الرئيسيةثقافة

الحكايات الشعبية للأطفال ومراحل تطورها

محمد ناجي

كانتْ‭ ‬الجدةُ‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬تبدأ‭ ‬سرد‭ ‬حكاياتها‭ ‬بذكر‭ ‬نداء‭ ‬تنبيهي‭ ‬بسيط‭ ‬تدعو‭ ‬فيه‭ ‬مستمعيها‭ ‬إلى‭ ‬الإنتباه،

والإصغاء‭ ‬إليه‭.‬

كانت‭ ‬تقول‭ :‬

يا‭ ‬حزاركم‭ . . ‬يا‭ ‬حزاركم‭ . . ‬كان‭ ‬يا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬وكان‭ ‬في‭ . .‬

عبارة‭ ‬بسيطة‭ ‬تتفوه‭ ‬بها‭ ‬الجدة،‭ ‬وبفعل‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ :‬

ينقطع‭ ‬الضجيج‭ .. ‬وترهف‭ ‬السماع‭ ‬ويجلس‭ ‬الواقفون‭ ..‬وتشخص‭ ‬العيون‭ .‬

ويرتفع‭ ‬صوت‭ ‬الجدة‭ ‬مكرّراً‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإنتباه‭ ‬قائلاً‭ :‬

يا‭ ‬حزاركم‭ . . ‬يا‭ ‬حزاركم‭ . . ‬كان‭ ‬يا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬وكان‭ ‬في‭ . .‬

وإذ‭ ‬يدور‭ ‬الزمان‭ ‬دورته،‭ ‬وتبقى‭ ‬عبارة‭ ‬الجدة‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬بساطة‭ ‬وجمال،‭ ‬ومن‭ ‬مقدرة‭ ‬على‭ ‬إسترعاء‭ ‬الإنتباه

إن‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تتشابه‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المختلفة‭ .‬

إنها‭ ‬تتشابه‭ ‬من‭ ‬بلد،‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬أمة‭ ‬وأخرى؛‭ ‬بحيث‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الباحثين‭ ‬تعيين‭ ‬الأصل‭ ‬الذي‭ ‬صدرتْ‭ ‬عنه‭ ‬القصة‭ ‬الواحدة‭.‬

وهي‭ ‬نشأتْ‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬المختلفة،‭ ‬ترعرعت‭ ‬بين‭ ‬ظهرانيها،‭ ‬وإقتبست‭ ‬حيوية‭ ‬أفرادها‭ .‬

تشابهت‭ ‬تشابه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬طبائعه‭ ‬البشرية‭.‬

وإختلفت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تنقلت‭ ‬من‭ ‬محيط‭ ‬لآخر‭ ‬بسبب‭ ‬تعاقب‭ ‬الحروب‭ ‬وتنقل‭ ‬النَّاس‭ ‬من‭ ‬رواة‭ ‬وغيرهم

تأتي‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬علي‭ ‬عدة‭ ‬أنواع‭ ‬منها‭ :‬

1‭ – ‬القصة‭ ‬الأخلاقية‭ :‬‭ ‬تتناول‭ ‬القيم‭ ‬والمبادي‭ ‬وتسعي‭ ‬لتهديب‭ ‬الطفل‭ ‬وقويم‭ ‬سلوكه‭ ‬وارقي‭ ‬به

2‭ – ‬القصة‭ ‬الهزلية‭ :‬‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬الضحك‭ ‬والفكاهة‭ ‬والترفيه‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬قصص‭ ‬جحا‮»‬‭.‬

3‭ – ‬القصة‭ ‬الخيالية‭ :‬‭ ‬تثري‭ ‬مخيلة‭ ‬الطفل‭ ‬وتنقله‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬ساحر‭ ‬جميل،‭ ‬وهي‭ ‬قصص‭ ‬‮«‬النتازيا‭ ‬والسحر‭ ‬وبلاد‭ ‬الواق‭ ‬واق‭ ‬وبساط‭ ‬الريح‮»‬‭ ‬مثل‭ : ‬مغامرات‭ ‬السندباد،‭ ‬وعلاء‭ ‬الدين‭ ‬والمصباح‭ ‬السحري

4‭ – ‬قصص‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الحيوانات‭ :‬‭ ‬مثل‭ ‬إم‭ ‬بسيسي،‭ ‬وكليلة‭ ‬ودمنه‭ . ‬

المرحلة‭ ‬الأولية‭ :‬

لقد‭ ‬خضعت‭ ‬الخرافة‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬بداية‭ ‬كما‭ ‬نعرفها‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬جداتنا،‭ ‬وآبائنا‭ ‬الأولين‭ ‬وهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬ربما‭ ‬توقفت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ .‬

مرحلة‭ ‬الحكواتي‭ : ‬

الذي‭ ‬يسرد‭ ‬الحكاية‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور‭ ‬و‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬يتميز‭ ‬بعدة‭ ‬صفات‭ ‬منها‭ ‬الأداء‭ ‬المتميز‭ ‬والتمثيل‭ ‬وإتقان‭ ‬الحركة‭ ‬وغيها‭.‬

وأصبح‭ ‬لها‭ ‬مهرجانات‭ ‬سنوية‭ ‬تقام‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان،‭ ‬وكان‭ ‬ليّ‭ ‬شرف‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬صفاقس‭ ‬الدولي‭ ‬لكتاب‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الـ‭)‬26‭( ‬منه؛‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬المناشط‭ ‬نشاط‭ ‬الحكاية‭ ‬يقدمه‭ ‬حكواتي‭ ‬مختص‭ ‬باستضافة‭ ‬حكواتية‭ ‬من‭ :‬

‮«‬الجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬وتونس‮»‬‭ ‬وغيرهم‭.‬

وهنا‭ ‬نذكر‭ ‬الأستاذ‭ ‬الممثل‭ ‬يوسف‭ ‬خشيم‭ ‬الحكواتي‭ ‬الليبي‭ ‬المبدع‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬ويشارك‭ ‬باسم‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحافل‭ ‬والمهرجانات‭ ‬الدولية‭ .‬

مرحلة‭ ‬التدوين‭ ‬والكتابة‭ : ‬

حيث‭ ‬إنتقلت‭ ‬الخرافة‭ ‬من‭ ‬الشفاهة‭ ‬والكلام‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬قصص‭ ‬وكتب‭ ‬ومجلات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أبيض‭ ‬وأسود‭ ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬الطباعة‭ ‬أصبحت‭ ‬ملونة

دخلت‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬خاصة،‭ ‬وعامة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬وقدمت‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬تقدم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬آلاف‭ ‬المطبوعات‭ ‬تتنافس‭ ‬في‭ ‬تقديمها‭ ‬وإخراجها‭ ‬بعدة‭ ‬صور‭ ‬وأشكال‭ ‬وتحقّق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مكاسب‭ ‬وعوائد‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭ .‬

مرحلة‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ :‬

نقل‭ ‬النصوص‭ ‬المكتوبة‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬سينمائية،‭ ‬ومسلسلات‭ ‬مرئية،‭ ‬ومسموعة‭ ‬ويصعب‭ ‬الحصر‭ ‬هنا‭ ‬وتقديم‭ ‬نماذج‭ ‬لضخامتها‭ ‬وتعددها‭ ‬عربيًا‭ ‬وعالميًا‭ . ‬‭. ‬ولكن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬كلنا‭ ‬يتذكر‭ ‬المسلسل‭ ‬السوري

‭)‬كان‭ ‬يا‭ ‬ما‭ ‬كان‭( ‬بما‭ ‬يحويه‭ ‬من‭ ‬خدع‭ ‬ومؤثرات‭ ‬بصرية‭ ‬جميلة‭ ‬ومذهلة‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬شدتنا‭ ‬وابهرتنا

مرحلة‭ ‬الكرتون‭ ‬والإنمي‭ ‬والألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ :‬

مثل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متداول‭ ‬حاليًا،‭ ‬وموجود‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬أطفالنا‭ ‬في‭ ‬الهواتف‭ ‬وأجهزة‭ ‬الإكس‭ ‬بوكس‭ ‬وغيرها‭ .‬

وقد‭ ‬ظهر‭ ‬كتيب‭ ‬بعنوان‭ : ‬‭)‬ياحزاركم‭( ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬لتطوير‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬الليبية‮ ‬‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1971،‭ ‬حيث‭ ‬تبنت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬الليبية‭ ‬مشروعًا‭ ‬لتطوير‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬اللليبية‭ ‬برئاسة‭ ‬السيدة‭  ‬هنديت‭ ‬فراج‭ ‬وهي‭ ‬خبيرة‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬تنمية‭ ‬المواد‭ ‬التدريسية‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية

بهدف‭ ‬إصدار‭ ‬كتاب‭ ‬يحوي‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬الليبية،‭ ‬وتقديمه‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬أدبًا‭ ‬شعبيًا‭ ‬نموذجيًا‭.‬

تم‭ ‬إقامة‭ ‬مسابقة‭ ‬القصص‭ ‬الشعبية‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬طرابلس‮ ‬‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعميم‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬المدن‭ ‬إذا‭ ‬قدر‭ ‬لها‭ ‬النجاح‭.‬

كانت‭ ‬المسابقة‭ ‬موجهة‭ ‬لتلاميذ‭ ‬الصفوف‭ ‬الخامس‭ ‬والسادس‭ ‬الإبتدائي،‭ ‬والإعدادية‭ .‬

يقدم‭ ‬التلاميذ‭ ‬قصًصا‭ ‬شعبية‭ ‬يشترط‭ ‬أنها‭ ‬تناهت‭ ‬إلى‭ ‬مسامعهم‭ ‬من‭ ‬أقاربهم،‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬الرواة‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬التلميذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬حتي‭ ‬تتاح‭ ‬فرصة‭ ‬لتجميع‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬القصص،‭ ‬وأيضًا‭ ‬إظهار‭ ‬براعته‭ ‬في‭ ‬التعبير‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬يتم‭ ‬تجميع‭ ‬القصص‭ ‬وقراءتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المعلمين،‭ ‬لإنتقاء‭ ‬أفضلها‭ ‬وأحسنها‭.‬

قامت‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭ ‬الذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬التلميذ‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬علاتها،‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬شوائب‭ ‬وأخطاء‭ ‬إملائية‭ ‬وإنشائية،‭ ‬وإعادتها‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬جديد‭ ‬مشوق‭ ‬يولد‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬المطالعة‭ ‬الحرة‭.‬

تم‭ ‬جعل‭ ‬لغة‭ ‬القصص‭ ‬سهلة‭ ‬بحيث‭ ‬يتمكن‭ ‬تلاميذ‭ ‬الصفين‭ ‬الخامس،‭ ‬والسادس‭ ‬من‭ ‬قراءتها‭.‬

كما‭ ‬تم‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬المحلي‭ ‬والتقيد‭ ‬بقواعد‭ ‬الرواية‭ ‬الشعبية‭.‬

تم‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬القصص،‭ ‬وطباعتها‭ ‬في‭ ‬كتيب‭ ‬بعنوان‭ )‬ياحزاركم‭( ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬دار‭ ‬الفرجاني،‭ ‬ووزعتْ‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬مع‭ ‬الكتب‭ ‬المنهجية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬المنهج‭ ‬أو‭ ‬التقييم‭ ‬والقياس،‭ ‬وذلك‭ ‬لغرض‭ ‬غرس‭ ‬بذرة‭ ‬القراءة‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭ ‬مما‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬ملكتهم‭ ‬الإنشائية،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى