
منذ ساعات الصباح الأولى انطلق الفريق الإعلامي بالصحيفة رفقة السائق الرائع الذي تحمل عناء السفر حاملاً الهدف ذاته، والرسالة السامية.
الهدفُ تغطية الحدث اتجهتْ إليه الانظار منذ أكثر من ستين يومًا شهدته ولا تزال تتعايش معه مدينة الأصابعة الواقعة بالجبل الغربي جنوب العاصمة طرابلس .
المهمة لم تكن سهلة المسافة طويلة والتوقعات كبيرة والضغوط المهنية حاضرة لكن الروح التي حملها الفريق، والتي امتزج فيها الشغف بالواجب كانت كفيلة بأن تبدّد كل التحديات.
خسائر كبيرة ومنازل تحولت إلى أطلال
مواطن :
كل ما أملك أصبح رماداً في لحظات
أصابهم الهلع ومصابًا جللًا، ادخنه، وحرائق خلفت ركام المنازل، وخسائر مادية في الممتلكات سرقتْ النوم من أرباب الأسر خوفًا على أبنائهم من أن تلتهمهم النيران .
ففي مشهد غير مألوف، ومفجع استيقظتْ مدينة )الأصابعة( على كارثة اشتعال حرائق متتالية اندلعتْ في مئات المنازل السكنية في أحياء مختلفة من المدينة منهم من تأذى لأكثر من مرة ما أدى إلى خسائر مادية كبيرة دون تسجيل أي إصابات بشرية.
الحادثة التي طالتْ أكثر من 235 منزلًا اثارتْ الهلع، والخوف في نفوس السكان وطرحتْ أسئلة ملحّة حول أسباب هذه الحرائق التي لا تزال غامضة حتي هذه كتابة هذه الأسطر على أمل كبير أنّ تُعرف الأسباب، وتنتهي.
بدأتْ سلسلة الحرائق قبل أشهر عندما أندلعتْ النيران في منازل .
لم يكن أحد يتوقع أن ذلك الحريق المحدود سيكون الشرارة الأولى لكارثة لم تشهدها المدينة من قبل خلال أقل من 72 ساعة، انتشرت الحرائق في منازل متفرقة تشابهت معضمها في شرارتها الأولى اشتعال داخلي مفاجئ، وسرعان ما تمددتْ، وسط غرف المنازل والشرفات والجراجات وسرعان ما تحولت منازل كثيرة في )حي جندوبة( المعروف في المدينة إلى منازل مهجورة تركها أصحابها كونها لم تعد بيوتًا للعيش والمأوى، رجال الأطفاء بهيئة السلامة المدنية في سباق مع الزمن لإخماد النيران، والحد من انتشارها إلى المنازل المجاورة، وفي كل مرة تخمد النيران في موقع يأتي بلاغ عن حريق آخر في مكان جديد.
خسائر كبيرة ومنازل تتحوَّل إلى رماد
نقطةُ البداية كانتْ من المجلس البلدي الأصابعة؛ حيث التقتْ «الصحيفة» بالسيد «الصديق المقطف» مدير مكتب الإعلام بالبلدية، الذي تحدث قائلاً :
كنتُ أحد المتضرّرين الذين لاحقتهم النيران وحسب ما تابعنا من خلال سجل البلاغات الصادرة من الأهالي، فإن عدد المنازل المتضرَّرة تجاوز 235 منزلاً، تراوحتْ الأضرارُ فيها بين التلف الجزئي، والاحتراق الكلي.
وتمثلتْ الخسائر في تدمير أثاث مكتبية، وأجهزة كهربائية، ومقتنيات خاصة، وملابس، وأغطية، وسيارات دون وقوع إصابات بشرية تذكر إلا بعض إصابات الاختناق، والحمد لله تعافى الكثيرُ ممن مكثوا في المستشفى العام الذي تم تجهيزه فور بداية الأزمة داخل المدينة
واضاف المقطف : أن كل ما أملكه في المنزل أصبح رمادًا في لحظات، شاهدتُ النيران وهي تلتهم بيتي وقد انهيتُ بناءه حديثًا، وأصبح الٱن غير صالح للسكن فقد طالته النيران لا نعرف ما يحدث، لكنَّنا نعيش حالة رعب حقيقي.
وإن ما حاولتُ الخروج به هو المستندات، والأوراق الرسمية وهي الآن في حقيبة السيارة خوفًا عليها من التلف .
أصواتُ الأهالي المتضررة تتعالى: نريد حلاً
في جولة سريعة داخل الأحياء المتضررة، سادتْها أجواء من القلق والتوتر. فالكثير من العائلات لا تزال تقيم في بيوت أقاربها، أو في أماكن إيواء مؤقتة. البعض رفض العودة إلى منزله حتى التأكد من زوال الخطر، وفي كل زاوية، لا حديث إلا عن النيران، والخوف من عودة اللهب.
يقول الحاج مصطفى، أحد سكان الحي المتضرّر :
لا يمكن أن يكون كل هذا مجرد صدفة، نريد تحقيقًا يوضح لنا الأسباب من المسؤولين، ونحن الآن لا ننام مرتاحين فالليلة المنصرمة قبل مجيئكم لعين المكان اندلعتْ في البيت نيران، وكانت إحدى بناتي تنام، وإذ بالنيران تلتهم الفراش، ولولا ستر الله لكانت الضحية الأولى، كثيرون غادروا البيت، وأختاروا النوم خارجًا بعين واحدة .
تضامن مجتمعي
رغم الحزن الكبير، ظهرت ملامح تضامن اجتماعي مشرف؛ حيث سارع كثير من أهالي الأصابعة إلى تقديم يد المساعدة للأسر المتضررة، سواء بتوفير مأوى، أو وجبات طعام، أو التبرع بالملابس والأثاث .. كما أطلقت عديد مؤسسات المجتمع المدني المحلية مبادرات لإغاثة العائلات المنكوبة، ودعتْ رجال الأعمال إلى تحمل مسؤولياتهم المجتمعية في هذه المحنة، مطالبين الحكومة بالمثل في سرعة تقديم تعويضات مادية، وحلول نهائية لهذا المصاب
التحقيقات مستمرة ..
ونطاق التوقعات يتسع
الجهات الأمنية على ما يبدو لنا انها تمارس مهامها بصورة حسنة هذا ما ما شاهدناه خلال زيارتنا الميدانية الفنية ما تزال جارية، بمشاركة متخصصين في تحليل الحرائق، ومفتشي الأدلة الجنائية، الذين يقومون بفحص كل موقع على حدة، وتوثيق ملاحظات مفصلة حول مواقع بدء الاشتعال، المواد المتأثرة.
الأصابعة تنجو من الأسوأ
لكن الجرحَ لم يلتئم رغم أن المدينة لم تفقد أرواحًا، إلا أن الأثر الذي تركته هذه الحرائق في نفوس الناس لن يزول بسهولة. فما بين منازل تحولت إلى رماد، وأطفال يرفضون النوم في غرفهم، وأمهات يسهرن الليالي خوفًا على اطفالهن لأن هناك خوفًا متواصلاً، لا يهدأ إلا بإجابة واضحة، ووقاية ملموسة.
ولا يزال صوت أحد الأهالي يتردّد نريد أن نعيش بأمان، نريد أن نغلق أبوابنا وننام مطمئنين، لا أن نترقب متى تأتي المصيبة الكبرى يجب أن تتنادى مدن البلاد لمعالجة هذا الأمر لأن الاصابعة يشهد لها الجميع بأنها من المدن صاحبة الفزعة
احترق منزلي مرتين
المواطن المتضرّر عبد الله المحروق قال :
تعرض منزلي إلى حريقين اثنين الأول في صباح يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر نوفمبر 2024، والثاني مساء يوم الرابع والعشرين من شهر يناير 2025، احترقت فيه ممتلكات المنزل بالكامل.
والأيام الماضية احترق منزلي أيضًا، واختنقت ابنتي ونزلت بالمستشفى لمدة أسبوعين كاملين.
الحمدلله على كل حال قدمتْ لنا المساعدات والإعانات ورممت المنزل من مالي الخاص وأخذت بدل إيجار ولكن السلع المعمرة لم نستلم منها أي سلعة، وكلها إشاعات تبث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ونسأل الله السلامة للجميع.
نعيش في خطر
أحد المواطنين المتضرَّرين قال:
نحن نعيش في خطر لا نعرف وقت وساعة حدوثه صباًحا، أو مساءً حتي الأكل الجاف قبل طهيه تضرم فيه النَّار فنضطر إلى أخذه كعلف للماشية .. كما احترقت الأفرشة، والأغطية والدواليب، فلا نستطيع إخماد النَّار لشدتها وقوة اشتعالها وصعوبة انقاذ حتى الجزء اليسير من أثاث المنزل المحترق في جميع الغرف.
ضرَّر بليغ
قال المواطن المتضرّر خالد عبد السلام :
تعرضتُ إلى حريق في المنزل القاطن فيه مع أسرتي يوم الثاني عشر من أبريل 2025 وتضررّتُ ضررًا بليغًا، وحالة أطفالي النفسية سيئة جدًا، وأصبح المنزل متهالكًا، وغير صالح للسكن، كذلك احترقتْ سيارتي التي لم أستطع انقاذها سوى النظر إليها وهي تلتهمها ألسنة النيران.
وأضاف إذا كانت هذه الحرائق بفعل فاعل فنتحسب عليه الله القهار على عباده ونحمد الله على مصابنا لأننا مؤمنون بقضاء الله وقدره.
احترقتْ حقيبتي المدرسية
قالت التلميذة «مرام خالد عبد السلام» :
إنّ حقيبتها المدرسية احترقتْ في المنزل كما احترق مدخل المنزل وأثاث المطبخ، والصالة، وغرف النوم.س
وتشكر مدرستها علي توفير الكراسات، والكتب المدرسية وكذلك الحقيبة المدرسية، وقرطاسية كاملة، وهي قد أكملت امتحانات الفترة الثانية .
لا يهمنا التعويض
عامر مصطفى قال :
نحن لا نعارض ما كتبه الله تعالى لنا من قضاء وقدر ولكن إلى متى حدوث الحرائق المستمر؟، وظروفنا أصبحت صعبة لا تحتمل.
وأضاف لا يهمنا التعويض المادي بل يهمنا إيجاد حل نهائي لمعرفة أسباب هذه الحرائق لكي نرتاح نفسيًا ،ونعيد صيانة منازلنا لا لتحترق من جديد !!.
حرائق متكرَّرة
من جانبه قال المواطن المتضرَّر أبوبكر المبروك :
أنا أحد المتضررين من هذه الحرائق؛ حيث تعرض منزلي لحريق صباح يوم السادس والعشرين من فبراير 2025 ثم تكرر مرة أخرى فحترقرتْ الصالة، وغرفة المعيشة، وكان آخرها الجمعة الماضية حينما التهمت الحرائق غرفة النوم، وأثاثها والمفروشات، وملابس العائلة والحمد لله رزق الدنيا مخلوف، ولكن ما نحتاجه هو الراحة النفسية، ونطالب الحكومة العمل على معرفة الأسباب فالتعويض المادي لا ينفع إذا لم نعرف أسباب الحرائق، ومسبباتها.
والحمدلله كل الأهالي سباقون لفعل الخير، وجميعنا نتعاون فيما بيننا، ونتشارك في الأكل، والغطاء.
معركة ضد الوقت والدخان
واجهتْ فرق الإطفاء تحديات كبيرة في السيطرة على هذه الحرائق بسبب تكرار البلاغات، وقلة الإمكانات، ومع ذلك التحق رجال الأطفاء من المدن المجاورة، وفرق الدعم والإسناد أبوسليم نجحت في احتواء العديد من الحرائق قبل امتدادها إلى أحياء كاملة، وهو ما جنّب المدينة كارثة أكبر.
الأسباب؟ لا شيء مؤكد حتى الآن
المثير للقلق أن السبب الدقيق وراء الحرائق لا يزال مجهولًا حتى اللحظة، فرق التحقيق الميداني من رجال البحث الجنائي تواصل عملها في تحليل وقائع كل حريق وجمع العينات. إلا أن غياب رواية واضحة دفع الأهالي إلى طرح تساؤلات كثيرة، بعضها محمّل بهاجس الخوف، والبعض الآخر بالشكوك.
الأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة حتى الآن.
تبقى الأصابعة في حالة انتظار… انتظار للحقيقة، ولخطوة حكومية تطمئن قلوب النَّاس .
وأن كل منزل في هذه المدينة، مهما كان بسيطًا، هو أولوية لا يمكن تجاهلها .