
في السنوات الأخيرة غزتْ السيجارة الإلكترونية ساحات الجامعات والمدارس، وأصبحت تُرى في أيدي الطلاب كما لو أنها «موضة» عصرية، أو وسيلة لإبراز الشخصية. غير أنَّ هذه الظاهرة سرعان ما تحولتْ إلى قلق اجتماعي وصحي متصاعد، بعدما بات بعض الشباب يدمنون عليها دون إدراك
من خلال ملاحظتي اليومية في محيط المدارس والجامعات، شدّ انتباهي مشهدٌ يتكرر أمامي كثيرًا: طلاب يقفون في مجموعات صغيرة عند الاستراحة، يخرج أحدهم جهازًا صغيرًا يشبه القلم أو الذاكرة الإلكترونية، ثم يبدأ في إطلاق سحب من البخار بروائح مختلفة تلفت الأنظار.
ما هي إلا لحظات حتى يتناوب عليه أصدقاؤه في نوع من الاستعراض والتفاخر. لم يعد الأمر خفيًا، بل صار ظاهرة علنية تُمارس بلا خوف ولا وعي بعواقبها. هنا طرحت على نفسي السؤال: هل يدرك هؤلاء الشباب أنهم أمام عادة قد تتحول إلى إدمان يهدد صحتهم ومستقبلهم؟ أم أنهم يرونه مجرد تسلية عابرة وموضة عصرية لا أكثر ! لمخاطرها، وسط غياب رقابة أسرية كافية وتقصير في التوعية. فهل هي مجرد بديل للتدخين التقليدي، أم باب واسع لإدمان من نوع آخر؟
وفي جولة ميدانية لإحدى المدارس القريبة وبين عدد من الطلاب، تباينت المواقف.
يقول محمد 18 عامًا السيجارة الإلكترونية بالنسبة ليَّ مجرد تسلية، أشعر أنها أقل ضررًا من السجائر العادية، كما أن رائحتها غير مزعجة.
بينما ترى إسراء 17 عامًا أن الأمر أخطر الكثير من زملائي صاروا لا يستطيعون الاستغناء عنها، يخرجون من الحصص بسرعة فقط ليستعملوها.
أشعر أنها بداية لإدمان صام».
أما آدم 20 عامًا فيعترف: بدأتُ بدافع الفضول، لكنّي الآن لا أستطيع التوقف، أشعر بالقلق إن لم استخدمها لبضع ساعات.
أسمهان 16 عامًا جربتُ السيجارة الإلكترونية بدافع الفضول فقط، لكنَّني لاحظتُ أن بعض صديقاتي أصبحن يعتمدن عليها يوميًا، كأنها وسيلة للهروب من الضغوط.
علي 19 عامًا أشعر أنها جزء من الموضة، مثل الهاتف، أو الملابس العصرية. لا أفكر كثيرًا في الأضرار، لأنها تبدو آمنة.
بشرى 18 عامًا أنا ضدها تمامًا. أرى زملائي يتفاخرون بها في الاستراحات، بينما هي في الحقيقة تدمر صحتهم.
مراد 21 سنة: بدأتُ باستخدامها لأقلع عن السجائر، لكنها تحولت لإدمان آخر، وصرت أنفق الكثير من المال عليها.»
تقول السيدة عائشة وليّة أمر أشعر بقلق كبير حين أسمع أن ابني يستخدم السيجارة الإلكترونية، فهي متاحة بسهولة في الأسواق، ولا توجد قوانين رادعة.
بينما يضيف أ.عبد الله أب لطالبة جامعية المشكلة أن بعض الأسر لا تعلم حتى أن أبناءها يدخنون هذه السيجارة، لأنها بلا رائحة قوية مثل التدخين التقليدي. وتقول الاختصاصية النفسية د.فاطمة الطبولي
الإدمان النفسي أخطر من الجسدي في هذه الحالة. الطالب يتعود أن السيجارة الإلكترونية تعطيه ثقة أو تقلل توتره، فيرتبط بها ذهنيًا. وهذا يقوده مع الوقت إلى صعوبة التخلي عنها، بل وربما البحث عن بدائل أقوى.
د. أحمد الشيباني استشاري أمراض الصدر: الاعتقاد بأنها أقل ضررًا غير صحيح. الدراسات أثبتت أن السيجارة الإلكترونية تحتوي على مواد كيماوية خطيرة قد تضر بالرئة وتزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب. بعض الحالات وصلت إلى المستشفى بسبب مشاكل في التنفس نتيجة الاستخدام المفرط.
أ. عبد العاطي محمد تربوي:
المدارس والجامعات مطالبة بوضع برامج توعوية، وإشراك الطلاب في حملات مضادة لهذه الظاهرة. يجب أن نملأ وقت فراغ الشباب بالأنشطة المفيدة، لأن جزءًا كبيرًا من الظاهرة مرتبط بالملل والبحث عن شيء يملأ وقتهم.
الاختصاصية النفسية د. هيفاء الشريف تؤكد أن السيجارة الإلكترونية ليست مجرد موضة»: الإدمان هنا ليس على النيكوتين فقط، بل على الطقوس المصاحبة، والإيحاء النفسي بأنها تمنح راحة أو ثقة. كثير من الشباب لا يدركون أن تعلقهم بها يقودهم تدريجيًا إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والتوتر والاكتئاب.»
من جانبه، يشدد التربوي أ. عبد الباسط الورفلي على أن الظاهرة تهدد البيئة التعليمية:
حين ينشغل الطالب بالسيجارة الإلكترونية، فهو يضعف تركيزه الدراسي.
الأخطر أنها قد تفتح الباب أمام سلوكيات غير صحية أخرى، بسبب غياب التوعية المدرسية وضعف دور الأسرة في المراقبة. نحن بحاجة إلى برامج توعية داخل المدارس والجامعات، وربط الشباب بأنشطة بديلة.
بين تبريرات الطلاب وتحذيرات المختصين، تبقى السيجارة الإلكترونية قنبلة موقوتة تهدد مستقبل جيل بأكمله. هي ليست مجرد «بخار يتلاشى»، بل عادة قد تتحول إلى إدمان مزمن، ما لم تتحرك الأسرة والمؤسسات التعليمية والصحية بجدية لوقف انتشارها. فهل ننتظر حتى يتحول «البخار» إلى دخان يخنق طلابنا؟
من خلال هذا الاستطلاع، تتضح خطورة السيجارة الإلكترونية التي اجتاحت صفوف الطلاب تحت غطاء «الموضة» و»التسلية». الأصوات تتعدد، لكن الخلاصة واحدة: نحن أمام إدمان صامت يحتاج إلى مواجهة جماعية، تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند المدرسة والجامعة. والسؤال الملح: هل سننجح في حماية شبابنا قبل أن يقعوا في فخ يصعب الخروج منه؟