لم يدرْ بَخَلدَ الإنسانِ ذات يوم أنه يمكن أن يصبح آلةً، يتم التحكم فيها وتوجيهها، والاستفادة منها، ويركنها متى شاء مَنْ يتحكم فيها، ويسيطر عليها..
والأمر هنا ليس من ناحية القدرة الإلهية، والتسيير الرباني للمخلوقات، بل يتعداه إلى من يملكون زمام أمور بعض البشر، حتى صاروا كقطعان المواشي، أو مجموعة من الآلات المبرمجة على تقبل الأوامر وتنفيذها فقط..
ومع التقدم التقني، وطفرة المعلوماتية، التي اجتاحتْ كل بقاع الأرض، غنيها وفقيرها، مؤمنها وملحدها، صارت الحياة أكثر تعقيدًا، وتناقصت مساحات استقلالية الإنسان، فصار تابعاًا وموجهًا، ومسيرًا، ومُقادًا إلى أغلب أمور حياته..
فقرارات الإنسان الخاصة بحياته الشخصية، وحياة أفراد أسرته، صارت محكومة بما يتم توجيهه عن بُعد، بواسطة التفاعل المجتمعي مع ما يُبث وينشر، من خلال وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي..
وإذا كانت السينما والتلفزيون خلال النصف الآخير من القرن الماضي، قد أسهمت في توجيه الرأي العام، والتأثير على الثقافة العامة، وأهواء البشر.. فإن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، خلال العقدين الأولين من الألفية الجديدة، قد ضاعفت سطوتها وسيطرتها على توجيه الرأي العام، وتكوين الوعي الجمعي، وتسيير نمط الحياة إلى مسارب معينة، تبرز فيها ثقافة الاستهلاك، ونجومية التفاهة، وتورم الأنا، وكسر حواجز الأعراف والتقاليد، والانسلاخ عن الهوية، وغير ذلك الكثير..
وما كان لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون بهذه القوة، إلا في وجود فراغ فكري وثقافي، يعانيه جلَّ من انساقوا وانقادوا لتأثيرها وسيطرتها..حتى صار الإنسان مسلوب الإرادة، مشلول التفكير، تقوده الشهوات، والغرائز، وتعطَّل عقله عن العمل، فصار كالآلة يتم التحكم فيها بالتوجيه عن بُعد..