الزواج القسري أو الزواج بالإكراه، هذا النَّوع من الزواج يعتمد أساسًا على اجبار الطرفين أو أحدهما على القبول بالزواج لدرجة أنه يتم بالتعنيف الجسدي وحتى النفسي، وغالبًا ما يكون منتشرًا في بعض المناطق القبلية أو التي يكون نظامها قبلي جهوي أبوي طبقي، وهو منتشرٌ في كل الثقافات حول العالم، ويزداد ذلك في آسيا وأفريقيا.
أما في ليبيا لا يختلف الأمر كثيرًا، فيتم فرض البنت على الزواج من ابن عمها أو العكس، ويتشابه مع فكرة الحجر على النساء، والتي تعتمد أساسًا على تحجير الشاب لابنة عمه فلا يتزوجها غيره، وهو فكر متخلف أشتهر في زمن الجاهلية.
■ رصد: محمد التراسي
الزواج القسري في مواجهة حقوق الإنسان
تشير الناشطة الحقوقية والمتخصصة في مجال القانون وحقوق الإنسان أ. خديجة البوعيشي بأن (القانون الدولي في عدة اتفاقيات قد تناول مسألة الزواج القسري للتأكيد على حق حرية الاختيار في الزواج و الحق في اختيار الشريك ورفض الإجبار على الزواج منها. على سبيل المثال اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج لسنة 1964 نصت على ضرورة الرضا الكامل بالزواج دون إكراه)؛ وقد جاء ذلك في نص الفقرة الثانية من المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (لا يُعقد الزواج إلاَ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كامل لا إكراه فيه).
الزواج القسري في التشريع الوطني
كالعادة فعند الحديث عن القوانين والتشريعات الوطنية وعلاقتها بالحقوق الإنسانية نجد أنها غالبًا ما تكون منصفًا وفي مواضع أخرى تكون سببًا غير مباشر في حدوث انتهاكات تحد من الحريات وتنتهك الحقوق .
أما عن الزواج القسري صراحة كان القانون منصفًا للطرفين، وهذا ما تؤكده المادة المادة الثامنة من قانون رقم (10) لسنة 1984 بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما وجاء في نص الفقرة الأولى والثانية ما يلي :
(أ. لا يجوز للولي أن يجبر الفتى أو الفتاة على الزواج رغم إرادتها . ب. كما لا يجوز للولي أن يعضل المولى عليها من الزواج بمن ترضاه زوجاً له ) .
وليس هذا فحسب فقد قدم المشرع الليبي نموذجًا مثاليًا في تعزيز الحريات رغم أنها تحظى باحترام كبير فقط على الورق حيث جاء في قانون 20 لسنة 1991 بشأن تعزيز الحريّة الذي تنصّ مادّته الأولى (المواطنون ذكورًا وإناثًا أحرار متساوون في الحقوق ولا يجوز المساس بحقوقهم).
بينما تنص المادة 25 منه، بشكل خاص على حق اختيار الزوج والتراضي عند العقد فجاء فيها ” لكل مواطن ومواطنة الحق في تكوين أسرة أساسها عقد النكاح القائم على رضا الطرفين ولا ينحل إلا برضاهما أو بحكم من محكمة مختصة ”
إلى هنا المواد جميعها منصفة إلى حد كبير، ولكن إلى جانب هذا فهناك عديد المواد التي تحض على الزواج القسري أو الاجباري وخاصة ضد المرأة ومثال على ذلك المادة 424 من قانون العقوبات والتي تنص على إذا عقد الفاعل (المغتصب) زواجه على المُعتدى عليها؛ تسقط الجريمة والعقوبة وتنتهي الآثار الجنائية سواء بالنسبة للفاعل أو للشركاء ” .
وعن هذه المادة تعلق الإعلامية والنسوية مروة سالم قائلة :”يبدو أن التشريعات الليبية تجد متعة في إجبار النساء على الزواج” وتشير الى المادة 424 المذكورة أنفا مضيفة “يتمثل الزواج القسري في قانون إجبار المغتصبة للزواج من مغتصبها والعفو عنه أو عن مجموعة الرجال الذين اغتصبوا امرأة إن تطوع واحد منهم للزواج بها . في إغفال تام عن حالتها النفسية والجسدية وإرادتها وصالحها”.
وعند التعمق أكثر في تحليل هذه المادة المسيئة، يُلاحظ أنها تبرَّر وتسهم في حدوث الزواج القسري، والذي عادة في مثل هذه الحالة تجبر الفتاة من ولي أمرها بالزواج من مغتصبها حيث أن الزواج هو الخيار الثاني بعد خيار قتلها ونشر فضيحتها، فيفضل ولي أمرها تزويجها رغما عنها.. وعديد المواد التي تعد مساهمة في إحداث الزواج بالإكراه، والذي قد لا يسمح المجال الآن لذكرها.
الزواج القسري في مواجهة الدين
من وجهة نظر الإسلام للزواج القسري فهو يرى إن استبداد الولي باختيار الزوج وانفراده بالعقد هو جناية على المرأة واستهانة بعواطفها وأحاسيسها، فلا يجوز إكراه المرأة على الزواج ممن لا ترغب فى الزواج منه، وإذا أكرهها على النكاح فلا يصح هذا النكاح، وقد رده النبي صلى الله عليه وسلم.
والدليل ذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج ابنته دون أن يستشيرها “أشيروا على النساء فى أنفسهن “.
وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلاً زوج بنته بغير استشارتها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الأمر إليها، فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء.
الزواج لتفادي الإنحراف
أوضحت الكاتبة والمحامية والناشطة الحقوقية (أ. وفاء البوعيسي) انه ” بالمادة 9 من قانون الزواج والطلاق وآثارهما، يعد الولي شرطا من شروط صحة الزواج ، ومن صحة الزواج أيضا أن تتحد إرادة الولي والمولى عليها في مجلس العقد. فالمشرع لا يأخذ ولاية الإجبار التي يفرض فيها الولي الزواج على الفتاة، إنما يعتد بولايتين اثنتين هما الاختيار والشراكة. ومن حق المولى عليها رفع الأمر للقضاء لوقف تزويجها قسرا”
وتعتقد (وفاء البوعيسي) “إن إرغام الفتيات على الزواج، يكثر في البيئات غير المستقرة أمنيا، إذ يسارع الأب لتزويجها للتخلص من مخاطر بقائها بلا زواج بوسط مضطرب، أو بسبب الفقر حيث يتخلص الأب من كلفة إعاشتها، وكذا قلة التعليم، أو للظن باحتمال انحرافها فيزوجها لأول خاطب”.
الزواج القسري وزواج القٌصر
يرتبط زواج القصر أو الطفلات بالزواج القسري ارتباطا وثيقا فهو يعد احدى نتاجاته ، فغالبا ما تكون الفتيات القاصرات مرغمات ومجبرات قسرا على الزواج، ما يضع هذا الزواج محرما شرعا وقانونا بحجتين الاولى زواج القصر ما دون السن القانونية والثاني الزواج القسري باجبار أحد الطرفين أو الطرفين معا
الزواج القسري والاغتصاب الزوجي
الزواج القسري هو أيضا نتاج فعلي للإغتصاب الزوجي ، ففي حال كانت الفتاة او المرأة مرغمة على الزواج فقد تكون مرغمة على ممارسة الجنس مع زوجها ما يدفعه في كثير من الاحيان الى ممارسته رغما عنها ما يعتبر اغتصاب زوجي وقد اشرنا سابقا أن الدين قد اعتبر ذلك محرما .
تزويج الارامل من أجل الحفاظ على الميراث
هنالك العديد من الممارسات الثقافية الغريبة التي يمكن أن نراها في واقعنا هذا، ومن ضمن هذه الممارسات هي تلك الممارسات التي تقتضي على الأرملة أن تتزوج من أحد أقارب زوجها الراحل، وغالبا ما يكون شقيقه حتى لا يضيع المال والميراث خارج أسرة الزوج. وينتشر هذا النوع من الممارسات الاجتماعية في بعض الأجزاء من قارة أفريقيا السمراء .
وقد علقت (أ. خديجة البوعيشي ) عن ظاهرة اجبار زوجة الاخ المتوفي من الزواج بشقيقه من أجل الحفاظ على الميراث حيث قالت “هذا عرف اجتماعي غير عادل و فيه انتقاص من ارادة الضحية بل انه احيانا يتحول لابتزاز لافتقادها حق الحضانة أو أن تحصل على إرث زوجها ففي قانون الأحوال الشخصية الليبي نص على اشتراط الرضا و اعتبر أن الإكراه كالعضل مسائل تجيز لطرف في الزواج أن يلجأ للقضاء لحمايته بل انه قد يعتبر من صور الاساءة لاحد افراد الاسرة اذا اجبرت على الزواج”.
الزواج هربا من العنوسة شكل من أشكال العنف!
لا يقف مفهوم الزواج القسري لدى الإعلامية والناشطة الحقوقية (مروة سالم ) فقط عند من تم تزويجهم بالإجبار حيث تقول : لا يفوتنا أيضا أن بعض النساء العازبات يتعرضن للتقليل من قيمتهم على اعتبار أنهم لم يتزوجن فيصبح الزواج هو الطريق الوحيد للنجاتهن. لذا قد يكون الواقع الاجتماعي والعرف احد الاسباب التي تدفع بالنساء الى الزواج كرها لا حبا .
حتى أولئك النساء اللاتي يعتقدن انهن يخترن أزواجهن ، هل قمن باختيارهن فعلا ؟ ماهي خيارات النساء في ليبيا مثلا ؟ خيارات محدودة جدا مرتبطة بالصدفة والقضاء والقدر لا وجود لخيار حقيقي هنا،عليه فجل النساء هنا هن في زواج قسري أما مباشر وإما غير مباشر . ونحن لا نتحدث عن ايجاد شريك مثالي بل نتحدث عن الخيارات الحقيقية التي نملكها واقعيا .
ومن المهم أن أوضح مفهوما غائبا عن الكثيرين /ات فيما يخص الإرادة الفردية والتي تسمى بالموافقة والتي من المفترض أن يعتد بها. هي الموافقة التامة بدون أي نوع من الإكراه أو التهديد أو الإبتزاز أو العنف أو التأثير المباشر أو الغير مباشر للإنسان البالغ العاقل الواعي في كامل قواه العقلية وما عدا ذلك فهو لا يعتبر موافقة .
الإنسان السوي يختار الإنفصال لا القتل
وبالتزامن مع جرائم القتل الأسرية ضد النساء سألنا الإعلامية والناشطة النسوية (مروة سالم )عن ارتباط الزواج بالإكراه مع هذه الجرائم الأسرية فقالت: “ليس مقياساً، فالكثير من النساء تزوجن عن حب ومع ذلك تعرضن للتعنيف، لذا فالإنسان السوي ينفصل ولا يقتل شريكه في أسوأ الظروف إن كرهه، أنني أحمل المسؤولية للترويج للعنف ضد النساء وكراهية النساء التي يروج لها على أنها فضيلة ورجولة وتترك داخل النساء عقدا بالدونية وكره الذات ولدى الرجال عقدا ميسوجونية”.
الزواج القسري: على من يشكل خطرا أكبر على الرجل أم المرأة
يشكل الزواج بالإكراه خطرا على الطرفين خصوصا اذا كانا الاثنين مجبرين ، وفي حالة كانت المرأة هي المجبر فهنا يكون الوضع أكثر سوءا ، لأنه في هذا الحال يكون أمرها مرتبط بزوجها ، على العكس من ذلك تماما ففي حال كان هو المجبر على الزواج فبحكم العرف والدين قد لا يصمد الزواج كثيرا فيكون بإمكانه تطليقها متى شاء أو بالزواج من غيرها سرا او علانية .
وحول هذه الفروقات التي يتعرض لها الرجل والمرأة المجبرين على الزواج تضيف (مروة) إن الزواج في ليبيا هو رضا وقبول بين العائلتين وليس الزوجين كأساس؛ عليه تبعات ذلك يتحملها الأبناء في وسط يخلو من الحب وفي مجتمع يروج للعنف .لكن الفارق هنا هو امتلاك الرجل للخيار و تعرضه لعواقب أقل، فتجد أن لديهم الحرية للبحث عن الحب بعد الزواج وهذا خيار غير متاح للنساء ، كما أن لديهم حرية خيار الإنفصال دون أن يعاقبهم المجتمع، وهذا ليس الحال عند النساء، كما أن معظم حالات الطلاق تجد الرجال يطلقون أبنائهم أيضا، وتتحمل النساء الحمل مضاعفا مع عبء مجتمع كاره للنساء مستعد لأكل لحومهن كعقاب لاتخاذها قرار الإنفصال.
وتضيف النسوية مروة “إن افترضنا عدم وجود العوائق الإجتماعية والمجتمعية للخروج من العلاقات السامة وتجاوز العوائق النفسية بالنسبة للمرأة فحتى قانون الخلع ، فهو ليس مخرجاً للجميع ، فقط لمن حالتهن ميسورة جداً فهو يتطلب مقابل مادي ليقبل الزوج بالطلاق وتحمل الزوجة كل نفقات الأطفال هذا عدا عن كونه يشترط موافقة الزوج “.
أما الطلاق لإستحالة العشرة فتعلق (مروة) قائلة:” إن حكم لها بالخروج مع خسارة حضانة أطفالها ، وهذا ما لن تقبله اي سيدة مهما كان العنف الممارس عليها فهل يعد هذا مخرجاً أم عنفاً ممارساً ضدها ؟
أخيرا تنهي (مروة سالم ) قولها:” أما الطلاق للضرر قد يكون أهون الخيارات ولكن يتطلب مستوى من الوعي لتوثيق الأضرار ونحن لم نتحدث حتى عن العواقب المجتمعية كل هذا ولدى الرجل حرية الخيار في التطليق والخروج من العلاقات السامة دون عراقيل ودونما إذن الزوجة كون العصمة تكون بيده .
الخاتمة
وفي النهاية .. ما ينتجه الزواج بالإجبار يختلف تماما عن الزواج المبني على الحب والرضا، الزواج القسري ينتج علاقة خالية من الرضا والاحترام والحب والتقدير، ولا يمكننا تجاهل عديد المشكلات الزوجية والاجتماعية المرتبطة بالعنف والمشكلات النفسية للطرفين يكون الزواج بالإكراه سببا رئيسا فيها يقودهما إلى زواج فاشل ينتهي أحيانا بالطلاق، وفي أحيان أخرى إلى جرائم قتل .