ثقافة

اعتراف

محمد الهاشمي

كنتُ‭ ‬مطيعًا‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬

أيام‭ ‬القملِ‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬

حينما‭ ‬كنا‭ ‬صغارًا‭ ‬

نستلفُ‭ ‬المعاطف‭ ‬في‭ ‬الشتاء

لندّفئ‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬سنعيشها‭ ‬

تكبر‭ ‬كالخوف‭ ‬شذ

في‭ ‬صدور‭ ‬الأيام‭ ‬

نخبر‭ ‬أبلاتنا‭ ‬الحزينات

عن‭ ‬مستقبلنا‭ ‬الممزق‭ ‬

ونبتسم،‭ ‬ثم‭ ‬يبتسمن‭ ‬

يذهب‭ ‬كلٌ‭ ‬منّا‭ ‬إلى‭ ‬وهمه‭ ‬المفضل

ليتعرى‭ ‬أمامه

الكبار‭ ‬صوبَ‭ ‬الجحيم‭ ‬

ونحن‭ ‬الصغار‭ ‬

نحنُ‭ ‬نعيد‭ ‬إشعال‭ ‬الجحيم

وتجهيزه‭ ‬لأيامنا‭ ‬المتبقية

فقط‭ ‬لأنهم‭ ‬أختاروا‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭ ‬الماركة‭ ‬

حددوا‭ ‬المقاسات‭ ‬والألوان

وحتى‭ ‬خيط‭ ‬الدانتيل‭ ‬المترنحِ‭ ‬من‭ ‬حمالةِ‭ ‬صدرٍ‭ ‬لفاتنة

الموت‭ ‬على‭ ‬قارعةِ‭ ‬البؤس‭ ‬

شهيدًا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سكّيرًا‭ ‬مُلقى‭ ‬في‭ ‬الزقاق‭ ‬

ولا‭ ‬يبدو‭ ‬ثمينًا‭ ‬للحكومة‭ ‬

كنتُ‭ ‬طفلاً‭ ‬لطيفًا‭ ‬

أمسح‭ ‬عن‭ ‬مؤخرات‭ ‬النساء‭ ‬الغبار‭ ‬

وأضع‭ ‬على‭ ‬وجهي‭ ‬الخطايا‭ ‬

أكبرُ‭ ‬مسخًا‭ ‬

ألطخُ‭ ‬جلدي‭ ‬بالسهر‭ ‬والتبغ‭ ‬

وأبيعُ‭ ‬شبابي‭ ‬المستعمل‭ ‬

لأول‭ ‬بائع‭ ‬متجول‭ ‬بالمكان‭ ‬

وربما‭ ‬سأشتري‭ ‬وردة‭ ‬حمراء‭ ‬

أضعها‭ ‬فوق‭ ‬قبر‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬أعرفه‭ ‬

أو‭ ‬سأبتاع‭ ‬حبل‭ ‬شنق‭ ‬

سأجرب‭ ‬الرحيل‭ ‬عنك‭ ‬

فلا‭ ‬يهم‭ ‬المكان‭ ‬

ألا‭ ‬تدري‭ ‬كم‭ ‬أتألم

متى‭ ‬سألتْ‭ ‬قطتنا‭ ‬فيكتوريا‭ ‬عني‭ ‬

كانت‭ ‬تتسلل‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬

لتخبرني‭ ‬كعصفورة‭ ‬مطاردة‭ ‬

كم‭ ‬أبدو‭ ‬حزيناً‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬أيضاً‭ ‬

ترحل‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬

وأبقى‭ ‬كالنصب‭ ‬التذكاري‭ ‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬مهجورة‭ ‬

أبحث‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬

أما‭ ‬فأنا‭ ‬فلستُ‭ ‬حتى‭ ‬قطاً‭ ‬بائساً‭ ‬

يحصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬

كنتُ‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬طفلاً‭ ‬

ولكني‭ ‬اليوم‭ ‬صعلوك‭ ‬المدينة‭ ‬المفضل‭ ‬

تلفظني‭ ‬للأرصفة‭ ‬كالنخامة‭ ‬

والمارة‭ ‬العابرون‭ ‬بقلق‭ ‬

يحاولون‭ ‬الإمساك‭ ‬بحياتهم‭ ‬وهي‭ ‬تركض‭ ‬بعيداً‭ ‬

يدوسون‭ ‬فوقي

كأعقاب‭ ‬السجائر‭ ‬أُدهس‭ ‬

إنهم‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬لا‭ ‬يسمعون‭ ‬صراخي

إنك‭ ‬مثلهم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬

لم‭ ‬تحبني‭ ‬هكذا‭ ‬

ببساطةٍ‭ ‬كأبٍ‭ ‬يحب‭ ‬إبنه‭ ‬

والآن‭ ‬وأنا‭ ‬أكرهك‭ ‬يا‭ ‬أبي

وأكتب‭ ‬فضيحتي‭ ‬

كأعتراف‭ ‬خطير‭ ‬

كنتُ‭ ‬يوماً‭ ‬طفلاً‭ ‬يحبك‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى