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التجهيز‭ ‬يُعد‭ ‬متكاملًا،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬معاهد‭ ‬الأورام‭ ‬العالمية‭  ‬لكنّ‭ ‬نقص‭ ‬الدعم‭ ‬البحثي‭ ‬يُشكل‭ ‬عائقًا‭ ‬كبيرًا‭. ‬

وحول‭ ‬أنواع‭ ‬الأورام‭ ‬المنتشرة،‭ ‬يوضح‭ ‬التومي‭ ” ‬بالنسبة‭ ‬للرجال،‭ ‬يعدّ‭ ‬سرطان‭ ‬البروستاتا‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارًا،‭ ‬يليه‭ ‬سرطان‭ ‬الرئة‭   ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنساء،‭ ‬فيتصدّر‭ ‬سرطان‭ ‬الثدي،‭ ‬ثم‭ ‬سرطان‭ ‬القولون‭  ‬والمقلق‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الحالات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬سنوي‭  ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2022م‭ ‬سُجلت‭ ‬1523‭ ‬حالة‭ ‬جديدة،‭ ‬بينما‭ ‬بلغت‭ ‬الحالات‭ ‬في‭ ‬2024‭ ‬حوالي‭ ‬1758‭ ‬حالة‭  ‬وحتى‭ ‬تاريخ‭ ‬27‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬‮«‬2025‮»‬،‭ ‬سجلنا‭ ‬بالفعل‭ ‬606‭ ‬حالات‭ ‬جديدة‭.‬”

يرى‭ ‬مدير‭ ‬الشؤون‭ ‬الطبية‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬الوراثية‭ ‬الحديثة‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬تبدل‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬المصابة،‭ ‬ويقول‭: ” ‬قبل‭ ‬20‭ ‬عامًا،‭ ‬كان‭ ‬سرطان‭ ‬المبيض‭ ‬يظهر‭ ‬غالبًا‭ ‬لدى‭ ‬النساء‭ ‬المتقدمات‭ ‬في‭ ‬العمر،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فنراه‭ ‬في‭ ‬أعمار‭ ‬أصغر‭ ‬بكثير،‭ ‬كذلك‭ ‬سرطان‭ ‬الرئة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬المدخنين‭ ‬المسنين‭   ‬إذ‭ ‬نشاهد‭ ‬حالات‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬بل‭ ‬أحيانًا‭ ‬أقل‭   ‬وكذلك‭ ‬القولون،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬رجال‭ ‬دون‭ ‬سن‭ ‬الخمسين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬دراسات‭ ‬بحثية‭ ‬لفهم‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭. ‬

ويؤكد‭  : ‬ليبيا‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬خريطة‭ ‬جينية‭ ‬وطنية،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬مراكز‭ ‬بحثية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات،‭ ‬مما‭ ‬يعيق‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬صحية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الأدلة‭.‬”

عن‭ ‬واقع‭ ‬العمل‭ ‬اليومي،‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭: ” ‬المعهد‭ ‬أُغلق‭ ‬لمدة‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬وبعد‭ ‬إعادة‭ ‬افتتاحه،‭ ‬بدأنا‭ ‬بدور‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬يضم‭ ‬أقسام‭ ‬الباطنة‭ ‬والجراحة،‭ ‬بإجمالي‭ ‬16‭ ‬غرفة‭ ‬فقط‭   ‬وهذا‭ ‬العدد‭ ‬لا‭ ‬يغطي‭ ‬احتياجات‭ ‬المرضى،‭ ‬ونضطر‭ ‬أحيانًا‭ ‬للاعتذار‭ ‬أو‭ ‬تأجيل‭ ‬الحالات‭ ‬بسبب‭ ‬امتلاء‭ ‬الأسرة‭. ‬

وعن‭ ‬تعاون‭ ‬المرضى‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ” ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬متعاونون‭ ‬جدًا،‭ ‬فهم‭ ‬يدركون‭ ‬صعوبة‭ ‬حالتهم،‭ ‬ويثقون‭ ‬في‭ ‬الطاقم‭ ‬الطبي‭ ‬والتمريضي‭ ‬‭  ‬نحاول‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬قريبين‭ ‬منهم‭ ‬إنسانيًا‭ ‬ونفسيًا،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬العلاج‭. ‬

ووجه‭ ‬الدكتور‭ ‬التومي‭ ‬رسالة‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ” ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬محاربة‭ ‬السرطان‭ ‬بالدواء‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬العلم،‭ ‬والبحث،‭ ‬والدراسات‭ ‬الجينية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نفتقر‭ ‬إليه‭. ‬أدعو‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأورام،‭ ‬لأن‭ ‬الأرقام‭ ‬تتزايد،‭ ‬والأعمار‭ ‬تنخفض،‭ ‬والمستقبل‭ ‬يتطلب‭ ‬تحركًا‭ ‬جادًا‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ .‬

في‭ ‬زوايا‭ ‬قسم‭ ‬الأورام‭ ‬بمستشفى‭ ‬صبراتة،‭ ‬حيث‭ ‬يختلط‭ ‬صمت‭ ‬الانتظار‭ ‬بأصوات‭ ‬المصلات‭ ‬المتقطعة،‭ ‬التقينا‭ ‬بالدكتورة‭ ‬أمل‭ ‬مبروك‭ ‬شخيم،‭ ‬طبيبة‭ ‬آثرت‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أثقل‭ ‬التخصصات‭ ‬الطبية‭ ‬إنسانيًا‭ ‬ونفسيًا‭   ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اختيارها‭ ‬عشوائيًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬قرارًا‭ ‬نابعًا‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬تركت‭ ‬بصمتها‭ ‬في‭ ‬وجدانها‭.‬

قالت‭ ‬بنبرة‭  ‬حزينة‭ : ” ‬قسم‭ ‬الأورام‭ ‬مظلوم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭  ‬عدد‭ ‬الأخصائيين‭ ‬قليل،‭ ‬الخدمات‭ ‬محدودة،‭ ‬والأدوية‭ ‬في‭ ‬نقص‭ ‬دائم‭  ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬لمن‭ ‬يشعر‭ ‬بهم‭ ‬ويمد‭ ‬لهم‭ ‬يد‭ ‬العون‭  ‬ربما‭ ‬لأنني‭ ‬مررت‭ ‬بتجربة‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬داخل‭ ‬أسرتي،‭ ‬شعرت‭ ‬بقيمة‭ ‬هذا‭ ‬التخصص،‭ ‬ولهذا‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صبراتة‭ ‬محطتي‭. ‬

وترى‭ ‬الدكتورة‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬الأورام‭ ‬يفرض‭ ‬تواصلاً‭ ‬مستمرًا‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬فروع‭ ‬الطب،‭ ‬حيث‭ ‬تضيف‭: ” ‬الأورام‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬واحد‮…‬‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأطفال،‭ ‬والعظام،‭ ‬والنساء،‭ ‬والباطنة‭   ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭.‬”

وحين‭ ‬سألناها‭ ‬عن‭ ‬لقائها‭ ‬الأول‭ ‬مع‭ ‬المرضى‭ ‬الجدد،‭ ‬قالت‭ ‬بأسى‭: “‬يصل‭ ‬المريض‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬خوف‭ ‬شديد‭  ‬يسألني‭: ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬أمل؟‭ ‬هل‭ ‬يستحق‭ ‬العلاج‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العناء؟‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أبيع‭ ‬الأمل‭ ‬الكاذب،‭ ‬لأننا‭ ‬نعيش‭ ‬واقعًا‭ ‬صعبًا‭  ‬أقول‭ ‬للمريض‭ ‬بصراحة‭: ‬الرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬ليست‭ ‬سهلة،‭ ‬لكنها‭ ‬ممكنة‭ ‬بإرادة‭ ‬الله‭ ‬ودعمنا‭ ‬لك‭. ‬

وتضيف‭: ” ‬لدينا‭ ‬عيادة‭ ‬خاصة‭ ‬لتخفيف‭ ‬الآلام،‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نخفف‭ ‬المعاناة،‭ ‬ولكن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬نفسيًا‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬يصعب‭ ‬حتى‭ ‬التحدث‭ ‬معها،‭ ‬خاصةً‭ ‬حين‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬سيكون‭ ‬موجعًا‭. ‬

رغم‭ ‬مرور‭ ‬السنوات،‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬تظل‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتها‭. ‬تروي‭ ‬لنا‭:‬

“لن‭ ‬أنسى‭ ‬مريضة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬33‭ ‬عامًا،‭ ‬أراها‭ ‬كأختي‭. ‬ولا‭ ‬أنسى‭ ‬شابًا‭ ‬عمره‭ ‬24‭ ‬عامًا،‭ ‬مصاب‭ ‬بورم‭ ‬نادر،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يقاوم،‭ ‬ونحن‭ ‬بجانبه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬نملك‭   ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬يمنحونني‭ ‬القوة،‭ ‬رغم‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬معهم‭. ‬

وكان‭ ‬لأسرة‭ ‬تحرير‭ ‬الصحيفة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬مع‭ ‬مرضى‭ ‬الأورام‭ ‬بدأت‭ ‬بالعم‭ ‬العيادي‭ ‬رجل‭ ‬تخطّى‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬بدأ‭ ‬حديثه‭ ‬بجملة‭  :  “‬لكل‭ ‬شخص‭ ‬قصة،‭ ‬وهذي‭ ‬قصتي‭ ‬أنا‮…‬‭”‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الألم‭ ‬فجأة‭  ‬قال‭: ‬“حسّيت‭ ‬بحاجة‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬اليمين‭ ‬من‭ ‬صدري،‭ ‬وبعدها‭ ‬صارتلي‭ ‬ذبحة‭ ‬صدرية،‭ ‬وبدأت‭ ‬نطيح‭ ‬من‭ ‬الوجع،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مفاصلي‭ ‬شوي‭ ‬شوي‭ ‬بديت‭ ‬نحس‭ ‬بضيق‭ ‬في‭ ‬التنفس،‭ ‬وبدأت‭ ‬الكحّة‭ ‬تزيد‭” .‬

كان‭ ‬العم‭ ‬مدخنًا‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬لكنه‭ ‬قرر‭ ‬الإقلاع‭ ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬أو‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬استمرت‭ ‬الأعراض‭   ‬“الكحة‭ ‬كانت‭ ‬مصحوبة‭ ‬بدم‮…‬‭ ‬هنا‭ ‬شعر‭ ‬بالخطر‭.‬

ويضيف‭ ” ‬بدأت‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العلاج،‭ ‬من‭ ‬مصحة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭  ‬كل‭ ‬التحاليل‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ” ‬كويس‭”‬،‭ ‬حتى‭ ‬قرر‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬أخذ‭ ‬عينة‭  ‬“قالولي‭ ‬عندك‭ ‬ورم‮…‬‭ ‬وبعدها‭ ‬مشينا‭ ‬لمصر،‭ ‬خذوا‭ ‬نفس‭ ‬العينة‭ ‬وأكدوا‭ ‬إنه‭ ‬ورم‭ ‬فعلاً‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬خضع‭ ‬العيادي‭ ‬لعدد‭ ‬ستة‭ ‬جلسات‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬الكيماوي،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬لاستكمال‭ ‬العلاج‭ ‬بالليزر‭  “‬مشيت‭ ‬لشارع‭ ‬الزاوية،‭ ‬لكن‭ ‬بعدها‭ ‬قفل،‭ ‬فجيت‭ ‬لصبراتة‭ ‬وكملت‭ ‬الجلسات‭ ‬هني‭  ‬واليوم‭ ‬الأحد،‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬جرعة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬مصر‭.‬

لم‭ ‬يخفِ‭ ‬تجربته‭ ‬الصعبة‭ ‬مع‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭  ‬في‭ ‬مصر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بفلوس،‭ ‬يقولك‭ ‬زيد‭ ‬وادفع،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬الأمور‭ ‬أهون‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭. ‬

وفي‭ ‬ختام‭ ‬الحديث،‭ ‬سألته‭ ‬إن‭ ‬مرّ‭ ‬بلحظة‭ ‬استسلم‭ ‬فيها،‭ ‬فقال‭: ‬“أكيد،‭ ‬وقت‭ ‬الكحة‭ ‬المصحوبة‭ ‬بالدم،‭ ‬حسّيت‭ ‬إنها‭ ‬النهاية‮…‬‭ ‬لكن‭ ‬بعدها‭ ‬بديت‭ ‬نتعالج‭ ‬ونضرب‭ ‬في‭ ‬الكيماوي،‭ ‬وتوّا‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭.‬

و‭ ‬يروي‭ ‬مصطفى‭ ‬سليم‭ ‬مفتاح‭ ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬المرض،‭ ‬وهي‭ ‬حكاية‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬لكنها‭ ‬تركت‭ ‬أثرًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬وحياته‭.‬

‭”‬أنا‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬بنغازي،‭ ‬لكني‭ ‬تنقلت‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدينة،‭ ‬أولها‭ ‬كانت‭ ‬مصراتة،‭ ‬واليوم‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬صبراتة‭  ‬أهلها‭ ‬طيبون،‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بالغربة‭ ‬بينهم”،‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬بدأ‭ ‬مصطفى‭ ‬حديثه،‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬نبرة‭ ‬امتنان‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬مرّ‭ ‬به‭.‬

يسترجع‭ ‬بدايته‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬قائلاً‭: ‬“من‭ ‬سنتين‭ ‬تقريبًا،‭ ‬شعرت‭ ‬بانسداد‭ ‬في‭ ‬أنفي‭  ‬أجريت‭ ‬عمليتين‭ ‬تحت‭ ‬العين،‭ ‬لكن‭ ‬الحالة‭ ‬رجعت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭  ‬العملية‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬كانت‭ ‬تكلف‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬ليبي،‭ ‬فقررت‭ ‬نجي‭ ‬لصبراتة،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬لقيت‭ ‬الخير‭ ‬فيها‭.”‬

رحلة‭ ‬العلاج‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جسدية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬نفسية‭ ‬كذلك‭  ‬يقول‭: ‬“تغيّرت‭ ‬حياتي‮…‬‭ ‬تنكدت،‭ ‬مرضت،‭ ‬وحالتي‭ ‬النفسية‭ ‬كانت‭ ‬تعبانة‭  ‬قعدت‭ ‬في‭ ‬الحوش‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والزعل،‭ ‬لكن‭ ‬الحمد‭ ‬لله،‭ ‬توّا‭ ‬أحسن‭ ‬شوي‭.” ‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬كان‭ ‬لأفراد‭ ‬أسرته،‭ ‬وخاصة‭ ‬بناته،‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬منحه‭ ‬القوة‭  ‬“بنتي‭ ‬كانت‭ ‬السند،‭ ‬وكل‭ ‬مرة‭ ‬نحس‭ ‬بالضعف،‭ ‬نلقى‭ ‬دعمها‭  ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬الاستسلام،‭ ‬كانوا‭ ‬يقولوا‭ ‬لي‭: (‬خليها‭ ‬على‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬وفعلاً‭ ‬خليتها‭ ‬عليه‭. ‬

وصف‭ ‬مصطفى‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬بكلمات‭ ‬مختصرة‭ ‬لكنها‭ ‬معبرة‭: ‬“رحلة‭ ‬صعبة‭ ‬وخطيرة‭.‬”‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬تحسن‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬تقدُّم‭ ‬العلاج‭. ‬“الحمد‭ ‬لله،‭ ‬فيه‭ ‬تحسن،‭ ‬شوي‭ ‬شوي‭ ‬نمشي‭ ‬للأفضل‭.‬”

ويضيف‭ ” ‬أكثر‭ ‬نصيحة‭ ‬أثّرت‭ ‬فيا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬العلاج‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭ ‬لكنها‭ ‬عميقة‭:   ‬كلهم‭ ‬قالولي‭ ‬قوّي‭ ‬إيمانك،‭ ‬والحمد‭ ‬لله،‭ ‬هذا‭ ‬اللي‭ ‬صاير،‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬الفريق‭ ‬الطبي‭ ‬المشرف‭ ‬عليه،‭ ‬فقال‭ ‬بإعجاب‭: ‬“ما‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬الله‭ ‬يبارك‭ ‬فيهم‭.‬”

وفي‭ ‬مدينة‭ ‬صرمان،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬العميد‭ ‬الطيار‭ ‬مفتاح‭ ‬نجمي‭ ‬عامر،‭ ‬تتوقف‭ ‬الكلمات‭ ‬عند‭ ‬عتبة‭ ‬قصة‭ ‬استثنائية‭  ‬رجل‭ ‬قضى‭ ‬سنواته‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬ليبيا،‭ ‬يحلق‭ ‬في‭ ‬مهام‭ ‬عسكرية‭ ‬ضد‭ ‬الغواصات،‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬معركة‭ ‬لا‭ ‬يخوضها‭ ‬في‭ ‬طائرة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬جسده،‭ ‬ضد‭ ‬مرض‭ ‬خبيث‭ ‬لم‭ ‬يُثنِ‭ ‬من‭ ‬عزيمته،‭ ‬ولم‭ ‬يُطفئ‭ ‬إيمانه‭.‬

يقول‭ ‬العم‭ ‬مفتاح‭ ‬وهو‭ ‬يروي‭ ‬تفاصيل‭ ‬قصته‭: ” ‬أنا‭ ‬عمري‭ ‬63‭ ‬سنة،‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬مدينة‭ ‬صرمان‭  ‬اكتشفت‭ ‬وجود‭ ‬ورم‭ ‬في‭ ‬الرئة‭ ‬اليمنى‭ ‬وفي‭ ‬اليسرى‭ ‬بدأت‭ ‬الأعراض‭ ‬بإسهال‭ ‬وقيء‭ ‬،‭ ‬ولما‭ ‬أجريت‭ ‬الفحوصات،‭ ‬تبين‭ ‬وجود‭ ‬ماء‭ ‬على‭ ‬القلب‭ ‬تم‭ ‬تصريفه‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬المصحات‭ ‬الخاصة‭ ‬،‭ ‬بعدها‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تركيب‭ ‬دعامتين‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬،‭ ‬وأخذوا‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الرئة‭ ‬اليمنى،‭ ‬وتبين‭ ‬أن‭ ‬الورم‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬عليه‭” .‬

رغم‭ ‬شدة‭ ‬المرض،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوة‭ ‬شجاعة‭. ‬“تركت‭ ‬التدخين‭ ‬تمامًا،‭ ‬وأقولها‭ ‬من‭ ‬القلب‭: ‬التدخين‭ ‬شراء‭ ‬للموت‭  ‬لا‭ ‬أنصح‭ ‬به‭ ‬أحدًا،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬ربي‭ ‬مدّ‭ ‬في‭ ‬عمري‭ ‬حتى‭ ‬أكون‭ ‬ممن‭ ‬تابوا‭ ‬بصدق‭.‬

وبدأ‭ ‬مفتاح‭ ‬رحلته‭ ‬العلاجية‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬حيث‭ ‬خضع‭ ‬لأول‭ ‬جرعة‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬الكيميائي‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024م‭ ‬ثم‭ ‬استمر‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الأورام‭ ‬بصبراتة‭. ‬

وكان‭ ‬يآخذ‭ ‬جرعة‭ ‬كل‭ ‬21‭ ‬يوم،‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬مواد،‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬ثلاث‭ ‬جرعات‭ ‬يُجرى‭ ‬له‭ ‬تصوير‭ ‬بالأشعة‭ ‬المقطعية‭ (‬الكمبيوتر‭) ‬لمراقبة‭ ‬حجم‭ ‬الورم‭  ‬مع‭ ‬الجرعة‭ ‬السادسة،‭ ‬لاحظ‭ ‬الأطباء‭ ‬تحسنًا‭ ‬ملحوظًا،‭ ‬وانخفض‭ ‬حجم‭ ‬الورم‭ ‬تدريجيًا‭. ‬

سألناه‭ ‬عن‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬أنه‭ ‬بأفضل‭ ‬حال،‭ ‬فأجاب‭ ‬بابتسامة‭ ‬مطمئنة‭:” ‬عندما‭ ‬أستشعر‭ ‬إيماني‭ ‬بالله‭ ‬هذا‭ ‬الإيمان‭ ‬هو‭ ‬الدواء‭ ‬الأول،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يمنحني‭ ‬السلام‭ ‬والقوة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭.‬”

أما‭ ‬عن‭ ‬نصيحته‭ ‬لمن‭ ‬يمرون‭ ‬بتجربة‭ ‬مشابهة،‭ ‬فقال‭:” ‬أوصي‭ ‬الجميع‭ ‬بالمشي،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الأربعين،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭  ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أعانِ‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬أو‭ ‬السكر،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬فضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ونتيجة‭ ‬رياضة‭ ‬المشي‭ ‬التي‭ ‬التزمت‭ ‬بها‭.‬”

ويقول‭ ‬السيد‭ ‬ميلود‭ ‬بشير‭ ‬وهو‭ ‬يستعيد‭ ‬بدايات‭ ‬رحلته‭: ” ‬كنت‭ ‬أتلقى‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬يفرن،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬تحويلي‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭  ‬مضت‭ ‬شهور‭ ‬وأنا‭ ‬أجهل‭ ‬طبيعة‭ ‬مرضي،‭ ‬لم‭ ‬يخبرني‭ ‬أحد‭ ‬بالحقيقة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أسمعه‭ ‬وعود‭ ‬وتأجيل‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬طرابلس‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المحطة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬لرحلة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬طُلب‭ ‬منه‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬جرجيس،‭ ‬وهناك‭ ‬سمع‭ ‬التشخيص‭ ‬الصادم‭: ‬“أخبروني‭ ‬أنني‭ ‬مصاب‭ ‬بمرض‭ ‬خبيث،‭ ‬أعاذكم‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬وأُجريت‭ ‬التحاليل‭ ‬الطبية،‭ ‬وتبيّن‭ ‬أن‭ ‬كلفة‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تفوق‭ ‬21‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬ليبي،‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬يفوق‭ ‬قدرته‭ ‬،‭ ‬فكان‭ ‬القرار‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬لاستكمال‭ ‬العلاج‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭.‬

اليوم،‭ ‬يتلقى‭ ‬ميلود‭ ‬علاجه‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬صبراتة،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الألم‭  ‬يقول‭: ” ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تغيّر‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬ساقي،‭ ‬أصبحت‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬شديد،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬انتفاخ‭ ‬في‭ ‬الحلق‭ ‬وتضخم‭ ‬في‭ ‬اللوزتين‭.‬”‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬إذ‭ ‬فقد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬أنشطته‭ ‬المعتادة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تربية‭ ‬الحيوانات،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬روتينه‭ ‬اليومي‭ ‬ومصدر‭ ‬رزقه‭.‬

رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬مرّ‭ ‬به،‭ ‬يتمسّك‭ ‬ميلود‭ ‬بالأمل،‭ ‬مستندًا‭ ‬إلى‭ ‬إيمانه‭ ‬بالله،‭ ‬وإلى‭ ‬دعم‭ ‬شقيقه‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتخلَّ‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الأوقات‭.‬

عندما‭ ‬سُئل‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬المرض،‭ ‬قال‭ ‬بصوت‭ ‬هادئ‭ ‬تختلط‭ ‬فيه‭ ‬المرارة‭ ‬بالصبر‭: ‬“رحلة‭ ‬شاقة‮…‬‭ ‬أفقدتني‭ ‬الكثير‭. ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬العبء‭ ‬المالي‭ ‬الثقيل‭ ‬الذي‭ ‬يفرضه‭ ‬العلاج،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬كلفة‭ ‬الجرعة‭ ‬الدوائية‭ ‬الواحدة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2000‭ ‬و2700‭ ‬دينار،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تكاليف‭ ‬التحاليل‭ ‬والتصوير‭ ‬الطبي،‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬600‭ ‬و800‭ ‬دينار‭.‬

قصص‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬حالة‭ ‬فردية،‭ ‬بل‭ ‬صورة‭ ‬تعكس‭ ‬معاناة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ممن‭ ‬يواجهون‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬محدودية‭ ‬الإمكانيات،‭ ‬ويواصلون‭ ‬الكفاح‭ ‬بصبر‭ ‬وإيمان‭ ‬لا‭ ‬ينكسر‭ ‬قصص‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭  ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬الألم،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬الصبر،‭ ‬وعن‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يسكنها‭ ‬الإيمان‭  ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬اتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الوقائية‭ ‬والكشف‭ ‬الدوري‭ ‬عن‭ ‬الأمراض‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬متابعة‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬الليبية‭ ‬وتوفير‭ ‬الأدوية‭ ‬والعلاجات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تفاقم‭ ‬الأورام‭ ‬الفتاكة‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى