الوعي بالهوية شرط أساسي لاستعادة القيمة الحقيقية للإنسان، فالحقيقة هي التي تسكننا وليست التي نسكنها، والإنسان بلا هوية هو إنسان ضائع، إنسان بلا دين، بلا وطن، بلا انتماء، بلا قيمة إنسانية، بلا أدب، بلا ثقافة، بلا جذور، وكيف يمكن للإنسان أن يحقق قيمة في جذوره بدون هذه الصفات، فالتراث الذي ورثناه هو ما خلفه الاسلاف، وهو أهم ما يجب أن يقرأ، ويجب علينا أن ونستوعبه، ونفهمه، ونعمل عليه، لأن المجتمع يفلس عندما يتخلى عن هويته وتراثه وموروثه الإنساني، وأدبه الكلاسيكي، فالوعي بالهوية شرط أساسي لاستعادة القيمة للإنسان.
ويجب أن نعتز بهويتنا وأصالتنا وتراثنا وموروثنا بكل فخر، ونكون نحن بهويتنا لا بهوية مستوردة مزيفة، وعلينا الحفاظ على تاريخنا وتنميته، ونتعلم كيف نتطلع إلى مستقبل أفضل لمن سيأتي من بعدنا، لنكون دروسا في العطاء والأمجاد تنهل منها الأجيال ولا تنضب، والأمثلة الحية في ألا يعيش الإنسان لنفسه فقط.
خاصة وأن لمجتمعنا وضع خاص، حيث إنَّ تراثنا مصدرُ عزتنا، وزينا التقليدي جزءٌ لا يتجزأ من تراثنا الأصيل، ولا يمكن أنْ ينفصل عن محيطه وعن ثقافته المتوارثة، فهو تعبير عن ارتباط الليبي بأرضه وثقافته، ويفخر الليبيون بزيهم التقليدي لما يحمله من قيمة فنية تجمع بين جماليته وفخامته، حيث جعلوا له طابعه الخاص الذي يتفق مع ثقافتهم ومع بيئتهم، فهو رمز اجتماعي، كما أنه رمز للاحتفال والأصالة، لا يغيب عن الحفلات والأعياد والمناسبات العائلية والدينية. الجرد أو الحُولي والعباءة اللباس التقليدي السائد للرجل الليبي، زي تميز به الليبيون من قديم الزمان ومازال إلى وقتنا هذا يعتز به أهلنا ويلبسونه في كل المناسبات، حتى خارج البلد كزي وطني يختص بهم دون غيرهم، ويكتسب هذا الزي نوعاً من التميز الواضح بين أنماط الأزياء الأخرى، وقد ارتبط هذا الزي الجميل بفترة الجهاد الليبي لأنه زي الرجال، حيث اعتقل واعدم رمز الجهاد الليبي عمر المختار وهو يرتدي هذا الزي، ويرجع اصل هذا الزي إلى عصور موغلة في القدم، وقد نقله الأغريق لبلادهم ومن بعدهم الرومان، وفترة حكم الإمبراطور سبتيموس سويرس أصيل مدينة لبدة الكبرى الليبية لروما، فرضه وأصبح يرتديه نبلاء روما من بعده.
الجرد أو الحُولي: وهو أخف وزنا وأنصع بياضا وأفضلها الذي تختار له الصوف من أسفل رقاب الشياه والتي هي الاكثر نعومة.
العباءة: وهي أثقل وزنا وعادة ما تكون أفضل للتدفئة خلال فصل الشتاء، وهناك العباءة البيضاء والأخرى تسمى حمراء غير أنها بنية اللون.
يلبس الرجال العباءة الصوفية بطرق كثيرة ومتعددة، في أوقات العمل أو الظروف الجوية القاسية يصبح الرجل ملزم بأن يلبس عباءته بطريقة معينة، ويقضي الرجال وقت طويل في تنظيمها وتعديلها ووضعها على الرأس مرة وأخرى على الكتف.
يلف الجرد أو الحُولي على أغلب أطراف الجسد حيث تتم بتمرير أحد أطرافه المتقدمة من تحت الإبط ليلتقي بالطرف المتدلي منه على الكتف والتحامها في ربطة على الصدر من الجهة اليسرى، موضع ربطة (الجرد أو الحُولي) على الجهة اليسرى من الصدر وتأخذ هذه الربطة شكلاً مكوراً صغيراً لا يتجاوز حجمها في الغالب حجم حبة اللوز المتوسطة، ولازال يستعمل بكثرة في غرب ليبيا خاصة في مدن الجبل والنواحي الأربعة وبني وليد وترهونة ومسلاتة ومصراتة وزليتن، ويعتبر من أهم مميزات الرجل الليبي ذو الأصالة والمحافظ على هذا التراث العظيم.
ووصف الشاعر الليبي الكبير الراحل أحمد الحريري لِباس الرجل الليبي
بكلمات رائعة من شعره الجميل، لازال الكثير يحفظ هذه الابيات.
لبسه زاده ..
حلاوةْ المظهر واحذري يا دادة
كاط ملف والحولي حرير زيادة
ملفوف زي تمثال (قرطاجنّة)
تجيبه طريق السوق زي العادة
الريّاس والصنّاع عرفوا فنه
وصلت روما ..
تصاوير لبسه وزلّطهْ وهدومة
بيدين أسطى مدايني مخدومه في طرابلس أم القلب محنة
حاكت ونقشت فن ربي يدومة
يشهد على تاريخ غايب عنّا.
إن توثيق العروة بين ثقافتنا المعاصرة وبين تراثنا لتشكل النسيج الأكبر لنسقنا الفكري والسلوكي، هو الضمانة الأكيدة لحماية أبنائنا من كل أشكال المسخ الفكري والسلوكي التي تهدد عالمنا، وهو ما يرسخ الهوية الوطنية ويعمقها، لأن الأمة التي تعتز بتراثها قادرة على صناعة مستقبلها، ونحن نريد أن نكون مجتمع متعايش ومنفتح، لكن هذا لا يعني إلغاء هويتنا، ونتسامح بالتعدي على أخلاقنا وموروثنا الاخلاقي والثقافي والاجتماعي، ولا يعني الاهتمام بمسايرة العصر أن ندير ظهورنا لماضينا العلمي والفكري ونلهث وراء كل جديد معاصر مُصدر، بمعنى أدق نستطيع القول أن التراث يساهم بشكل أو بآخر في صياغة هوية المجتمع وشخصيته الحضارية.
