
حين يتكلمُ الطفلُ بلسان الشارع، مَنْ يعلّمه الأدبَ؟!، من المدرسة إلى السوق، لغة سوقية بلا رقيب! ضياع القدوة، حين يسكت الكبارُ ويشتم الصغارُ، اللسانُ مرآة التربية هل انكسرت؟ !.
سبّ فاضح ومزاح قبيح، والمجتمع في صدمة، هل نحتاج إلى قانون يُربّي اللسان؟.
لم تعد الشتائمُ تُقال همسًا، بل صارتْ تُصرخ علنًا! طفل بالكاد يتقن الحروف، يسبّ بأقذر الألفاظ. شابٌ في مقتبل العمر، يتباهى بلسانه الجارح الذي لا يعرف للحياء طريقًا .. المؤلم؟ أننا نسمع، ونسكت.
في مجتمع لطالما تغنّى بالقيم، والدين، والأدب، تغزو الكلمات السوقية كل زاوية في الشارع، في المدرسة، وحتى داخل البيوت.
فهل أصبح اللسان الفاسد عادة؟!، وهل تحوّلتْ قلة الأدب إلى نوع من «الحرية الشخصية»؟، ومَنْ المسؤول؟، وهل لا زال بالإمكان إنقاذ أجيالنا من هذا الانحدار اللفظي، والأخلاقي؟
في هذا الاستطلاع ننقل لكم شهادات من الواقع، وآراء نفسية وتربوية، ونفتح ملفًا شائكًا بات مسكوتًا عنه… لكن صوته أصبح يُؤذي أكثر من أن يسمع في شورعنا اليوم، لم تعد الكلمات تُسمع… بل تُقذف!.
تسير الأمُ مع طفلتها الصغيرة، فيسبقها صوت شاب يصرخ بلفظ نابي، أو مجموعة أطفال يتقاذفون ألفاظًا تخجل منها حتى جدران الحي.
الظاهرة باتت علنية، مقلقة، وموجعة: فساد اللسان عند الأطفال والشباب!
محمد – رب أسرة – يقول:
صرتُ أخجل نطلع بأولادي للشارع. مرة مشينا إلى سوق شعبي، وسمعنا شتائم من أطفال ما يوصلوش 12 سنة! وين الرقابة؟ وين الأهل؟.
فرح معلمة ابتدائي في مدرسة خاصة تقول :
أطفالُ سنة رابعة يحكون بكلام كان عيبًا حتى على الكبار ! نسألهم من وين تتعلموا هالكلام؟ يجاوبوا: من الشارع، ومن الفيديوهات على اليوتيوب.
عثمان طالب جامعي:
الموضوع مش بس سب، وشتم، هو استعراض قوة وهمي، كل واحد يبي يبان «راجل» بلغته السوقية، حتى البنات بدين يقلدن! ما يزيد الأمر سوءًا، هو غياب الرقابة المجتمعية والمؤسساتية.
لا قوانين تردع، ولا حملات توعية تنبه، ولا حتى مواقف أسرية حازمة.
د .لبنى عاشور ، اختصاصية اجتماعية تقول:
غياب القدوة في البيت، وانتشار المحتوى العنيف على الإنترنت، حوَّل الأطفال إلى مرايا تعكس أسوأ ما في الشارع. صار عندنا جيلٌ يتربى بالكلمة القبيحة قبل أن يتعلم احترام الآخر، لا بد من رقابة أبوية حقيقية، وليستْ مجرد مراقبة مظهرية.
تربية لغوية داخل المدارس، تركز على فن الحوار وأدب الحديث.. تشديد رقابة المحتوى الإلكتروني، ووضع ضوابط على المشاهدة.
إطلاق حملات وطنية ضد الألفاظ المسيئة، تمامًا كما نواجه المخدرات أو العنف.
الى أين؟! في مجتمعٍ لطالما افتخر بتراثه الديني والأخلاقي، تتحوَّل لغة أبنائه إلى صرخات شتائم، وألفاظ جارحة. السكوت عن هذه الظاهرة لم يعد خيارًا. فتقويم اللسان هو أول الطريق لإصلاح الإنسان.
د. حنان الهادي اختصاصية نفسية
الألفاظ البذيئة ليست مجرد عادة سيئة، بل مؤشر على خلل تربوي ونفسي. الطفل أو الشاب الذي يعتاد الشتم، يعاني غالبًا من نقص في التعبير السليم عن مشاعره، أو من تراكم غضب داخلي لا يجد له مخرجًا سوى الكلمات العنيفة.
وتضيف: عندما يسمع الطفل تلك الألفاظ من والده، أو محيطه باستمرار، فإنها تُطبع في ذاكرته كلغة طبيعية. فيتحوَّل الشتم من فعل مُستنكر إلى سلوك يومي مألوف.
الحاجة سعدة – ربة منزل:
زمان الطفل لو قال كلمة عيب، يتربّى عليها سنة كاملة! واليوم تشوف صغار يسبّوا ويسخروا من الكبار بكل وقاحة. وين صارت الأخلاق؟.
معاذ – موظف في جهة حكومية:
الموضوع ما بقاش في الشارع بس، حتى في الإدارات والمدارس تسمع موظفين، وشباب يتكلموا بقلة احترام. الواحد يحس بالاشمئزاز!.
أنسام -طالبة في المرحلة الإعدادية:
صديقاتي يشتمن في بعضهن على سبيل المزاح، وأنا نتحشم نضحك، بس نخاف نكون غريبة! عادي جدًا تسمع كلمة خايبة وسط قاعة الدراسة!.
عمر – أب لأربعة أطفال:
التلفونات والمحتوى المفتوح هم السبب الرئيس. أطفالنا يتفرجوا على مقاطع فيها سب، وتهكم، وألفاظ منحطة. حتى الألعاب فيها شتائم ونبرة عدوانية!.
مديرة مدرسة خاصة طرابلس: لاحظنا زيادة رهيبة في استخدام الكلمات السوقية حتى بين تلاميذ الصفوف الأولى. . نعمل الآن على برنامج توعية بالتعاون مع أولياء الأمور، لكن نحتاج دعمًا من الإعلام والجهات المختصة.
الرأي التربوي : الحل يبدأ من البيت
د. عيسى امبارك - خبير تربوي:
الطفل لا يولد فاحش اللسان. بل يتعلم ذلك من بيئته. الحل يكمن في تربية لغوية داخل الأسرة، وضبط المحتوى المرئي، وتعزيز ثقافة الاحترام.
ما يحتاجه أطفالنا هو بيئة نظيفة لغويًا، قدوة صالحة، وأسلوب تربية لا يعتمد على الصراخ والشتائم.
يجب القيام بحملات توعوية مثل :
تخصيص حصص مدرسية لتعليم «أدب الحوار». ورش توعية للأهالي عن لغة الأطفال وتأثيرها المستقبلي. دعم مبادرات شبابية لصناعة محتوى محترم ولائق. إطلاق حملة توعوية تحت شعار: كلامك… مرآة تربيتك! .
ختامًا : لسنا أمام ظاهرة لغوية عابرة. بل أمام زلزال أخلاقي صامت، يهّد نسيجنا المجتمعي من الداخل. فحين تتحوَّل الشتائم إلى لغة يومية، ويصبح الطفل بلسانه أشد قسوة من سِنّه، نكون قد أطلقنا العنان لفوضى تبدأ بالكلمة. ولا نعلم أين تنتهي. اللسان هو مرآة البيت، والمدرسة، والشارع…
فإن لم نُصلح ما يخرج منه، فكيف نُصلح ما نرجوه من أبنائنا في المستقبل؟!.
ربما حان الوقت أن نُعلنها صراحة:
كفى صمتًا عن الكلام القبيح… وكفى تطبيعًا مع «قلة الأدب»!
لأن المجتمعات لا تنهار بسلاح، بل تبدأ بالكلمة التي تُفقد الاحترام… وتمنح العنف لسانا يتكلم .