الجزء الثالث من دراسة د .كاريس اولسوك عن رواية العلكة قصة بوشناف المستحيلة

تدور أحداث الرواية في طرابلس في ثمانينيات القرن الماضي ، وتصور الوجود الخانق تحت نظام القذافي الديكتاتوري من خلال العودةالدائمة وبقلق شديد إلى «قصة» بطلها وبطلتها ، الذين ترتبط حياتهما بشكل غامض بتمثال امراءة عارٍية.. نحت هذا التمثال سجين إيطالي في سجون الباشا في نهاية القرن التاسع عشر ، ويستعصي هذا التمثال على «التصنيف» ويصاب من يراه ويدرك وجوده» بالجنون (رجل يودريكو). ويقترن تصوير كل هذا التراث بتكدس «العلكة» والتي أصبحت هوسًا داخل الدولة المنغلقة ، كاشفة عن التفاهات المتناقضة لمسار تلك الدولة خلال القرن العشرين. من خلال انعدام النشاط السياسي و الاقتصادي ،حيث يتجه المواطنون إلى التجارة السرية في السلع الرخيصة و»المضغ المتكرر» ، تتنقل الروايةبين التمثال والعلكة وعبرهما تشارك في عملية «تخيل الأمة» ، بينما تنكرها على المستويات السياسية والوجودية والسردية ،لتصور بوعي روح التخلي واللامعنى وفق منظور مابعد الحداثة.. يقع ذلك وسط مشهد صغير ، حيث توجد القمامة والآثار والبشر معا وعلى قدم المساواة و تمضغ الأمة ،بينما السرد يدور حول نفسه ، ويتلعثم مهووسا باستحالة وجوده. على عكس مطر والكوني ومطاوع ، لم يتأثر بوشناف بتجربة المنفى ، بل بسجنه داخل بلاده ففي عام 1976 ، كان أحد المثقفين الكثيرين الذين تم اعتقالهم وسجنهم أثناء حضوره مؤتمرًا أدبيًا في طرابلس. بعد انتقاله إلى العاصمة من مسقط رأسه بني وليد في أوائل السبعينيات كطالب جامعي و بدأت مسرحياته التحريضية تجتذب جمهورًا واسعًا ، مما جعله يمثل تهديدًا للنظام. اتهم بالشيوعية ، وسجن لمدة اثني عشر عاما.و بعد إطلاق سراحه في عام 1988 ، واصل كتابة المسرحيات والمقالات ، على الرغم من أن معظم كتاباته ظلت غير منشورة. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، مع خروج البلد من مصاعب العقوبات الاقتصادية ، بدأ بعد ذلك ، على حد تعبيره ، «يمضغ» فكرة رواية أولى ، تحكي القصة المستحيلة لوجود الأمة المكبوت والخائف فيما يسميه. «أجيال المضغ» التي تتميز بـ «الجنون الغريب» للسجن: «أمضيت اثنتي عشرة سنة طوال في السجون الليبية ، تعلمت خلالها و في أسوأ الظروف ، الصبر والمضغ والحفاظ على الذات. لكنني تعلمت أيضًا السخرية والضحك. هذا الشعور بالعبثية سيكون له تأثير كبير على الأدب والفن الليبي. الليبيون سيكتبون بمرارة ، وسيضحكون طويلا وبقوة من جنونهم الغريب «.
تأمل في الذات وفي ما بعد الحداثة بوعي ، الراوي وبضمير الغائب في «علكة» بوشناف « ينقل هذا «الجنون الغريب» ، المنشغل تمامًا بقصته المستحيلة. يتم نقل هذه الاستحالة بأكثر المصطلحات حسية ، من خلال بطل الرواية الذي يظل بلا حراك وصامت طوال السرد تقريبًا ، حيث يحاول الراوي أن يصرح بماهية «القصة» ،للخروج من ركودها. وحيث التمثال أساسي لنقل تاريخ المدينة المضطرب من نهاية الحكم العثماني إلى الوقت الحاضر .. من خلال المساحات المحيطية للحديقة العامة والمتحف ، فإن البطل والتمثال معًا يفسدان أعراف الحبكة والتوصيف والرمز و جميع الأنشطة والعواطف والأفكار ، ففعل «لاك ، يلوك» (يمضغ) هو لازمة متكررة ، بينما يتم تصوير الشخصيات مرارًا وتكرارًا على أنها «على الهامش» ، أو تتحرك لا محالة نحوه. بين التمثال والعلكة ، والشوق الثابت والرغبة غير المحققة ، تتنقل جميع الشخصيات بين «تسمر» (ركود / ثبت في مكانه) و «لاك» (مضغ) ، و يسعى الراوي عبثاإلى تحديد أفعالهم ، ودفع «قصتهم» إلى الأمام .
يعكس السرد الناتج ، الثابت والسريع في آنٍ واحد ، خلفية بوشناف المسرحية «البريشتية» ، يلفت فالراوي يلفت انتباه القاريءإلى حيل القصة ، مع التركيز على الإعداد والدعائم بدلاً من الأبطال والحبكة والسرد العام. و في مرحلة ما ، يصرح الراوي ، في استعراض لليقين ، «تلك هي القصة ، وماعداها هوامش» ، الهوامش جميعًا و الشخصيات البشرية غير مركزية بسبب ألادوات من الدعائم والإعدادات .. ببدايتين بعنوان «بداية قصتنا» و «ولكن ما القصة؟» ، تم ترتيب هذه الدعائم والإعدادات في أزواج مرتبة بشكل مخادع ، بما في ذلك «التمثال» و «التمثال 2» و «الحديقة» و «الحديقة 2» و « البطل «و» البطل 2. « بغض النظر عما تقترحه هذه الثنائية ، فإن كل قصة في نهاية المطاف تحبط الراوي ، الذي ، في حالة من اليأس الوهمي ، يعلن ، «على الرغم من كل الحيل الهيكلية والأسلوبية (الحيل الإنشائية الكتيرة) التي استخدمناها لاخراج أنفسنا من هذا الكابوس الروائي ،فاننا نبقى في حالة مضغ لا نهاية لها كإحدى «الحيل الأسلوبية» للراوي ، فانني سأضع التمثال وسط أدوات الرواية الأوسع للبطل والعلكة والحديقة ، والتي من خلالها تتم متابعة «القصة». بالتركيز أولاً على البطل باعتباره «تمثالًا بشريًا» ، و «مضغ» البطلة ، مما يجعله «البطل»في حالة ركود ، وأقوم بفحص مفهوم الركود في الحداثة وما بعد الحداثة ، والذي يوفر الطبقة الأولى من محاولة التنقيب في القصة. في الجزء الثاني من تحليلي ، أنتقل بعد ذلك إلى الماضي ، أولاً من خلال الحديقة العامة ، حيث يقع الوعي التاريخي للرواية ، وأخيراً في التراث الذي يجسده التمثال ، الموجود داخل «المشهد الصغير» للحاضر ، و «التراكم الكارثي» للماضي.