الأستاذ امحمد بحيح ومجلة رسالة
أمين مازن
عندما جلس الأستاذ امحمد بحيح على مقاعد المجلس التشريعي الطرابلسي في هيئته الثانية كان يخلف الشيخ محمد غريبي الذي شغل أحد المقعدين المقررين لمدينتهما «زليتن» و الذي كان أثناء وجوده مثالاً للحيوية في تلك الدورة اليتيمة التي عقدها المجلس في هيئته الأولى و سادها الكثير من الصراع الذي تعود أسبابه بدون شك إلى مرحلة ما قبل الإستقلال، تلك التي كان للأستاذ بحيح حظوره المميز في خضمها و هو يدرس بالأزهر الشريف مشاركاً النابهين من زملائه في مناقشة الكثير مما كا يُطرَح بتجمعات الطلبة ممن كانوا يجمعون بين الانكباب على اختصاصاتهم الدراسية و ما يشهده المحيط من قوي التفاعل انطلاقاً من حدة المنافسة بين الدارسين في الأزهر الشريف و غيرهم من الذين دفعت بهم الثانويات الجديدة إلى الجامعة المصرية و الذين كانوا في منزلة بين المنزلتين فوجدوا طريقهم إلى دار العلوم الأكثر اتصافاً بالمعاصرة مما كان يؤثر في مجمله على مستويات هؤلاء الدارسين فيوفر لهم تحقيق خصوصية لا تتعلق بالإختصاص الدراسي بقدر ما تنتج عن المقومات الشخصية و التي يُعبِّر عنها عادةً ارتياد المجال الصحفي و لا سيما المجلات الأدبية التي أمكن لبعض الدارسين الليبيين أن ينشروا بها نماذج من كتاباتهم، و ذلك قبل أن يتمكنوا من اصدار مطبوعتهم التي حملت اسم «صوت ليبيا» و لقد كان امحمد بحيح واحداً من الذين ولجوا باب النشر المتمثل في مجلة «رسالة» لصاحبها الزيات و قرأنا لهم معشر الذين تقفّينا أثرهم و سيَّرهم و حاولنا الوقوف على حقيقة مستواهم في وقتٍ لاحق، فأدركنا دور أمثال مصطفى بعيو و علي يحي معمر و مختار هويسة و يليهم بحيح الذي بدأ مشواره لاحقاً في المجلس التشريعي حين نال عضويته بالترشح لمقعد نائب الرئيس فيحظى به في ما يشبه الإجماع، إذ وجد فيه الأعضاء و هم يمارسون مهمتهم لأول مرة ما حفزهم للاحتكام إلى ما كان يلوح من حسن المظهر إلى جانب ما كان معروف عن غريبي من قدرة ملحوظة على النقاش اللافت، و الواقع أن تلمّس مستوى الأداء يمكن أن يؤيد القول بهذه النتيجة على الرغم من أن الموقف الرسمي إن صح التعبير يمكن وصفه بأنه لم يكن بريئاً من الرصد و قد نقول التحفّز، إذ لم يكن الرجل يخطو خطواته الأولى نحو أداء مهمته الرقابية في المجلس المذكور و هيئته الثانية تحديداً و يتقدم بسؤاله اللافت إلى حكومة الولاية بشأن إلغاء خدمات الخبير المالي «كلوت» رغم أنه بريطاني الجنسية إذ عجزت السلطة فيما يبدو عن ثنيه عن تدقيق الحسابات و لم يتردد بحيح في إثارة إنهاء خدمته على هيئة سؤال يمكن الرد عليه بالطبع و ربما بما يكفي السؤال، إلا أن السلطة أرادت أن توجه بشكل سريع رسالة أكثر عنفاً و قد نقول وقاحة بأن غمزت لأحد الأعضاء المشتبه فيهم فيطلب حذف البند من جدول الأعمال لمجرد افتتاح الجلسة من قبل الرئيس، و عندما حاول الرجل أن يدافع عن حقه في السؤال عن أمر يهم الناس كافة و الحقيقة كما يجب أن تظهر لم يعدم الصوت المنتظر لتزكية الإقتراح الداعي إلى حذف السؤال من جدول الأعمال طالباً من ثم لأخذ الأصوات، فلم يكن أمام رئاسة المجلس سوى أن تفهم الرسالة و تجيب باستظهار الأراء بالصيغة التقليدية و الحاسمة و قد نقول المُوحية التي لم تتجاوز كلمة هل يوافق حضرات الأعضاء على حذف السؤال كما اقترح العضو المحترم و قد حُدد المطلوب في البند الرابع و ليس في موضوع له عنوانه لتأتي الموافقة العامة على حذف البند و لم يُمَس قرار السلطة بإبعاد الخبير المالي بأي منغّص، و الهدف هو التمكين للسلطة كي تتصرف مالياً في مأمن عن التدقيق الحسابي كما يجب أن يكون، على أن ما كان غير محسوب بدقة على ما يبدو هو أن الأستاذ بحيح لم ينطو على نفسه أو يعرض عن مواصلة مهمته بمسئولية، إذ بدا أنه لم يتردد في اداء واجبه بكل المسئولية انطلاقاً من القبول برئاسة لجنة التشريع و العدل المختصة بالنظر في أخطر القوانين و التي كثيراً ما تكون جامعة بين اهتمام زملائه الأعضاء من ناحية و السلطة التنفيذية من ناحية أخرى، لأن القوانين التي تُناقش في اللجنة المذكورة لا تخرج عن من المجلس التنفيذي أو اقتراح من الأعضاء، أما اختصاص البحث و التهيئة للإقرار فمن مشمولات اللجنة التي لم يخرج منها بحيح منذ دخوله المجلس، تلك التي كان من بينها قوانين السلاح و الصيد و الغابات فضلاً عن اللوائح التنظيمية المُكمِّلة عادة للقوانين إلى جانب طلبات المناقشة و المواضيع الطارئة و ما عنَّ له من الأسئلة و الإقتراحات التي طالما كان فيها مثال العضو المنشغل بالولاية ككل و الذي لا يعوِّل كثيراً على خطب ود العامة من الناس بقدر ما يحرص على سلامة الخيارات مهما كان حجم المشكلات المطروحة