الرئيسيةتقارير

الأفريقية..حافة الهاوية!

في‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬الشامل،‭ ‬نستعرض‭ ‬مسيرة‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإفريقية‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬التأسيس‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬نُسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تاريخها‭ ‬العريق،‭ ‬ونتوقف‭ ‬عند‭ ‬محطات‭ ‬نجاحها‭ ‬وإخفاقاتها،‭ ‬ونكشف‭ ‬عن‭ ‬مكامن‭ ‬الخلل‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي،‭ ‬آملين‭ ‬أن‭ ‬يُسهم‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬في‭ ‬بعث‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬عامليها،‭ ‬ومسح‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬صورتها‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬لِما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭: ‬فخرًا‭ ‬لليبيين،‭ ‬وسفيرًا‭ ‬يحلّق‭ ‬باسم‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬رمزٍ‭ ‬للطموح‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي‭ ‬إلى‭ ‬شاهدٍ‭ ‬على‭ ‬تآكل‭ ‬الحلم‭.‬

ليست‭ ‬شركة‭ ‬بل‭ ‬ذاكرة‭ ‬وطن‭ ‬وهوية‭ ‬شعب‭ ‬

تقف‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإفريقية‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الانهيار،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تُحلق‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬العواصم‭ ‬الكبرى،‭ ‬ممثلةً‭ ‬للهوية‭ ‬الليبية‭ ‬ومشروعها‭ ‬الطموح‭ ‬للربط‭ ‬الجوي‭ ‬القاري‭ ‬والدولي‭. ‬فقد‭ ‬تأسست‭ ‬الشركة‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬مشاريع‭ ‬النقل‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تحمل‭ ‬على‭ ‬جناحيها‭ ‬رؤية‭ ‬دولة‭ ‬تسعى‭ ‬لترسيخ‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬مع‭ ‬أسطول‭ ‬حديث‭ ‬ومعايير‭ ‬تشغيل‭ ‬عالية،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬رسمت‭ ‬الشركة‭ ‬لنفسها‭ ‬مسارًا‭ ‬واعدًا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطيران،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬سنواتها‭ ‬الذهبية‭ ‬نموذجًا‭ ‬للشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬الصاعدة‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لم‭ ‬تستثنِ‭ ‬أحدًا،‭ ‬فتحوّلت‭ ‬‮«‬الإفريقية‮»‬‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬إلى‭ ‬ملف‭ ‬أزمات‭ ‬معقدة،‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬الظروف‭ ‬المربكة‭ ‬والطموح‭ ‬وقلة‭ ‬الامكانات،‭ ‬والإدارة‭ ‬بالشلل‭.‬

فالشركة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬راية‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬العالم،‭ ‬باتت‭ ‬اليوم‭ ‬تواجه‭ ‬شبح‭ ‬الإفلاس‭ ‬والتفكك،‭ ‬مع‭ ‬توقف‭ ‬معظم‭ ‬أسطولها،‭ ‬وتعليق‭ ‬غالبية‭ ‬وجهاتها،‭ ‬وضياع‭ ‬مواردها‭ ‬بين‭ ‬عقود‭ ‬مثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬وممارسات‭ ‬غير‭ ‬شفافة،‭ ‬وبين‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬أمجاد‭ ‬الماضي،‭ ‬والقلق‭ ‬على‭ ‬مستقبلها،‭ ‬يثور‭ ‬التساؤل‭ ‬الجوهري‭: ‬هل‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬‮«‬الخطوط‭ ‬الإفريقية‮»‬‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الإقلاع‭ ‬من‭ ‬جديد؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬أجنحتها‭ ‬قد‭ ‬كُسرت‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة؟‭ ‬

نزيف‭ ‬داخلي‭ .. ‬ومنافسة‭ ‬خانقة

ما‭ ‬تواجهه‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإفريقية‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الخسائر‭ ‬المالية،‭ ‬أو‭ ‬توقف‭ ‬الرحلات،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬بنيتها‭ ‬التشغيلية،‭ ‬والتنظيمية‭. ‬فغياب‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة،‭ ‬وتعدّد‭ ‬مراكز‭ ‬القرار،‭ ‬والانقسامات‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬حكومتين،‭ ‬ومؤسستين‭ ‬متنافستين،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للشركة‭. ‬تراجع‭ ‬الصيانة‭ ‬الدورية،‭ ‬وتجميد‭ ‬التوظيف،‭ ‬وهروب‭ ‬الكفاءات،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬تدهور‭ ‬المعنويات‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬الشركة،‭ ‬باتتْ‭ ‬ملامح‭ ‬يومية‭ ‬تعكس‭ ‬واقعًا‭ ‬مأزومًا‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬لم‭ ‬ترحم‭ ‬المنافسة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬هذا‭ ‬التراجع،‭ ‬إذ‭ ‬وجدتْ‭ ‬شركات‭ ‬طيران‭ ‬أخرى‭ ‬الفرصة‭ ‬سانحة‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬الأجواء‭ ‬الليبية،‭ ‬عبر‭ ‬رحلات‭ ‬بديلة‭ ‬تربط‭ ‬المدن‭ ‬الليبية‭ ‬بالعالم،‭ ‬مستغلة‭ ‬تراجع‭ ‬‮«‬الإفريقية‮»‬،‭ ‬وغيابها‭ ‬عن‭ ‬خارطة‭ ‬الطيران‭ ‬الفاعل‭.‬

العمّالُ‭ ‬والموظفون‭.. ‬بين‭ ‬الإخلاص‭ ‬والتهميش

يستمر‭ ‬آلاف‭ ‬الموظفين‭ ‬والعاملين‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإفريقية‮»‬‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجبهم‭ ‬رغم‭ ‬الظروف‭ ‬القاسية،‭ ‬دون‭ ‬رواتب‭ ‬منتظمة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬مستقرة‭. ‬هؤلاء‭ ‬يمثلون‭ ‬الركيزة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬نبض‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الشركة،‭ ‬ورغم‭ ‬الإحباط‭ ‬العام،‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬داخلهم‭ ‬حنينٌ‭ ‬لعودة‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬الإفريقية‮»‬‭ ‬وجه‭ ‬ليبيا‭ ‬الباسم‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬العالمية‭.‬

أمل‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬التحليق؟

ورغم‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬القاتم،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭. ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬شاملة‭ ‬للشركة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مهنية‭ ‬ووطنية،‭ ‬وإبعادها‭ ‬عن‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية،‭ ‬قد‭ ‬تعيد‭ ‬لها‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التحليق‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬يتطلب‭ ‬إرادةً‭ ‬سياسية‭ ‬صادقة،‭ ‬وخطة‭ ‬إنقاذ‭ ‬وطنية‭ ‬مدروسة‭ ‬تشمل‭ ‬مراجعة‭ ‬العقود،‭ ‬وتدقيق‭ ‬مالي‭ ‬شامل،‭ ‬وضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شراكات‭ ‬ذكية‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬دولية‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬انتشال‭ ‬الشركة‭ ‬من‭ ‬كبوتها‭.‬

في‭ ‬النهاية‭…‬

تختصر‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإفريقية‭ ‬مأساة‭ ‬وطنًا‭ ‬ضاعتْ‭ ‬بوصلته،‭ ‬وحلمًا‭ ‬انكسر‭ ‬تحت‭ ‬أجنحة‭ ‬الانقسام‭ ‬والفساد‭. ‬لكن‭ ‬التاريخ‭ ‬يُظهر‭ ‬أن‭ ‬الطيران،‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬الأوطان،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الركام‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬توفر‭ ‬العزم‭ ‬والإصلاح‭. ‬فهل‭ ‬نرى‭ ‬يومًا‭ ‬طائرات‭ ‬‮«‬الإفريقية‮»‬‭ ‬تحلّق‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لا‭ ‬كرمز‭ ‬للماضي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬كجسر‭ ‬يربط‭ ‬الليبيين‭ ‬بالعالم‭ ‬وبأنفسهم‭ ‬من‭ ‬جديد؟

ختامًا

ليست‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإفريقية‭ ‬مجرد‭ ‬شركة‭ ‬طيران،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬وطن‭ ‬وهوية‭ ‬شعب،‭ ‬ومرآة‭ ‬تعكس‭ ‬صورة‭ ‬ليبيا‭ ‬الطموحة،‭ ‬المنفتحة‭ ‬على‭ ‬العالم‭. ‬واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬والشلل،‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تتكاتف‭ ‬الجهود‭ ‬لإعادة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬إلى‭ ‬مسارها‭ ‬الصحيح،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المحسوبيات،‭ ‬والفساد‭ ‬الإداري،‭ ‬وقريبًا‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬الجودة‭ ‬والشفافية‭.‬

إن‭ ‬إنقاذ‭ ‬الخطوط‭ ‬الإفريقية‭ ‬ليس‭ ‬خيارًا،‭ ‬بل‭ ‬مسؤولية‭ ‬وطنية‭ ‬وأخلاقية،‭ ‬تقتضي‭ ‬محاسبة‭ ‬المتسببين‭ ‬في‭ ‬تدهورها،‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬آلاف‭ ‬الموظفين‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يقبضون‭ ‬على‭ ‬حلم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭.‬

فلنعد‭ ‬للخطوط‭ ‬الإفريقية‭ ‬أجنحتها‮…‬‭ ‬ولليبيا‭ ‬مكانتها‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى