ثقافة

الخبر في كتاب اليوميات الليبية: لحسن الفقيه

أ. اشتيوية محمود

‮  ‬‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الكتاب‭ ‬يذكر‭ ‬‮«‬علي‭ ‬الفقيه‭ ‬حسن‮»‬‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬اليوميات‭ ‬تصنّف‭ ‬تاريخية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬شذرات‭ ‬الذهب‮»‬،‭ ‬و«التبر‭ ‬المسبوك‮»‬‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬التاريخية،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تحقيق‭ ‬الجزء‭ ‬المتسلسل‭ ‬منها‭ ‬وتحديده‭ ‬الزمني‭ )‬1240‭_ ‬1278هـ‭( ‬أما‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬تجاوزتْ‭ ‬هذا‭ ‬التحديد‭ ‬فقد‭ ‬استقاها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬أقدّم،‭ ‬وقد‭ ‬أتت‭ ‬الأخبار‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬اللغوي‭ ‬فمنها‭ ‬البسيط‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كونه‭ ‬تسجيلًا‭ ‬لمعرفة‭ ‬مثل‭ ‬أخبار‭ ‬العملات‭ ‬والسياسيين‭ ‬والزواج‭ ‬وغيرها،‭ ‬مثل‭ ‬قوله‭ )‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬أول‭ ‬صفر‭ ‬1226هـ‭ ‬قعد‭ ‬مصطفى‭ ‬قرجي‭ ‬رايس‭ ‬مرسى‭(‬،‭ ‬ويُلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الأخبار‭ ‬مزجتْ‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬الفصحى،‭ ‬واللهجة‭ ‬الليبية‭.‬

النص‭:‬

‭)‬ليلة‭ ‬الأربعاء‭ ‬2‭ ‬ذي‭ ‬الحجة‭ ‬1226هـ‭.‬

‮  ‬‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬ليلة‭ ‬الأربعاء‭ ‬ثاني‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬الحجة‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬جاء‭ ‬الحاج‭ ‬علي‭ ‬زميت‭ ‬ومعاه‭ ‬صرف‭ ‬سبعة‭ ‬وثمانين‭ ‬محبوب‭ ‬مصري؛‭ ‬أرسله‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬باشا‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬ولد‭ ‬الفقيه‭ ‬حسن‭ ‬وجيب‭ ‬منه‭ ‬سبعة‭ ‬وثمانين‭ ‬محبوب،‭ ‬فلما‭ ‬جاء‭ ‬الحاج‭ ‬علي‭ ‬المذكور‭ ‬أردتُ‭ ‬أن‭ ‬أمشي‭ ‬معاه‭ ‬إلى‭ ‬الحانوت‭ ‬وأقضي‭ ‬له‭ ‬حاجته‭ ‬فمنعتني‭ ‬والدتي‭ ‬عن‭ ‬الخروج،‭ ‬فقلتُ‭ ‬له‭: ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬عندي،‭ ‬والصبح‭ ‬تعالى‭ ‬إلى‭ ‬الحانوت‭ ‬نقضي‭ ‬لكَ‭ ‬حاجتك،‭ ‬فغضب‭ ‬علينا‭ ‬الباشا‭ ‬وأرسل‭ ‬أخذ‭ ‬مني‭ ‬مائة‭ ‬محبوب‭ ‬مصري‭ ‬ولم‭ ‬أعطانا‭ ‬فيهم‭ ‬بارة‭_ ‬ربنا‭ ‬يعوض‭ ‬علينا‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬المسلمين‭.‬

‮  ‬‭ ‬والصباح‭ ‬رباح‭. ‬قدم‭ ‬علينا‭ ‬الرايس‭ ‬عمر‭ ‬الشلي،‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬الباشا‭: ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬عيونك‭ ‬راني‭ ‬ضربته‭ ‬خمسمائة،‭ ‬واحنا‭ ‬لم‭ ‬رضينا‭ ‬نعصوا‭ ‬والدتنا،‭ ‬وربنا‭ ‬ينجينا‭ ‬من‭ ‬غضبه‭ ‬وغضب‭ ‬عباده،‭ ‬ويحرسنا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الآفات‭. ‬آمين‭(.‬‮  ‬‭ ‬

‮  ‬‭ ‬ويُلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الحدثَ‭ ‬أخذ‭ ‬بنية‭ ‬سردية‭ ‬فيها‭ ‬الراوي‭ ‬كلي‭ ‬العلم‭ ‬وشخصيات‭ ‬محددة‭ ‬هي‭ ‬الباشا‭_ ‬الوالدة‭_ ‬الحاج‭ ‬علي‭_ ‬عمر‭ ‬الشلي،‭ ‬و‭ ‬يعطي‭ ‬الخبر‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الشخصيات،‭ ‬حيث‭ ‬ربطها‭ ‬بأسماء‭ ‬مرجعية‭ ‬كما‭ ‬جرت‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الذات‭ ‬التي‭ ‬تتضمن‭ ‬اليوميات،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تضمنت‭ ‬حدثًا‭ ‬متصاعدًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬للذروة‭ ‬ثم‭ ‬أخذ‭ ‬يهبط‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عاد‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬البداية‭ ‬بالدعاء‭ ‬والحمد‭.‬

‮  ‬‭ ‬‮  ‬‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬النَّوع‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬يفتح‭ ‬آفاقًا‭ ‬للدراسة‭ ‬السردية،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬أنماط‭ ‬تختبئ‭ ‬داخل‭ ‬أنواع‭ ‬أخرى،‭ ‬فالبذرة‭ ‬السردية،‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كتابة؛‭ ‬حيث‭ ‬يغدو‭ ‬السرد‭ ‬كونًا‭ ‬مصغرًا‭ ‬يوازي‭ ‬الأزمنة‭ ‬الثلاثة،‭ ‬ويستوعبها‭ ‬بضغطها‭ ‬واللعب‭ ‬على‭ ‬ترتيبها،‭ ‬فالشعر‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬واليوميات‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الأخبار،‭ ‬والهجاء‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الفخر‭.‬

‮  ‬‭ ‬والسبيل‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬معرفة‭ ‬جديدة،‭ ‬يتطلب‭ ‬تصورًا‭ ‬جديدًا‭ ‬وآليات‭ ‬متنامية،‭ ‬تساير‭ ‬صعوبة‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الأثر‭ ‬الإبداعي‭ ‬وقولبته‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬محدد‭ ‬ونتيجة‭ ‬مسبقة،‭ ‬فالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الآثار‭ ‬القديمة‭ ‬بعين‭ ‬العصر‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬خفايا‭ ‬وأسرار‭ ‬النصوص‭ ‬البعيدة‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لسوء‭ ‬الفهم‭ ‬والغموض،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬إدراك‭ ‬الماهية‭ ‬والجنس‭ ‬والتأويل‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ملابسات‭ ‬القراءة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى