اجتماعي

السكن‭ ‬أزمة‭ ‬والإيجار‭ ‬نار‭ !!‬

‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تحوّلتْ‭ ‬أزمة‭ ‬السكن‭ ‬إلى‭ ‬كابوس‭ ‬يومي‭ ‬يثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المواطن،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الشباب‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ ‬والأسر‭ ‬محدودة‭ ‬الدخل‭. ‬فبينما‭ ‬توقفتْ‭ ‬مشروعات‭ ‬الإسكان‭ ‬العامة،‭ ‬وتراجع‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬بدائل،‭ ‬قفزتْ‭ ‬أسعار‭ ‬الإيجارات‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬جعلتْ‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬ملائم‭ ‬مهمة‭ ‬شبه‭ ‬مستحيلة‭.‬

كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬باتت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬منازل‭ ‬صغيرة‭ ‬مكتظة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضاقتْ‭ ‬بها‭ ‬السُبل،‭ ‬فيما‭ ‬يضطر‭ ‬آخرون‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬حي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬أسعار‭ ‬أقل،‭ ‬أو‭ ‬قبول‭ ‬مساكن‭ ‬متهالكة‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بكرامة‭ ‬الإنسان‭.‬

تؤكد‭ ‬الإحصائيات‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬الأسر‭ ‬تُستنزف‭ ‬في‭ ‬الإيجارات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة،‭ ‬التعليم،‭ ‬وحتى‭ ‬الصحة‭. ‬ومع‭ ‬غياب‭ ‬الرقابة‭ ‬الحكومية‭ ‬وضعف‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬للسوق‭ ‬العقاري،‭ ‬أصبح‭ ‬المالك‭ ‬هو‭ ‬المتحكم‭ ‬المطلق،‭ ‬يرفع‭ ‬السعر‭ ‬متى‭ ‬شاء،‭ ‬ويشترط‭ ‬الدفع‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر‭ ‬مقدمًا‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لظروف‭ ‬المستأجر‭. ‬وهكذا‭ ‬تحولتْ‭ ‬البيوت،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مأوى‭ ‬واستقرارًا،‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭ ‬ثقيل‭ ‬يهدَّد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬والاجتماعي‭.‬

صحيفة‭ )‬فبراير‭ ( ‬رصدت‭ ‬آراء‭ ‬المواطنين‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ :‬

عياد‭ – ‬موظف‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حياته‭:‬‭ ‬أصرف‭ ‬نصف‭ ‬راتبي‭ ‬على‭ ‬الإيجار،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬الزواج‭. ‬كيف‭ ‬أكون‭ ‬أسرة‭ ‬وأنا‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬بيت؟‭.‬

فوزية‭ ‬أم‭ ‬لخمسة‭ ‬أبناء‭:‬‭ ‬نُطرد‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تقريبًا‭ ‬لأن‭ ‬المالك‭ ‬يريد‭ ‬زيادة‭ ‬الإيجار،‭ ‬أبنائي‭ ‬تعبوا‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬المدارس،‭ ‬ونحن‭ ‬تعبنا‭ ‬من‭ ‬الترحال‭.‬

أيوب‭ ‬صاحب‭ ‬محل‭ ‬تجاري‭:‬‭ ‬ارتفاع‭ ‬الإيجارات‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬البيوت‭ ‬فقط،‭ ‬حتى‭ ‬المحال‭ ‬تضاعفت‭ ‬أسعارها،‭ ‬وهذا‭ ‬يرفع‭ ‬الأسعار‭ ‬على‭ ‬المستهلك‭ ‬مباشرة‮»‬‭.‬

علي‭ ‬شاب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬الزواج‭:‬‭ ‬اتفقتُ‭ ‬مع‭ ‬خطيبتي‭ ‬على‭ ‬تأجيل‭ ‬الزواج‭ ‬للمرة‭ ‬الثالثة،‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬شقة‭ ‬مناسبة‭. ‬كلما‭ ‬أجد‭ ‬مكانًا‭ ‬بسعر‭ ‬معقول،‭ ‬أكتشف‭ ‬أن‭ ‬المالك‭ ‬يطلب‭ ‬الدفع‭ ‬سنة‭ ‬مقدماً،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل‭ ‬بالنسبة‭ ‬ليّ

مفيدة‭ – ‬أرملة‭ ‬تعول‭ ‬ثلاثة‭ ‬أطفال‭: ‬كنتُ‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكن‭ ‬المالك‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬الخروج‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬رفع‭ ‬الإيجار،‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬دفع‭ ‬المبلغ‭ ‬الجديد‭. ‬الآن‭ ‬أعيش‭ ‬مع‭ ‬أهلي‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬مزدحم،‭ ‬وفقدنا‭ ‬خصوصيتنا‭ ‬وراحتنا

محمود‭ – ‬سائق‭ ‬أجرة‭: ‬الإيجار‭ ‬يأكل‭ ‬نصف‭ ‬دخلي‭ ‬تقريباً،‭ ‬وما‭ ‬يبقي‭ ‬إلا‭ ‬لتغطية‭ ‬مصاريف‭ ‬العائلة‭. ‬أحياناً‭ ‬أضطر‭ ‬أشتغل‭ ‬ليلاً‭ ‬ونهاراً‭ ‬باش‭ ‬نقدر‭ ‬نلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬أساسية‭ ‬مثل‭ ‬الأكل‭ ‬والمدرسة‭.‬

  أسماء‭ – ‬موظفة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭:‬‭ ‬المشكلة‭ ‬مش‭ ‬بس‭ ‬في‭ ‬السعر،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬السكن‭. ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشقق‭ ‬مؤجرة‭ ‬بأسعار‭ ‬خيالية‭ ‬وهي‭ ‬متهالكة،‭ ‬فيها‭ ‬تسريب‭ ‬مياه،‭ ‬أو‭ ‬مشكلات‭ ‬كهرباء‭. ‬لكن‭ ‬نضطر‭ ‬نقبل‭ ‬لأنها‭ ‬الخيار‭ ‬الوحيد‭.‬عماد‭ – ‬صاحب‭ ‬عقار‭ :‬‭ ‬حتى‭ ‬أصحاب‭ ‬العقارات‭ ‬عندهم‭ ‬مشكلات‭. ‬المواد‭ ‬البنائية‭ ‬غالية‭ ‬جداً،‭ ‬والصيانة‭ ‬تكلف‭ ‬كثيرًا‭. ‬لهذا‭ ‬يرفعوا‭ ‬في‭ ‬الإيجارات‭. ‬صحيح‭ ‬فيه‭ ‬استغلال‭ ‬من‭ ‬بعضهم،‭ ‬لكن‭ ‬فيه‭ ‬ناس‭ ‬يضطروا‭ ‬يرفعوا‭ ‬بسبب‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سعيدة‮ ‬‭- ‬موظفة‭ :‬‮ ‬أنا‭ ‬وزوجي‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬صغيرة‭ ‬بالإيجار،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نضطر‭ ‬نأخذ‭ ‬قروضًا‭ ‬باش‭ ‬ندفع‭. ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬القلق‭: ‬هل‭ ‬المالك‭ ‬بيرفع‭ ‬علينا‭ ‬السعر‭ ‬أو‭ ‬يطلب‭ ‬منا‭ ‬الخروج؟‭.‬

أ‭. ‬محمد‭ ‬يقول‭:‬

هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تهدّد‭ ‬تماسك‭ ‬الأسرة‭ ‬الليبية‭. ‬غياب‭ ‬الاستقرار‭ ‬السكني‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬بدؤوا‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬الهجرة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بيت‭ ‬يحفظ‭.‬

يقول‭ ‬الخبير‭ ‬والمستشار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬علي‭ ‬فرج‭ :‬‭ ‬إن‭ ‬أزمة‭ ‬السكن‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بارتفاع‭ ‬الأسعار،‭ ‬بل‭ ‬تحمل‭ ‬أبعادًا‭ ‬اجتماعية‭ ‬خطيرة؛‭ ‬فغياب‭ ‬الاستقرار‭ ‬السكني‭ ‬يدفع‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬تأخير‭ ‬الزواج،‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬نتيجة‭ ‬الضغوط‭ ‬المالية‭ ‬المستمرة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬منازل‭ ‬ضيقة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬غير‭ ‬صحية‭ ‬للأطفال،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬الأسرية‭.‬

ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحلول‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شاملة،‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروعات‭ ‬إسكان‭ ‬حقيقية‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العقارات‭ ‬بقوانين‭ ‬عادلة،‭ ‬وتفعيل‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المضاربة‭ ‬بالأسعار‭. ‬قضية‭ ‬سكن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قضية‭ ‬فردية‭ ‬بل‭ ‬تحولتْ‭ ‬إلى‭ ‬معضلة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬تتطلب‭ ‬تدخلًا‭ ‬عاجلًا‭. ‬المواطن‭ ‬يئن‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الإيجارات‭ ‬المرتفعة،‭ ‬والشباب‭ ‬يفقدون‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬مستقر‭. ‬ولعل‭ ‬الحل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭:‬

‭- ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬مشاريع‭ ‬الإسكان‭ ‬العام‭ ‬المتوقفة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭.‬

‭- ‬سنّ‭ ‬قوانين‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المالك‭ ‬والمستأجر‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬العدالة‭.‬

‭- ‬توفير‭ ‬بدائل‭ ‬سكنية‭ ‬للشباب‭ ‬ببرامج‭ ‬دعم‭ ‬أو‭ ‬قروض‭ ‬ميسرة‭.‬

‭- ‬تفعيل‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬السوق‭ ‬العقاري‭ ‬لمنع‭ ‬المضاربة‭ ‬والاستغلال‭.‬

فالسكن‭ ‬ليس‭ ‬رفاهية،‭ ‬بل‭ ‬حق‭ ‬أساسي‭ ‬لكل‭ ‬مواطن،‭ ‬وغيابه‭ ‬يعني‭ ‬غياب‭ ‬الاستقرار‭ ‬الذي‭ ‬تحتاجه‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬آمن‭ ‬لمواطنيها‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى