بين تراث عريق وحاضر متجدد، تتجلى تمظهرات الفن التشكيلي الليبي.وتحت مظلة هذا التراث وتشابكاته يحاول الجيل الجديد من التشكيليين خلق مساراتهم الخاصة وافكارهم ورؤاهم وهنا يطرح سؤالٌ رئيس : هل استطاع هؤلاء الفنانون أن يشقوا طريقًا فنيًا مستقلًا، بعيدًا عن ظلال الأساتذة المؤسسين؟!
هل تمكنوا من صياغة هوية بصرية خاصة بجيلهم، تعكس روح العصر وتطلعات الشباب الليبي؟!
في هذا الاستطلاع نسعى إلى الإجابة على هذه الأسئلة، واستكشاف أبعاد التجربة الفنية المعاصرة في ليبيا.
هل استطاع الجيل الجديد من التشكيليين الليبين .. تكوين عمل تشكيلي خاص بهم .. وتقديم تجربتهم للمتلقي خارج جلباب الاباء المؤسسين ؟؟؟
واذا كانت هذه التجربة مختلفة فما هي اهم ملامحها واهم اسئلتها ؟؟؟؟
هل استطاع الفن و الفنان التشكيلي الليبي إيجاد خط و هوية تميزه وسط غيره من تشكيليي العالم؟
طرحنا أسئلتنا على فنانين تشكيليين من مختلف المدن الليبية و الأجيال والمدارس الفنية وكانت البداية مع الفنان التسشكيلي على العباني .
مع نهايات القرن العشرين لم يعد هناك أي ملامح تحدد ما يسمى بالهوية بصفة عامة فما بالك بهوية ما هو إبداعي ضمن أي فعل ثقافي.
لم تعد هناك ملامح معمارية محدَّدة، ولم تعد هناك ملامح تمثل الزَّي على سبيل المثال، وتحدَّد خصوصية له ترتبط بجغرافية ما .
ولعل ما سمي بالـ(حداثة)، أو حتى ما سمي بـ(العولمة) قد حقَّق كل التنبؤات بتوحيد أشكال مستعملات الإنسان وخياراته .
الزَّي الرجالي وفي كل العالم أصبح موحدًا، والزَّي النسائي كذلك، وتقريبًا كل المستعملات الحديثة .
لم يقتصر توحيد الاحتياجات على الزَّي فقط بل تجاوز ذلك لكل احتياجات الإنسان الأخرى من الأثاث إلى البيت إلى السيارة والحافلة وأدوات الطبخ وأدوات الحلاقة،⊇ يصح القول بإن ما سُمي بالحداثة قد حقق قوالب موحدة تقريبًا في كل مجالات الاحتياج الإنساني، الزَّي توحد والعمارة والأثاث وحتى المرافق الاجتماعية والثقافية
أظن بأن أسئلة التراث والحداثة في منطقتنا العربية قد آن لها أن تتوقف، والسبب أن هذا الطرح ومنذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين وهي تتكرر كأسئلة، علمًا بأن كل ما يتعلق بالمنتج الثقافي عمومًا يفترض أن يكون قد تجاوزها إذا كانت أدوات وأشكال الحداثة هي المعهودة من خلالها مادتها ورموزها فهي بالتأكيد قد تجاوزت مفهوم السؤال، وأسبابه ومنطلقاته .
نحن الآن في منطقتنا العربية وحتى في العالم الثالث شملتنا العولمة وبالذات الثقافية بحيث أصبح من الصعب أن نحدد ملامح مختلفة في بيئة ما، ولها خصوصية تميزها.
العمارة والشوارع والسيارات والبيوت والأثاث وشاشات التلفزيون والملابس والغذاء كل هذا أصبح واحدًا.
لقد حققتْ العولمة وبسرعة نسبية ما لم تنتبه له كل الدراسات الاجتماعية والبيئية؛ حققت توحيد كل احتياجات الإنسان ووحدت محيطه الاجتماعي مما أزال كل أشكال الخصوصية المحلية.
تمر السنوات ويصبح كل ما كان عاديًا في حياتنا موروثًا،⊇ الزَّي الرجالي الأصيل الليبي مثلا أصبح يتم ارتداؤه فقط في المناسبات وليس دائمًا .
ثم أن قضية الموروث الاجتماعي والثقافي الفولكلوري كله لم يتبقَ منه إلا ما احتفظتْ به مناسبات محددة تجاوزت حتى الأعياد ولعل ما تبقى منها فقط أصبحنا لا نراه إلا في مناسبات الأعياد، وفي الأفراح .
من هنا بإمكاننا القول بإنّ التشكيل المعاصر بدأ من مصادره المنتجة عالمًيا ووصولاً إلى التجربة العربية، والليبية تحديدًا هو جزء لا يتجزأ من التشكيل المعاصر عالميًا.
لقد اختفت لوحات تراثية تمثل منتجها التقني والتعبيري مشاهد الطبيعة المحلية القديمة كلوحات (البئر بوجناحين والنخيل(، ولوحات أزقة المدن القديمة، والأواني التراثية، وقوافل الإبل عبر كثبان الصحراء،⊇كل هذا الطرح يستشهد على سبيل المثال برموز أثرتْ تاريخيًا مجال الرسم والفنون التشكيلية بصفة عامة دون أن تتقيد بما سُمي بالموروث البصري الفلكلوري تحديدًا.
وبقى هذا المنتج فقط في أسواق بيع القديم (الآنتيكا(، أو ما سمي بالفلكلور البصري .
د. إلهام الفرجاني / فنانة تشكيلية
الحقيقية لا، لأن الفنانين الشباب انقسموا قسمين منهم لم يخرج من جلباب المؤسسين، وظل أسير أسلوب المدارس الواقعية بكل تفاصيلها بحجة أن هذا هو الفن الحقيقي والفنان الحقيقي من وجهة نظرهم هو من يُبدع فى نقل الصورة بإتقانٍ، وهذا من وجهة نظري ومن وجهة نظر كبار الفنانين ليس فنانًا، وإنما حرفي، وبالتالي كل تجاربهم لا تعتمد على تطوير التقنية .. وخروجه عن المألوف يعد تكسيرًا للقواعد الكلاسيكية، وهذه بالنسبة لهم مثل الكارثة البيئية ..
هناك من تحرَّر من قيد الكلاسيكية وذهب إلى ما وراء الطبيعة ورفض كليًا الحالة الوجودية للعالم (الزمكاني( في فنه وبدأ يبدع فى خلق الأشياء من العدم وصَنعَ عالمه الفني بجدارة وأتقن تطوير أدواته هذا لو لم يصنع غيرها وهذه العملية بطبيعة الحال تكشف عن وجود المنجم الذهبي للفنان الحقيقي ..
أسئلتها؟ التساؤلات دائمًا تكمن عند الفنان الباحث وهذا نوع آخر من الفنانين وهذا ما يصنَّفني به البعض .. لأن الفنان الباحث المصنَّف تحت الفنان الأكاديمي دائمًا يبحث عن مصدر للإلهام ولانه تحت ضغط تساؤلات يظل يبحث عن مصادر تشبع تحليلاته لأن الفن مرتبوط بالفلاسفة والمفكرين ورواد المدارس التشكيلية، والفن القديم والوسيط والحديث كدلالات ورموز تؤيد فكرة صنع العمل من العدم .
فيما يخص هوية الفنان الليبي عربيًا نعم استطاع إيجاد هويه تمثله وتمثل فنه، ولكن ليس عالميًا وهذا بالاضافة إلى أنَّ عددهم ضئيلٌ جدًا، وذلك بسبب عدم وجود إمكانات تُسهم فى انتشارهم عالميًا، وهذا أمرٌ خارج إرادتهم.
ويرى الفنان التشكيلي / عماد السنوسي
أنه لا يوجد آباء مؤسسون بالمعنى الحرفي لهذا؛ فالفن التشكيلي في ليبيا كان مواكبًا للمسيرة التشكيلية الكلاسكية مع افتقاده للتطور في هذا المجال، وانحصاره في نوع ونمط معين فقط، والسبب يعود لقلة الدراسات والابحاث في هذا المجال إلا ما ندر من مستكشفين، ومستشرقين مروا عليها مرور الكرام.
لهذا لا يمكن القول إنَّ الفن التشكيلي في ليبيا له مؤسسين بل نقل تشكيليين طوروا الفن التشكيلي، واضافوا له الطابع الليبي الخاص به نتيجة احتكاكهم وتأثرهم بالفن الإيطالي الذي كان يحتل البلاد.
الجيل الجديد كانت له فرصة أكبر واوسع من حيث الدراسات والأبحاث في مجال الفن التشكيلي المعاصر رغم عدم استطاعته الخروج من بوتقة الفن الكلاسيكي، والواقعية المرتبطة بالفن التشكيلي الإيطالي ونقول ذلك مجازًا لما اشتهر به فن النحت، والعمارة، والتصوير في إيطاليا.
الفن التشكيلي في ليبيا كان له رموزٌ استطاعت صناعة أسلوب خاص بها؛ كم استطاعوا صناعة فارق واضح في هذا المجال.
وعلى سبيل المثال لا الحصر الفنان التشكيلي محمد الزواوي والفنان التشكيلي عوض عبيده اللذان استطاعا خلق نهضة فنية تشكيلية في ليبيا تعد مدارس اقتد بها العديد من الفنانين الليبيين .. كم اعتبر أسلوبهما مدرسة ليس في ليبيا فقط بل وصلت للعالمية والتفرد، ومازال الكثير من الفنانين وخاصة الليبيين متأثرين بهذه المدارس إلا ما ندر
كم انه يوجد نهضة حديثة في الفن التشكيلي الليبي يقودها جيل جديد بأسلوب جديد خط لنفسه مسارًا بين الفن والفنانين التشكيليين على المستويين العالمي والعربي.
أخيرًا .. العالم العربي والعالمي يفتقد كثيًرا للفن التشكيلي الليبي كأسلوب ونمط ومعرفة إلا من قلة استطاعوا الخروج والتعريف بالفن التشكيلي الليبي، وأسلوبه وقدرته على إبراز عادات وتقاليد وموروث خصب من الحضارة، والفن الليبي.