
يقول المثل «اجمع كل شيء راني جاي»، وهو مثل فلاحي يعني بداية موسم الحصاد «الْحَصِيْدة»، ففي كل موسم من مواسم الحصاد التقليدي «للقمح والشعير» الذي تُنتجه الزراعة التقليدية وذلك بالحرث على الدوابّ، وهي زراعة تعتمد على المطر، فالحصاد من أهمّ المواسم، إن لم يكن أهمّها، ويبدأ في شهر مايو من كل عام، وفي المناطق الجبلية يتأخّر قليلاً بسبب برودة الطقس التي تؤخِّر نُضج الزَّرع، وبعد الانتهاء من عملية الحصاد تبدأ مرحلة دَرْس الحبوب، حيث تشحذ الهمم في نفوس من يقومون بالحصاد، على صدى الأغاني والأهازيج التي تبث العزيمة، لأن موسم الحصاد مسؤولية جماعية، يتشاركها كل أفراد الأسرة بصرف النظر عن الفوارق العمرية، من بين أغاني وأهازيج الحصاد «الترجيز» المصاحبة للعمل وفي نسق المناسبة، «الزرع يريد مناجل ويد»، «لها مازال في الغوط خيال»، «نا ما عليه حصادة على نحرثه في الليالي يجيه من برم عضادة عظم الشقاء ما يبالى»، «ريت النملة بمحيزمها جت للفار تشاكى فيه قالت يا عويل الهم هال الزرع تماضو فيه» «كل عام والزرع داير والسيل فيه حائر ونملو منه الغراير»، «تَمَّت تلْتَفّ .. مِن ضَرْب الكَفّ»، «صَدْر الْخَرْجة .. مَوْعَر دَرْجه» «اضْرِب والْقِط .. في اللي تسْقِط»، «يا طَرّادي .. لَك مِن غادي»، «يا طَرّادي .. لَك بضْمادي»، «جَتْ تسَّنَّدْ .. لامِسّا حَدْ»، «تَمَّن الغَمار .. في الغَوْط أَسْطار»، «جابَوها جَيْب .. اقْلال العَيْب»، «يا زَرْع الشَّوْك .. هَلَك فاتَوْك»، يا قَشّ اقْشَيْش .. في راسَك عَيْش»، «منَّك مْحَتُور .. غَدا وفطُور»، «لَوْلاد السّمْر .. قَبْضتِّم غمْر»، بُو قَبْضة غمْر ,, مخالِب نمر»، «سَلم ارْجالِك .. فَضَّوا بالِك»، «يا ظهري واِيْدي .. مِن تهْوِيْدي»، «عام دايِر .. يا ابْرك الْمطايِر».
على امتداد السهول الزراعية، هناك عاشق ومعشوق بارزين لهذه السهول، وهما الفلاح وأرضه، حيث يستغل الفلاح عودة مواسم الخير ونزول قطرات الندى، ليسارع عند نضج الحبوب ويباس سنابله لاقتناص الفرص والبدء بـ الحصيد، وبقيت مواسم الحصاد تحافظ على أصالتها وعاداتها التي توارثها المزارعون عبر الأجيال.
ومن بين المحاصيل ما يُحصد بالأيادي وبعضها بالمناجل، وفور وصول أفراد الأسرة إلى الزرع يصطفون على نسق واحد خلف سنابل القمح أو الشعير، ويكون بينهم صاحب الكلمة الأولى في عملية الحصاد، ويحدد مكان الحصاد والكميات المراد حصادها، ويتميز دائماً بالسرعة التي يحصد فيها، هكذا تبدأ طقوس الحصاد منذ الفجر وتنتهي قبل الظهيرة عند زوال الندى «الرطوبة»، ويضل هذا الحال بشكل يومي حتى الانتهاء من الحصاد، وبعد الانتهاء يأتي دور استخدام أدوات الحصاد المتعددة في العمليات المتبقية، وعادة يبدأ تجهيز أدوات الحصاد قبل الموسم، وهي: المناجل، الْحَمّادية «لضمّ السنابل» وهي وعاء منسوج، أو تُخاط من عِدّة «شوالات» وتُحمَل على الحمار، وقد تُستعمل الشبكة للضمّ وتُحمل على الجمل. الوَلاّي وهو الذي يلي الزَّرْع ويقتطع منه قِطعاً للحَصّادة كلّ قطعة تُسَمَّى «خَرْجة»، الْجَحّاش وهو الذي يحصد في الطرف الْمُقابل للوَلاّي، صَدْر الْخَرْجة الْحَصّادة الموجودون بين الوَلاّي والْجَحّاش، الْخَرْجة قطعة من الزَّرع يقطعها الوَلاّي سُمِّيت خَرْجة لأنَّ الحَصّاد يُخرجها عن بقيّة الزَّرْع، القَبْضة مقدار ما تحمله قَبْضة اليد من السنابل، الغمْر مجموعة من قَبضات السنابل توضع متعاكِسة حتى يسهل حَمْلها، الْحِلّة هي تَجميع السنابل في القَصْلَى بكميّة أكبر من الغمْر، القَصْلَى هي ما تبَقَّى من أُصول السنابل في الحقل بعد حصدها جَمْعها، التلْقِيط هو لَقْط السنابل التي تسقط منفردة أو تنفصل عن الساق الحامل لها، الكَرْكفَة هي الحصاد باليد مباشرة دون استعمال المنجل وذلك حين يشتد الحرّ وتكون السنابل سهلة الكَسْر، الرَّغّاطَة حين يعجز صاحب الزَّرْع عن حصاده يجتمع جيرانه وأقاربه والمحيطون به عموماً ليُعاونوه على الحصاد، الضَّمّام هو الذي يقوم بحمل الحَمّادية أو الشبكة المملوءة بالسنابل إلى القاعة، خَرْجة باركْلُو هي آخر خَرْجة في الزَّرْع ، أي قبل انتهاء الحصاد، ويبدو أنّها «بارك له» أي اجعل فيه البَرَكة.
يقول الأستاذ أحمد يوسف عقيلة: بعد الانتهاء من عملية الحصاد تبدأ مرحلة دَرْس الحبوب، الْمَجْرَن وهو كدس أو كَوم السنابل حصيلة الحصاد وتوضَع على صفاة وهي قاع صخري تُسَمَّى «القاعَة» وذلك لتسهيل دَرْس السنابل، الدّرِيْخة هي طَرْح الْمَجْرَن على القاعَة على شكل دائرة بحيث تتمكن الخيل من الدَّوران فوقها، الْمدار مجموعة الخيول التي تدُور فوق الدّرِيْخة.
الْحَبّاسة هي الفرس التي على اليسار أي داخل المدار وسُمّيت حَبّاسة لأنّها تدور في أضيق دائرة كأنّها مَحبوسة أو هي التي تحبس الخيل فوق الْمَجرن لأنّ الحبل الموصول بها في يد الدَّرّاس وقد يستعملون حماراً لوظيفة الْحَبّاسة بسبب قصره وتناسبه مع الدوران الضَّيِّق، اللَّوّاحَة الفَرَس التي على اليمين أي في طرَف المدار من الخارِج وقالوا في المثل الشعبي «اللي ما يحْبِس يلُوح»، مدار بُو وَجْهَيْن إذا كان الْمَجْرَن كبيراً يُرْبَط فَوقه مداران وتكون بينهما مسافة كافية وغالباً ما يكون المداران من الإبل لأنَّ حركتها أبطأ مما يَجعل حركة المدارَين تسير بسلاسة دون اصطدام، الرَّوْنَج هو النَّوْرَج وهو أداة مُفَلْطَحة مُسَنَّنة من الأسفل تجرها الخيل ويقف فوقها الدَّرّاس ومهمتها تسريع عملية الدّرْس، التّذْراي بعد الانتهاء من عملية دَّرْس الحبوب تبدأ عملية التذرية وهي التصفية بالمذاري و«المذاري» جَمْع «مذْرىَ» وهي شَوكة معدنية ثلاثية أو رباعية الأسنان ولها مقبض خشبي يقولون في التعبير الشعبي «حِطّ المذاري عَلى التّبْن» أي لا تتدخَّل، العَوْن هي الرِّيْح وسُمِّيت بذلك تفاؤلاً ولأنّها تُعِيْن الذّرّاي على فَرْز الحبوب من التّبْن والتعبِيْر الشعبي «راقِد رِيْح» مأخوذ من هنا فبعد دَرْس الحبوب وعند مرحلة التصفية يحتاج الدارِس إلى الرِّيْح من أجل التَّذْرية فإذا كانت الرِّيْح «راقدة» أي خامدة فإنّ الدارس لا يستطيع القيام بعملية التَّذْرية والتصفية فيقال «فلان راقِد رِيْح» ثُمَّ توسعت دِلالة التعبير فأصبحت تعني الفَقْر والعَجْز، الغَيْزة بعد المرحلة الأولى من التذرية وفصل التّبْن تبْقَى بعض أعواد التبن الكبيرة التي لا تحملها الرِّيْح، كذلك بعض السنابل المتكسِّرة ، فيطرحونها من جديد وتدور فوقها الخيل مرَّة أخرى هذا ما يُسَمَّى «الغَيْزة»، الفرّاحَة هي الغصن الذي يكنسون به القاعة، أو يُنَقُّون به الحبوب وسًمِّيت فرّاحة من الفَرَح ومن باب التفاؤل كذلك تسمية روث الخَيل الذي يسقط على الدريخة «تَمْر»، العرْمَة هي الغَلَّة المُصَفّاة المُكَدّسة بعد الدّرْس و«عَرَّم» في اللهجة الليبية كَدَّسَ في الصِّحاح واللسان «عرم» «العَرَمُ والعَرَمةُ الكُدْس الذي جُمِعَ بعدما دِيْسَ»، القِرْفة ما تبَقَّى من السنابل التي لَم تُدْرَس والحبوب التي لَم تنفصل عنها قشورها وهي تُستَعمل عَلَفاً للحيوانات قالوا في المثل الشعبي «كِلّ قاعَة لْها قِرْفة» للتدليل على أن لا أحد أو لا قبيلة تخلو من العيوب، عَلُوق المدار الخيول التي تُستخدَم في عملية الدّراس «المدار» تُسْقَى أوَّلاً ثُم تُمنَح بعض العَلَف قد يصل إلى مَيْزورة شعير بحسب كميّة الغَلَّة، المكاييل تُستعمل عِدَّة مكاييل لكَيْل الغَلَّة من عِدَّة أحجام وهي «الْمَيْزُورَة» من المعدن أسطوانيّة الشكل جَمعها «موازير» و«القاوِيْطة» مكيال صغير يُعادل لتراً تقريباً إذا قِيْس بالسوائل «الكَيْلة» مقدار ست موازير «المَكْيَل» مقدار ثلث كَيْلة أي «ميزورتان»، الْمَرْطَة عَصَا رقيقة غالباً ما تكون ذات حوافّ كاللوحة ومهمّتها جعل مكيال الْمَيْزورة أكثر دِقّة وذلك بملء الميزورة بالغَلّة حتَّى تتجاوز حوافَّها ثُمّ يَمْسحونها بالْمَرْطَة فيقولون «مَيْزورة مَمْروطة» ثُم استُعمِلت كلمة «مَمْروطة» للتعبير عن الامتلاء بصفة عامة وأَصْل الْمَرْط الإزالة كإزالة الرِّيْش عن جسد الطائر كما جاء في لسان العرب « فالْمَرْط » هو إزالة الغلَّة الزائدة عن مقدار الميزورة ويقولون «مَرّطه» إذا ضربه بالعصا وأصلها الضرب بالمرطة.
خَيْرَك وزدْته من باب التفاؤل أيضاً وإحلال البَرَكَة استبدال الأرقام بالكلمات أثناء كَيل الغَلَّة فالشوال يتَّسع عادة لستّ موازير وشوال بوخَطّ يتسع لثمان والغرارة تتسع لتسع فتكون الأعداد من واحد إلى تسعة كالتالي «1 بَرَكة 2 بَرَكتين 3 ثلاث بركات 4 نربحوا 5 غَمْسة 6 خَيْرَك وزدْته 7 شَبعة 8 تمانِي 9 نَسْعَدو» أو الواحد واحد الله والاثنان لا ثاني معه، ضَمّة القَشّة هي آخر مرحلة في الموسم حيث تُنْقَل الغَلَّة والتّبْن لتخزينها في الكاف وقد تُخَزَّن الغَلَّة في المطامِيْر و «المطامير» جَمْع مَطْمورة وهي حُفرة كبيرة أقرب إلى شكل القُمْع تُفْرَش بالتِّبْن وتُبَطَّن به من الداخل توضع فيها الغَلَّة وتُرْدَم بالتُّراب أي «تُطْمَر» وقد سُمِّيت «ضمّة القَشّة» في الشِّعر الشعبي بذلك لأنَّها كانت آخر ما يُقال في الأفراح أي بعد كل ألوان الشعر الشعبي الأخرى بما في ذلك غناوي العَلَم فيطلبون من آخر الشعراء قائلين «ضمّ لنا القَشّة».