عند الحديث عن موضوع الازدحام المروري في الطرقات والشوارع لنعترف أولا بأن هذه الإشكالية أو هذه الظاهرة ليست ظاهرة محلية شاذة نعاني منها نحن فقط بل هي ظاهرة عالمية تعاني منها معظم شعوب ودول العالم فقط تتفاوت في حدتها من بلد لآخر حسب الإمكانيات والقدرات في التعامل الصحيح مع هذه الظاهرة وعند البحث والتعمق التحليلي لمسببات هذه الظاهرة فإنه يمكننا رصد العديد من هذه المسببات التي تدفع الى تنامي هذه الظاهرة المزعجة والمُقلقة
فمشكلة الاختناق المروري الذي تشهده بلادنا، وخاصة مدينة طرابلس باعتبارها أكبر التمركزات السكنية، والتي خرجت عن ساعات الذروة إلى فترة ما قبل المغرب، بل الى ساعات متأخرة من الليل والتي طالت حتى الطرق السريعة التي وجدت أساسا لتسهيل الحركة .. حتى أصبحت هذه المشكلة تؤرق أولياء الأمور ، ففي الموسم الدراسي الذي انعكس بتأثير سلبي على نفسية أهل الطالب والتحصيل الدراسي للطالب نفسه بسبب ازدحام الطرق التي تسببت في تأخير هذا الطالب عن حصصه الاولى، حيث أصبحت الطرق ملغومة بالمفاجات غير السارة التي أصبحت تصادفنا بشكل شبه يومي خاصة وأن السائق ولي أمر الطالب يكون فريسة التوتر والإجهاد العصبي المزمن فقط لأنه في سباق مع الزمن لوصول ابنه إلى المدرسة بدون أي تأخير.
إن مشكلة الازدحام موجودة اليوم بقوة بل وبشكل متنام وبتزايد، وخاصة ساعات الذروة بل وخروجها كذلك ولساعات متأخرة من الليل ويمكن إرجاع ذلك الى عدم الالتزام بأوقات الدوام الرسمي للعمل مثلا وقلة الوعي والانضباطيه للقوانين واللوائح المرورية، خاصة في حاله عدم وجود رجل مرور الذي يقع عليه العبئ الاكبر في تنظيم السير الذي في يفقد السيطرة والتحكم كثير من الأحيان بحركة السير خاصة عند الإشارة الضوئية وعند التقاطعات إلى أن يختلط الحابل بالنابل وهو يستدعي بالضرورة الى تطوير انظمة التحكم والمراقبة على الطرقات وتحديد المركبات المخالفة .
ناهيك عن السبب الاخر والاهم وهو وجود معظم المراكز الإدارية والخدمية والتجارية في وسط الأحياء السكنية المزدحمة، مثل: شارع الزاويه و شارع الجمهوريه والظهرة والصريم وقرقارش الى جانب المشكلة الأكبر والتي تكمن في ثقافة المواطن في حد ذاته فنجد عدم المبالاة في ركن السيارة وايقافها أمام المحلات والأسواق والعيادات والمقاهي والمساجد دون أي اكتراث لما تسببه من أزمة في الطرقات العامة وارباك الآخرين .
إلى جانب عامل آخر ساعد على ظهور هذه المشكله و ساعد على تفاقم الازمة المرورية اليوم وهي امتلاك الأسرة الواحدة لأكثر من ثلاثة أو أربعه سيارات وكأننا بتنا نشتريها من سوبر ماركت وأصبحت مجرد ظاهرة للتباهي، وما زاد الطين بله على مشكلة الاختناقات المرورية هي تنفيذ شبكة الطرق والجسور والكباري التى تركت بصمتها فى معظم شوارع طرابلس وهو ما فرح لأجله كل أطياف الشعب الليبي ولكن يجدر الاشاره )وهنا مكمن الخطأ( فمن أساسيات تنفيذ المشروعات الجديدة أو صيانه القديم منها داخل المدن وخارجها وفي أي بلد يجب بالضرورة إيجاد بدائل لحركة المرور بمناطق المشاريع وعمل خرائط توضيحية لذلك قبل البدء في هذه المشاريع والشروع العمل فيها اما بعمل تفرعات جديدة او توظيف الطرق المحيطة وتجنبا لأي اختناقات مرورية مُقلقة كما يحدث هذه الأيام من صعوبة الحركة بل وانعدامها في ساعات الذروة فهل ما يحدث اليوم خضع لمعايير وشروط علم هندسة النقل والمرور؟
البعض يرى بان ما يحدث حاليا لا يمت لعلم هندسة النقل والمرور بأى صلة. لكن أى مشروع قبل أن يتم أساسا يجب عمل دراسات هندسية Traffic Impact Analysis
لبيان مدى تأثيره على شبكة الطرق المجاورة له وتقديم مقترحات لتطوير شبكة النقل بحيث تستوعب النمو المرورى المتوقع عند سنة التصميم Design Year( عادة بعد أكثر من عشرين سنة من تاريخ الدراسة ) نتيجة للتطورات العمرانية المقترحة والمبرمجة وقبل بداية تنفيذ أى مشروع فلا يمكن بحال من الأحوال إقفال أى طريق بشكل عشوائى بل هناك دراسة تسمى Lane Closure Analysis لتحديد متى (فى أى يوم وخلال كم ساعة تحديدا والتوقيت) و يمكن إغلاق حارة أو أكثر ( ليس طريق بالكامل) بناءا على حجم المرور خلال ساعات اليوم الواحد .هناك دراسة أخرى توضح كيفية تنظيم حركة المرور عند تنفيذ مشروع ما بحيث تضمن انسياب حركة المرور وتسمى Maintaince of Traffic….وهذا طبعا غيض من فيض كما يرى أصحاب الاختصاص الذين يرون بانه يستوجب إدخال تعديلات على التعديلات التي أدخلت سابقا على مخطط الحركة المرورية لوضع حد لبعض الاختلالات التي ظهرت فيما بعد وخاصة بعد بدء موسم المدارس وعلى سبيل المثال إعادة النظر فيما يعرف بي (ال يو تيرن )( u_turn) وهو مثل أي تقاطع لا يسمح من خلالها الا بحركه واحده وهي الالتفاف الى الخلف بالسيارة وله مواصفات خاصة وهو ما أثار الجدل في بعض الطرق لدينا في ليبيا تحتاج الى مواصفات معينه مثلا الى عرض مستقطع من الطريق لا يقل على 10 أمتار وهذا حتما صعب وغير متاح في كثير من شوارعنا التي تم تصميمها وتنفيذها من عشرات السنين حيث لم يكن هناك تصور مستقبلي على الكثافه السكانيه والمروريه ولو وجدت هذه الاليات فهي حتما أفضل من الجسور واشارات المرور واقل تكلفه وتقلل الاختناقات المروريه بنسبه 100%
إن ظاهرت الاختناق المروري باتت اليوم بحاجة ملحة لوضع خطط علمية خارجة عن المألوف لمعالجة هذه الظاهره المزعجه بعده حلول قد تكون بالتدريج او حتى مجتمعه فهي ليست مستحيلة مثل استحداث الطرق واعمال هندسيه مميزه لزيادة السعة التصميمية للطرق والشوارع وخلق اجراءات تنظيمية مرورية يجيدها اكيد اهل الاختصاص الى جانب التقليل من حده الحركة المرورية اليومية للمركبات وتعويضها بوسائل النقل العام من حافلات النقل مثلا وخطوط نقل بضائع بدلا من التوزيع والنقل بالشاحنات…