إجتماعي

الإنسان.. الآلة..!!

فائزة العجيلي

لم‭ ‬يدرْ‭ ‬بَخَلدَ‭ ‬الإنسانِ‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬آلةً،‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬وتوجيهها،‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬ويركنها‭ ‬متى‭ ‬شاء‭ ‬مَنْ‭ ‬يتحكم‭ ‬فيها،‭ ‬ويسيطر‭ ‬عليها‭..‬

والأمر‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬القدرة‭ ‬الإلهية،‭ ‬والتسيير‭ ‬الرباني‭ ‬للمخلوقات،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬زمام‭ ‬أمور‭ ‬بعض‭ ‬البشر،‭ ‬حتى‭ ‬صاروا‭ ‬كقطعان‭ ‬المواشي،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآلات‭ ‬المبرمجة‭ ‬على‭ ‬تقبل‭ ‬الأوامر‭ ‬وتنفيذها‭ ‬فقط‭..‬

ومع‭ ‬التقدم‭ ‬التقني،‭ ‬وطفرة‭ ‬المعلوماتية،‭ ‬التي‭ ‬اجتاحتْ‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬غنيها‭ ‬وفقيرها،‭ ‬مؤمنها‭ ‬وملحدها،‭ ‬صارت‭ ‬الحياة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬وتناقصت‭ ‬مساحات‭ ‬استقلالية‭ ‬الإنسان،‭ ‬فصار‭ ‬تابعاًا‭ ‬وموجهًا،‭ ‬ومسيرًا،‭ ‬ومُقادًا‭ ‬إلى‭ ‬أغلب‭ ‬أمور‭ ‬حياته‭..‬

فقرارات‭ ‬الإنسان‭ ‬الخاصة‭ ‬بحياته‭ ‬الشخصية،‭ ‬وحياة‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته،‭ ‬صارت‭ ‬محكومة‭ ‬بما‭ ‬يتم‭ ‬توجيهه‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬بواسطة‭ ‬التفاعل‭ ‬المجتمعي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يُبث‭ ‬وينشر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائط‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭..‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الآخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قد‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬العامة،‭ ‬وأهواء‭ ‬البشر‭.. ‬فإن‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأولين‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة،‭ ‬قد‭ ‬ضاعفت‭ ‬سطوتها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتكوين‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي،‭ ‬وتسيير‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬مسارب‭ ‬معينة،‭ ‬تبرز‭ ‬فيها‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬ونجومية‭ ‬التفاهة،‭ ‬وتورم‭ ‬الأنا،‭ ‬وكسر‭ ‬حواجز‭ ‬الأعراف‭ ‬والتقاليد،‭ ‬والانسلاخ‭ ‬عن‭ ‬الهوية،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭..‬

وما‭ ‬كان‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بهذه‭ ‬القوة،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬فراغ‭ ‬فكري‭ ‬وثقافي،‭ ‬يعانيه‭ ‬جلَّ‭ ‬من‭ ‬انساقوا‭ ‬وانقادوا‭ ‬لتأثيرها‭ ‬وسيطرتها‭..‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الإنسان‭ ‬مسلوب‭ ‬الإرادة،‭ ‬مشلول‭ ‬التفكير،‭ ‬تقوده‭ ‬الشهوات،‭ ‬والغرائز،‭ ‬وتعطَّل‭ ‬عقله‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬فصار‭ ‬كالآلة‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬بالتوجيه‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى