
مع اقتراب العام الدراسي الجديد، تجد كثيرٌ من الأسر نفسها أمام تحدٍ صعب. كيف تُعيد أبناءها إلى روتين الانضباط بعد صيف طويل من السهر واللهو أمام الشاشات؟، لقد أصبحتْ الأجهزة الإلكترونية على مختلف أشكالها، رفيقاً دائماً للأطفال، لكنها في الوقت نفسه سلبت منهم ساعات النَّوم الطبيعية، وأثرتْ على تركيزهم وحيويتهم. فكثير من التلاميذ يدخلون قاعة الدرس بأجسادٍ مرهقة، وعيون نصف نائمة، حتى أن بعضهم ينام على المقعد لأنهم لم يضبطوا مواعيد نومهم بعد.
ويؤكد مختصون أنَّ السهر المفرط ينعكس سلباً على التحصيل الدراسي، والمزاج، وحتى الصحة الجسدية للطفل. وهنا يبرز دور الأسرة كعنصر أساسي في تهيئة الطفل نفسياً، واجتماعياً لاستقبال المدرسة. فالاستعداد لا يقتصر على شراء الحقائب والكتب، بل يبدأ من تنظيم النَّوم، تقليل وقت الشاشات، وإيجاد بدائل مفيدة تعيد التوازن لحياة الأبناء، حتى يدخلوا عامهم الدراسي بتركيز وحماس لا بكسل وإرهاق.
نعود للسؤال الأزلي إلى كل بيت: كيف يمكن أن نُعيد الطفل إلى أجواء الانضباط بعد صيف طويل من السهر واللعب؟ وهل يستطيع الآباء فعلاً ضبط مواعيد النَّوم وتهيئة الأبناء نفسياً للعودة إلى مقاعد الدراسة؟، رصدنا بعض الآراء أولياء الأمور، وأيضًا آراء الاختصاصيين من الجانب النفسي والاجتماعي وكانتْ أولى هذه الآراء ..
منى أم لثلاثة أطفال نحاول نربط العودة للمدرسة بأجواء مفرحة، نجهز مع بعض الملابس والقرطاسية ونخليهم يختاروا حاجاتهم. هذا يعطيهم دافع وحماس بدل ما يحسوا إن المدرسة عبء.
سالم طالب في المرحلة الإعدادية: أصعب حاجة بالنسبة ليّ هي إني نحب السهر في الصيف، لكن مع بداية الدراسة نولي تعبان في الصبح. مرات نضطر ننعس في القسم. نبي برنامج يساعدنا نبدل هالعادات.
هيفاء معلمة نحن كمعلمين نلاحظ إن أول أسبوع يكون صعب على الطلاب بسبب تغيير الروتين. لذلك من الأفضل أن يبدأ الآباء تدريجياً من البيت. لو الطفل ما نام كويس، حتى مجهوده في الصف بيكون ضعيف.
الأستاذ علي باحث اجتماعي: الطفل يتأثر بسلوك العائلة. إذا الأسرة عندها نظام يومي واضح، فغالباً الطفل يتأقلم بسرعة. لكن المشكلة إن كثيرًا من البيوت نفسها ما عندهاش روتين منظم، وهذا ينعكس على الأبناء.
الجانب الاجتماعي مهم جداً: العودة للدراسة مش مجرد تغيير في مواعيد النَّوم، بل هي انتقال كامل في نمط الحياة. الطفل يخرج من أجواء اللعب والحرية إلى الالتزام والواجبات، وهنا يظهر دور الأسرة والمجتمع في مرافقة الطفل نفسياً واجتماعياً.
الأسر التي تهيء أبناءها عبر الحوار وتشجيعهم تنجح في تخفيف الضغوط. بينما الأسر التي تلجأ إلى الصراخ والعقاب تجد مقاومة وعناداً من الطفل.
أم غفران ربة بيت : الأطفال تعودوا طوال الإجازة على السهر أمام الشاشات، ومع بداية المدارس تصبح المهمة صعبة. نبدأ قبل أسبوع من الدوام بإرجاعهم تدريجياً إلى النَّوم المبكر، حتى لا تكون الصدمة قوية في أول يوم.
محمد أب لطفلين: التنظيم يبدأ من الأسرة. إذا لم يلتزم الأهل بأنفسهم بروتين محدد، فلن يلتزم الأبناء. نحاول إبعادهم عن الهاتف والتلفاز بعد العشاء، وتعويضه بقراءة قصة قصيرة أو جلسة عائلية.
د. مروة الطبولي -اختصاصية نفسية اضطراب النّوم في بداية العام الدراسي هو أكثر ما يواجه الأطفال. من المهم أن تتم التهيئة تدريجياً، وليس فجأة، لأن الحرمان من النّوم ينعكس مباشرة على التحصيل الدراسي والمزاج. يجب خلق أجواء هادئة في البيت قبل النوم، والابتعاد عن المشاحنات أو الضغوط.وتضيف اللعب مهم للأطفال، لكنه يجب أن يكون منظماً. اللعب بعد المدرسة يساعد في تفريغ الطاقة، أما في ساعات الليل فيؤثر سلباً على النوم.
الاستعداد للعام الدراسي لا يعني شراء الحقيبة والكتب فقط، بل هو عملية نفسية واجتماعية تبدأ من البيت: تنظيم الوقت، خلق روتين ثابت، وموازنة بين اللعب والدراسة. التحدي الأكبر أمام الأهل هو كسب تعاون الطفل، لا فرض الأوامر فقط.
كيف تتهيأ أنت وأسرتك لاستقبال العام الدراسي الجديد؟ وهل نجحت في ضبط ساعات نوم . حيث يقول د .وائل طبيب أطفال
كثير من الأطفال يأتوننا في بداية العام الدراسي يعانون من الإرهاق والصداع، والسبب الرئيسي هو قلة النوم وعدم الانتظام في الأكل. من المهم أن يتناول الطفل وجبة إفطار متوازنة قبل الذهاب للمدرسة، وأن يقلل من المنبهات مثل الشاي والمشروبات الغازية ليلاً. الصحة الجسدية مرتبطة مباشرة بالتحصيل
د . فاطمة النائلي
على الأسرة أن تدرك أن التهيئة ليستْ مسؤولية الطفل وحده، بل مشروع جماعي. لا يكفي أن نقول للطفل نم بدري، بل علينا أن نخلق جواً يشجعه: تقليل الضوضاء في البيت، إبعاد الأجهزة الذكية من غرف النّوم، وضع جدول يومي واضح يتضمن وقتاً للعب ووقتاً للواجبات. الطفل إذا شعر بالعدل والتوازن لن يرفض المدرسة.
العام الدراسي الجديد فرصة ذهبية للطفل والأسرة معاً لإعادة بناء الروتين الصحي: نوم منتظم، غذاء متوازن، نشاط جسدي، وبيئة أسرية داعمة.
إذا نجحت الأسرة في ذلك، ستتحول العودة للمدرسة من عبء ثقيل إلى بداية موسم من النجاح والإنجاز.هكذا، يبقى العام الدراسي الجديد امتحاناً حقيقياً ليس للتلاميذ فقط، بل للأسر أيضاً. فإما أن يدخل الطفل فصله الدراسي بكامل نشاطه واستعداده، أو يواجه يومه الدراسي بعيون مرهقة ورأس مثقل بالنعاس، فقط لأنه لم يُعدّل ساعته البيولوجية في الوقت المناسب. بين السهر واللهو وبين الانضباط والنجاح، هناك خيط رفيع اسمه تنظيم الأسرة. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سنترك أبناءنا أسرى للشاشات والسهر؟ أم سنصنع لهم بداية مختلفة، مليئة بالتركيز، الحماس، والنجاح؟
الدراسة ليست شراء حقيبة لكنها عملية نفسية معقدة