رتوش

العيد في بنغازي

فرج غيث

في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفضيل‭ ‬تتوشح‭ ‬الدكاكين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬لوناً‭ ‬آخر،‭ ‬وتستقبل‭ ‬الأسواق‭ ‬زواراً‭ ‬غير‭ ‬الذين‭  ‬اعتاد‭ ‬عليهم‭ ‬التجار،‭ ‬لعل‭ ‬أشهر‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬وأهمها‭ ‬سوق‭ ‬الجريد‭ ‬وسوق‭ ‬الظلام‭.‬

وسط‭ ‬فرحة‭ ‬تكسي‭ ‬الوجوه‭ ‬باستقبال‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك،‭ ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬مدينتي،‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده،‭ ‬مما‭ ‬أفقد‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬إحساسها‭ ‬القديم،‭ ‬كانت‭ ‬الأجواء‭ ‬تسودها‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬لكننا‭ ‬نشهد‭ ‬الآن‭ ‬شبه‭ ‬انقطاع‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬شيء‭ ‬دخيل‭ ‬احزن‭ ‬كل‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬الطيبون‭.‬

كان‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬والأزقة‭ ‬والحواري،‭ ‬وكانت‭ ‬الفرحة‭ ‬ظاهرة‭ ‬على‭ ‬الكل،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬هلال‭ )‬العيد‭ ‬الصغير‭(‬‭ ‬بالرؤيا‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬تنتظر‭ ‬ذلك‭ ‬الشاهد‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬النبأ‭ ‬بنهاية‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬وإطلالة‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬السعيد‭ ‬

‭)‬العيد‭ ‬الصغير‭(‬،‭ ‬ومع‭ ‬أصوات‭ ‬التكبيرات‭ ‬والتهليلات‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬أيام

‭)‬العيد‭ ‬الصغير‭( ‬تدب‭ ‬الفرحة‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬ويبحث‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬عن‭ ‬الفرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬انتهاء‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬ويبتهج‭ ‬الصائم‭ ‬بالإفطار،‭ ‬وأنه‭ ‬أنهى‭ ‬شهرا‭ ‬في‭ ‬العبادات‭ ‬والطاعات،‭ ‬وترتسم‭ ‬السعادة‭ ‬بقدوم‭ ‬العيد‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬الصغار‭ ‬والكبار‭.‬

يأتي‭ ‬العيد‭ ‬السعيد،‭ ‬وتقام‭ ‬صلاة‭ ‬العيد‭ ‬مبكراً‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬والجوامع‭ ‬الكبيرة،‭ ‬ويذهب‭ ‬إليها‭ ‬الناس‭ ‬جماعات‭ ‬مرددين‭ ‬بصوت‭ ‬عالي‭ (‬الله‭ ‬أكبر‭ ‬الله‭ ‬أكبر‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭)‬،‭ ‬تبدأ‭ ‬التكبيرات‭ ‬ويسترق‭ ‬المصلون‭ ‬النظر‭ ‬لمن‭ ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬الجامع،‭ ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬صلاة‭ ‬العيد‭ ‬يقوم‭ ‬المصلون‭ ‬بتهنئة‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬السعيدة،‭ ‬وتتولى‭ ‬النساء‭ ‬إعداد‭ ‬وتجهيز‭ ‬الأكلات‭ ‬والمشروبات‭ ‬والحلويات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالعيد‭ ‬قبل‭ ‬قدوم‭ ‬الرجال‭ ‬من‭ ‬الجامع‭ ‬بعد‭ ‬تأدية‭ ‬صلاة‭ ‬العيد،‭ ‬ويرتدي‭ ‬الأطفال‭ ‬الزي‭ ‬الليبي‭ ‬التقليدي،‭ ‬التي‭ ‬اشتراها‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬حريص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يرتديها‭ ‬أطفاله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬ويتبختر‭ ‬أصحاب‭ ‬الكاط‭ ‬وترفع‭ ‬اليد‭ ‬جبة‭ ‬السكاروتا،‭ ‬وتظهر‭ ‬للعيان‭ ‬الشنة‭ ‬بلونها‭ ‬القرمزي،‭ ‬والفرملة‭ ‬والسورية‭ ‬الليبية‭ ‬القصيرة،‭ ‬والجرود‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تنوعت‭ ‬من‭ ‬دكاكين‭ ‬خواجه،‭ ‬وبن‭ ‬غربال‭ ‬وغوقة،‭ ‬وزيو،‭ ‬والفلفال،‭ ‬والكردي،‭ ‬وبالروين،‭ ‬والقصير،‭ ‬والكنيالي‭.‬

يتعانق‭ ‬الناس،‭ ‬ويتبادل‭ ‬الرجال‭ ‬والأطفال‭ ‬التهاني‭ ‬والتبريكات‭ ‬بالعيد‭ ‬المبارك،‭ ‬تسيل‭ ‬الدموع،‭ ‬يتزاور‭ ‬كل‭ ‬أبناء‭ ‬بنغازي،‭ ‬وتُشرع‭ ‬أبواب‭ ‬البيوت،‭ ‬ويتوافد‭ ‬عليها‭ ‬المهنئين،‭ ‬ثم‭ ‬يتوجه‭ ‬جميع‭ ‬الرجال‭ ‬وفي‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الصباح‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬أكبرهم‭ ‬سنًّا،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تناول‭ )‬العصيدة‭( ‬التي‭ ‬يختلط‭ ‬الرُّب‭ ‬بالزبدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والعسل‭ ‬حولها،‭ ‬والمشروبات‭ ‬والحلويات‭ ‬بأشكالها‭ ‬المختلفة‭ ‬لتقديمها‭ ‬إلى‭ ‬المهنئين‭ ‬بالعيد‭ ‬وخاصة‭ ‬الكعك‭ ‬والغريبة‭ ‬والمقروض،‭ ‬التي‭ ‬تعدها‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬يجتمعن‭ ‬بدورهن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تبادل‭ ‬التهاني‭ ‬وتناول‭ ‬الطعام،‭ ‬ويفرح‭ ‬الأولاد‭ ‬بالعيد‭ ‬ويقرعون‭ ‬بيوت‭ ‬الأقارب‭ ‬والجيران‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬العيدية،‭ ‬وكانت‭ ‬ألعاب‭ ‬الأطفال‭ ‬بريئة،‭ ‬وكانت‭ ‬بسيطة‭ ‬تدخل‭ ‬السعادة‭ ‬والفرح‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬الأطفال،‭ ‬وليس‭ ‬مثل‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية‭ ‬والمسدسات‭ ‬التي‭ ‬تضرر‭ ‬منها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والتي‭ ‬تسببت‭ ‬لهم‭ ‬بالعاهات‭. ‬

وفي‭ ‬الغذاء‭ ‬تختلف‭ ‬الوجبة‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬هناك‭ ‬أسر‭ ‬تجهز‭ ‬طبيخة‭ ‬البطاطا‭ ‬والفاصوليا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬تحضر‭ ‬طبق‭ ‬البازين‭ ‬الليبي،‭ ‬في‭ ‬العيدين،‭ ‬وكان‭ ‬جيراننا‭ ‬ضيوف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المائدة،‭ ‬لدرجة‭ ‬كان‭ ‬جارنا‭ ‬الحاج‭ ‬مسعود‭ ‬العرفي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يأتي‭ ‬لمعايدته‭ ‬أقاربه‭ ‬من‭ ‬المرج،‭ ‬ويتناولون‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬البازين،‭ ‬حتى‭ ‬اصبحوا‭ ‬يذكرون‭ ‬بعضهم‭ ‬بهذا‭ ‬الجملة‭ )‬بسرعة‭ ‬نمشوا‭ ‬لبنغازي‭ ‬نعيدوا‭ ‬على‭ ‬الحاج‭ ‬مسعود‭ ‬ونلحقوا‭ ‬على‭ ‬بازين‭ ‬عمتك‭ ‬فاطمة‭(‬،‭ ‬ويكون‭ ‬لنكهة‭ ‬المشروب‭ ‬الغازي‭ ‬البتر،‭ ‬والبيبسي،‭ ‬و‭)‬سينالكو‭( ‬الدنيني‭ ‬مذاقاً‭ ‬مميزاً،‭ ‬وبالطبع‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ )‬طاسة‭ ‬الشاهي‭( ‬الاخضر‭.‬

وما‭ ‬يحزن‭ ‬اكثر‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬التغير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬تباعدت‭ ‬المسافات‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬وعدم‭ ‬احتفاظهم‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬الحب‭ ‬والتسامح‭ ‬والتقارب‭ ‬بين‭ ‬العائلات‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭ ‬وعلى‭ ‬مائدة‭ ‬واحدة،‭ ‬لقد‭ ‬تغير‭ ‬كثيرًا‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬العيد‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬تجهيزاته‭ ‬الكبيرة‭ ‬بمعانيه‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الحب‭ ‬والترابط‭ ‬والمودة‭ ‬والرحمة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

كل‭ ‬شيء‭ ‬اليوم‭ ‬مصنوع‭ ‬ومستورد‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬البائس،‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬طعم‭ ‬ولا‭ ‬رائحة،‭ ‬ولا‭ ‬طعم‭ ‬للأكل‭ ‬والشراب‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬منها،‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬البركة‭ ‬واللمة‭ ‬الحلوة‭ ‬بينهم‭.‬

اتذكر،‭ ‬أنا‭ ‬واصدقائي‭ ‬دكتور‭ ‬عبدالسلام‭ ‬الزنتاني‭ ‬ودكتور‭ ‬عادل‭ ‬العلواني،‭ ‬والراحلون‭ ‬سالم‭ ‬العبيدي‭ ‬وعيسى‭ ‬العريبي‭ ‬وموسى‭ ‬الورشفاني،‭ ‬كنا‭ ‬نجوب‭ ‬الشوارع‭ ‬والأزقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلمع‭ ‬بالنظافة‭ ‬وتفوح‭ ‬منها‭ ‬الروائح‭ ‬الزكية،‭ ‬والورود‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مكان،‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬والشوارع‭  ‬الطويلة‭ ‬والمحال‭ ‬والحدائق،‭ ‬ورائحة‭ ‬البخور‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مكان،‭ ‬وصوت‭ ‬القرآن‭ ‬والتراتيل‭ ‬من‭ ‬الجوامع،‭ ‬والفوانيس‭ ‬المرصوفة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الشوارع‭ ‬والبيوت‭ ‬والساحات‭ ‬والحدائق‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تضيئ‭ ‬ليل‭ ‬المدينة،‭ ‬ورائحة‭ ‬خبزة‭ ‬التنور‭ ‬التي‭ ‬تحضرها‭ ‬أمهاتنا‭ ‬وجداتنا،‭ ‬وخبز‭ ‬الكوُشة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحضرها‭ ‬لنا‭ ‬خبازون‭ ‬ليبيون‭ ‬شرفاء،‭ ‬أبناء‭ ‬بيتية‭ ‬لا‭ ‬يتاجرون‭ ‬في‭ ‬قوت‭ ‬أبناء‭ ‬مدينتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يستغلون‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬فُرضت،‭ ‬وكانت‭ ‬حلويات‭ ‬العيد‭ ‬التي‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬الكعك،‭ ‬والغريبة،‭ ‬والمقروض،‭ ‬لها‭ ‬طعم‭ ‬ومذاق‭ ‬خاص،‭ ‬واشاهد‭ ‬الأطفال‭ ‬وهم‭ ‬يتسابقون،‭ ‬وتسبقهم‭ ‬اصواتهم‭ ‬وضحكاتهم،‭ ‬والرجال‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الوسامة‭ ‬والأناقة‭ ‬بالزي‭ ‬التقليدي‭ ‬الليبي‭ ‬الأصيل،‭ ‬زي‭ ‬فاخر‭ ‬يرتديه‭ ‬الرجل‭ ‬الليبي،‭ ‬متمثلًا‭ ‬في‭ ‬الكاط‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬قطع،‭ ‬هي‭ ‬الفرملة،‭ ‬والزبون‭ ‬والسروال،‭ ‬وجميعها‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬القماش‭ ‬الفاخر،‭ ‬مطرزة‭ ‬كل‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القطع‭ ‬الثلاث‭ ‬بطرز‭ ‬ليبي‭ ‬خاص‭ ‬يأخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬زخرفية‭ ‬متنوعة‭ ‬تشكل‭ ‬بواسطة‭ ‬مفتول‭ ‬الحرير‭ ‬الخالص‭ ‬بيدي‭ ‬صانع‭ ‬ماهر‭ ‬يستعمل‭ ‬فيها‭ ‬الإبرة‭ ‬فقط،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القميص‭ ‬

‭)‬السورية‭ ‬الليبية‭ ‬القصيرة‭( ‬والشنة‭ ‬وهي‭ ‬غطاء‭ ‬للرأس،‭ ‬ويلحق‭ ‬بها‭ ‬البُـسكل،‭ ‬والنعل‭)‬البلغة‭(‬،‭ ‬وقد‭ ‬تعطروا‭ ‬بأطيب‭ ‬العطور‭ ‬الأصلية‭. ‬والنساء‭ ‬بلباس‭ ‬ملكي‭ ‬حريري‭ ‬طويل‭ ‬يغطين‭ ‬أوجههنّ،‭ ‬والحلي‭ ‬والجواهر‭ ‬النفيسة،‭ ‬فالأناقة‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الألبسة،‭ ‬والجميع‭ ‬بمظهر‭ ‬الفخامة‭ ‬والغنى،‭ ‬الألبسة‭ ‬حريرية‭ ‬مطرزة‭ ‬والأحذية‭ ‬جلدية‭ ‬فاخرة،‭ ‬كنت‭ ‬اشاهد‭ ‬طلبة‭ ‬العلم‭ ‬يعبرون‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬طويل‭ ‬مع‭ ‬معلميهم،‭ ‬اسراب‭ ‬من‭ ‬الحمام‭ ‬والطيور‭ ‬المهاجرة‭ ‬تحط‭ ‬وتطير‭ ‬اينما‭ ‬تواجدت‭ ‬أكوام‭ ‬الحبوب‭ ‬والغذاء‭ ‬التي‭ ‬يضعها‭ ‬أهلنا،‭ ‬وأصوات‭ ‬الفرح‭ ‬والدعاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬المتاجر‭ ‬عبقة‭ ‬برائحة‭ ‬الحلويات‭ ‬والعسل‭ ‬والفواكه‭ ‬والخضر‭ ‬الطازجة‭ ‬والمكسرات،‭ ‬وأواني‭ ‬الفخار‭ ‬والطين‭ ‬والسجاد،‭ ‬أسماء‭ ‬الشوارع‭ ‬ولافتة‭ ‬

‭)‬العدل‭ ‬أساس‭ ‬الملك‭( ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شارع،‭ ‬اصوات‭ ‬خرير‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬ونافورة‭ ‬وشارع،‭ ‬اصوات‭ ‬العربات،‭ ‬افراد‭ ‬شرطة‭ ‬الأمن‭ ‬يراقبون‭ ‬التجار‭ ‬والنظافة‭ ‬وكلّ‭ ‬شيء،‭ ‬والجاليات‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬معنا،‭ ‬وعمال‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬العالم‭ ‬منبهرين،‭ ‬وأهل‭ ‬الخير‭ ‬مصطفين‭ ‬لمنح‭ ‬الصدقات‭ ‬والملابس‭ ‬الجديدة‭ ‬والطعام‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬بحاجة‭ ‬لها،‭ ‬كنت‭ ‬صحبة‭ ‬أصدقائي‭ ‬نشارك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المبادرات‭ ‬التطوعية‭ ‬لمساعدة‭ ‬المغتربين‭ ‬في‭ ‬مدينتنا،‭ ‬وكنا‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬الفرحة‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬العيد؛‭ ‬ونحرص‭ ‬خلال‭ ‬يوم‭ ‬العيد‭ ‬على‭ ‬تخصيص‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬وقتنا‭ ‬لزيارتهم‭ ‬والمعايدة‭ ‬عليهم‭ ‬وتقديم‭ ‬بعض‭ ‬الحلويات‭ ‬الليبية،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التكافل‭ ‬والإحساس‭ ‬بالآخرين‭. ‬ونتفقد‭ ‬المحرومين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬ومعايدتهم،‭ ‬ومحاولة‭ ‬بث‭ ‬الفرح‭ ‬في‭ ‬نفوسهم،‭ ‬والتواصل‭ ‬معهم،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الأطفال‭ ‬الأيتام،‭ ‬الذين‭ ‬يفتقدون‭ ‬من‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الفرحة‭ ‬في‭ ‬قلوبهم،‭ ‬ونقوم‭ ‬بزيارة‭ ‬المريض‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬منزله،‭ ‬وزيارة‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬غير‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬بحرية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أبنائهم‭ ‬حولهم،‭ ‬لأنها‭ ‬من‭ ‬الواجبات‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬عليها‭ ‬وحرصنا‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بها،‭ ‬فهي‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬الكبير‭ ‬وإظهار‭ ‬المحبة‭ ‬له،‭ ‬وكذلك‭ ‬زيارة‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى،‭ ‬الذين‭ ‬يمر‭ ‬عليهم‭ ‬العيد‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬عزيز‭ ‬من‭ ‬بينهم؛‭ ‬حيث‭ ‬يستعد‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحضير‭ ‬الكراسي‭ ‬والقهوة‭ ‬والشاي‭ ‬والحليب‭ ‬والتمر‭ ‬لتوزيعها‭ ‬على‭ ‬الحضور،‭ ‬الذين‭ ‬يعلنون‭ ‬بذلك‭ ‬مواساتهم‭ ‬لأهل‭ ‬المتوفى‭ ‬والمعايدة‭ ‬عليهم،‭ ‬وقع‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬العيد،‭ ‬والابتسامة‭ ‬في‭ ‬الوجه،‭ ‬عند‭ ‬تبادل‭ ‬التهاني،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬نعرف‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬نعرف،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬أواصر‭ ‬المحبة‭ ‬والاحترام‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬ليترسخ‭ ‬لدى‭ ‬الأبناء‭ ‬مفهوم‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬الأقارب‭ ‬والجيران‭ ‬والأرحام‭.‬

في‭ ‬العيد،‭ ‬تظهر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬والتي‭ ‬يؤكد‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭ ‬أهمية‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزيارات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬يقومون‭ ‬بها،‭ ‬فهذه‭ ‬الزيارات‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الصور‭ ‬التكافلية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭.‬

لكن‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬سُلطت‭ ‬علينا،‭ ‬بمسميات‭ ‬مختلفة،‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بريئة‭ ‬منهم،‭ ‬وأخرون‭ ‬باسم‭ ‬الحريات‭ ‬والحقوق،‭ ‬ولم‭ ‬يبقوا‭ ‬لنا‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬السعيد‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نسعد‭ ‬بها،‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬لنا‭ ‬سوى‭ ‬أرواح‭ ‬أجدادنا‭ ‬التي‭ ‬نحيا‭ ‬بها‭.‬

عيد‭ ‬سعيد‭ ‬بجمال‭ ‬عيد‭ ‬أجدادنا‭ ‬زمن‭ ‬الحضارة،‭ ‬لقد‭ ‬حاولوا‭ ‬دفننا،‭ ‬ولكنهم‭ ‬لم‭ ‬يعلموا‭ ‬بأنّنا‭ ‬بذور‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى