السيد خليل القلّال.. لأمين مازن
جاء السيد خليل القلال إلى مجلس النواب الليبي في دورته الأولى مُنتخَباً عن دائرة بنغازي ضمن الخمسة عشرة نائباً المحددين دستورياً لولاية برقة وفقاً للتوافق السكاني الذي احتكم له العهد بالنسبة لهذا المجلس و بالتساوي بين الشيوخ انتخاباً أو تعيينا، و كان قبل هذا التاريخ بين العشرين الذين تكونت منهم الجمعية الوطنية الذين أُنيط اختيارهم من برقة إلى الأمير إدريس السنوسي فيما وُزِّعَت مسئولية الاختيار من طرابلس بين الزعيم البشير السعداوي و المفتي محمد أبو الاسعاد و بالضرورة سلطات الولاية، أما ممثلو فزان فقد كانوا على مسئولية السيد أحمد سيف النصر، على أن كل قراءة واعية بطبيعة المرحلة و ظروفها يتضح من خلالها بجلاء حجم التوازن النوعي و بالضرورة الإجتماعي، و كان القلّال هذا في مهمته تلك مثالاً جلياً على دقة الاختيار من حيث الأسرة و المهنة و التي تمثلت يومئذ في تحرير العقود التي كان يشغلها عن جدارة إلى جانب السيد محمد الساقزلي المعروف بصلابة الشخصية و التمسك بالرأي الذي يرى صوابه، فبالجمعية المشار إليها كان ضمن الإثنى عشرة عضو الذين مثّلوا إقليم برقة، و قد كان من المشهود لهم بالجدية و أن ذلك ليبدو من دعوته إلى تدوين قائمة الأعضاء بمراعاة الحروف الهجائية بحيث تؤخذ الأصوات بعيداً عن الهوية الإقليمية و يكون عضو الجمعية ممثلاً للشعب الليبي و ليس للولاية التي ينتمي إليها، و قد اشتهر بالبعد عن المُلاسنة و البحث عن المشترك و الدفاع عما يريد دائماً بالحكمة، و قد شارك في أكثر من وفد مثّلَ الجمعية و تصدى لبعض الأطراف التي حاولت التأثير على الجمعية عند بحث بعض الأمور الجوهرية كمسألة الإمارة التي حاول بعض الأطراف عرقلتها على أكثر من صعيد، فكان لما حرص عليه من قوة التنسيق مع السيد عمر شنيب قوي الأثر في إحباط عديد العراقيل، و قد شارك القلال في أهم لجان المجلس ابتداءً من لجنة الرد على خطاب العرش التي تختص عادة بالتركيز على ما ترى أهميته من سياسات البلاد سواء من مدخل الإشادة بما حمل الخطاب أو ما ينبغي التنبيه إليه من السياسات بما في ذلك ما تقدم عليه الحكومة أحياناً من إصدار ما تراه مستعجلاً من الأمور بما يطلق عليه المرسوم بقانون حين تكون جلسات المجلس مرفوعة و يُراد للمستعجل أن يُنَفّذ ثم يُعرَض في أول دورة انعقاد، فلم يُعرَف عنه غير الموضوعية و الحرص على إعطاء النيابة ما هي في حاجة إليه من الهيبة و الظهور بمظهر الإستقلال تجاه السلطة التنفيذية و حتى الحاشية الملكية و إذا كان ليس من طبيعة هذه المقاربة الإمعان في التفصيل فلا حرج من إيراد بعض الشواهد الدالة، و لعل قانون الطرق الإتحادية الذي طُرِحَ يومئذ بالمجلس و ذلك بعد عرضه على اللجنة التشريعية التي كان هذا النائب مقررها فيما أُنيطت رئاستها بالشيخ القلهود و سعت بعض الأطراف إلى إعطاء الأفضلية فيها للطريق الغربية أي التي تربط غرب فزان بغرب طرابلس دونما اعتبار لبرقة، بل و شرق طرابلس و وسطها و التي سلّمت بجدواها و بالأحرى أفضليتها معضم إن لم نقل كل السُلط التي حكمت البلاد و التي كان أخرها الإستعمار الإيطالي الذي أكمل رصفها بالحجارة و تركها جاهزة للأسفلت حين حالت دون ذلك الحرب، و كان المنطق أن يتم البدء من حيث وقف العمل لا أن تبدأ الدراسات من جديد أو أن يُتخذ من الحديث عن الدراسات المنتظرة ذريعة لإخفاء الهدف اللاوطني حيث سينتج عن هذا التوجه تقطيع أوصال البلاد كما عبّرَ هذا النائب، و الغريب أن يأتي مثل هذا التوجه و إذا بها تتخذ ذلك الموقف الذي لم يفلت من حسن دراية القلال فتكلم فيه أولاً بالإسهاب المفيد ثم عاد مرة أخرى فصحح مفهوم الأغلبية الذي لم يكن يزيد عن النسبة المطلقة و ليس الثلثين كما حاول البعض أن يسوقوا و هم يوجهون حجج زملائهم من أمثال السنوسي حمادي و طاهر العالم و حسين الفقيه و مصطفى المنتصر و نور الدين بن قطنش، مما جعل من إعادة القانون إلى المجلس من قبل الديوان الملكي حجة لأنصار طريق القداحية ذي الشهرة التاريخية خطوة نحو التصحيح، لقد كانت الدورة دورة القوانين، و القوانين المُنظِّمة لشئون الدولة و دوائرها كتملّك الأجانب و تنقلهم بالبلاد و إقامتهم و محاسبتهم على أي إخلال بالنظام يصدر عنهم، و على ذات الوتيرة كان موقفه من قانون الإحصاء و الطيران عندما عُرِضا من الحكومة بعد دراسة لم تحمل ما يُخلّ بالميزانية فرأينا الرجل لا يتحرّج من الدعوة إلى الإسراع بإقرارها من طرف المجلس كي لا تتحول الموافقة إلى نوع من فتح أبواب العرقلة و ما ذلك إلا لما تهيأ له من الثقة بالنفس و الإيمان القوي بأن النقاش مهما طال و تشعب فلا بد أن يؤدي إلى النتيجة التي تفيد العمل و تنزهه من الانحراف الهدام، لقد اقتضت ظروف البلد يومئذ أن يكون من النواب الذين رؤيَّ اختيارهم لحمل حقائب الوزارات، و ما أن قبل ذلك حتى بادر بتقديم استقالته من الوزارة تاركاً الدائرة الانتخابية لغيره، و قد كان من حسن الحظ أن خلفه الأستاذ مصطفى بن عامر الذي فاز في الانتخابات التكميلية بالتزكية، أما عندما استشعر المرض العضال الذي فَرَضَ عليه ترك الوزارة ليصار إلى تمكينه من العمل خارج البلاد فيوضغ تحت الرعاية الطبية حيث الاستعداد أفضل و الخدمة أجود ليقضي ما كُتِبَ له من الأيام إلى أن أدركته المنية عليه رحمات الله و رضوانه.