الرئيسيةتقارير

الطموحات لا تـصنعها الأمنيات

إنّ‭ ‬الاستدلال‭ ‬بالأحداث‭ ‬الماضية‭ ‬ومنعطفاتها‭  ‬محطة‭ ‬معرفية‭  ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عندها‭ ‬الليبيون‭ ‬لسببين‭ ‬أولهما‭ ‬استلهام‭ ‬روح‭ ‬الأمل،‭ ‬وإدراك‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬أعمار‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬يستلزم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصبر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬المفهوم‭ ‬العبثي‭ ‬للانتظار؛‭  ‬فالتغيير‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيرًا‭ ‬مشروط‭ ‬بالوعي‭ ‬والعمل،‭ ‬والسبب‭ ‬الثاني‭ ‬محاولة‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬موضع‭ ‬القصور‭ ‬والاخفاق‭ ‬ومواجهتها‭ ‬والاعتراف‭ ‬بوجودها،‭ ‬وهنا‭ ‬علينا‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬المرآة‭  ‬لمعرفة‭ ‬المكاسب‭ ‬والخسائر،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الاجابة‭ ‬كيف‭ ‬ولما‭ ‬حدث‭ ‬ذلك؟‭!.‬

مسار‭ ‬الانقسام‭ ‬

رغم‭ ‬انتظار‭ ‬تجاوز‭ ‬العقد،‭ ‬بقيت‭ ‬أحلام‭ ‬الغد‭ ‬وثبة‭ ‬أمل‭ ‬لم‭ ‬تكتمل،‭ ‬لكن‭ ‬الأحلام‭ ‬لا‭ ‬تصنعها‭ ‬التمنيات،‭ ‬واكتمال‭ ‬الوثبة‭ ‬مرهون‭ ‬بمعطيات‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬لازلنا‭ ‬ننشدها،‭ ‬ربما‭ ‬تكونت‭ ‬ملامحها‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬ضمن‭ ‬فورات‭ ‬المخاض‭ ‬الليبي‭ ‬عبر‭ ‬مراحله‭ ‬السابقة‭ ‬لكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تلاشت‭ ‬بسبب‭ ‬الهزات‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬المشهد‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وبقيت‭ ‬تلك‭ ‬المحطات‭ ‬كفرص‭ ‬ضائعة‭ ‬وجب‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬خلفياتها‭ ‬ومسببات‭ ‬التفريط‭  .‬

تكفل‭ ‬الاعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬الصادر‭ ‬سنة2011‭ ‬بوضع‭ ‬تصور‭ ‬لجملة‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لسيرة‭ ‬عمل‭  ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬آنذاك‭ ‬كما‭ ‬تضمنت‭ ‬بنوده‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والصحية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمواطن،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬ظل‭ ‬كحالة‭ ‬مؤقته‭ ‬كما‭ ‬باقي‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬وسنتعرف‭ ‬على‭ ‬كم‭ ‬الحقوق‭ ‬الغائبة‭ ‬الآن‭ ‬بسبب‭ ‬الانقسام‭ ‬والحروب‭ ‬والفوضى‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬انتقينا‭ ‬بعض‭ ‬بنوده،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬مادته‭ ‬الرابعة‭ ‬‭)‬تعمـل‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬سيـاسي‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬التَّعددية‭ ‬السِّياسية‭ ‬والحـزبية،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬التداول‭(‬،‭ ‬للأسف‭ ‬اجهضت‭ ‬العملية‭ ‬السياسية،‭ ‬ولم‭ ‬يتحقق‭ ‬التداول‭ ‬السلمي‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬؟‭!‬‭. ‬

انتخب‭ ‬الليبيون‭ ‬في‭ ‬2012‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬بعد‭ ‬توقف‭ ‬انتخابي‭ ‬امتد‭ ‬لأربعة‭ ‬عقود‭ ‬،‭ ‬انتج‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬من‭ ‬24‭ ‬وزيرًا‭ ‬برئاسة‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬الكيب‭ ‬كأول‭ ‬حكومة‭ ‬منتخبة‭ ‬بعد‭ ‬2011،‭ ‬وجدتْ‭ ‬حكومة‭ ‬الكيب‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬جسام،‭ ‬كانتشار‭ ‬السلاح،‭ ‬وبنية‭ ‬الجيش‭ ‬المفكَّكة،‭ ‬وتضرر‭ ‬عديد‭ ‬القطاعات‭ ‬بسبب‭ ‬الاشتباكات،‭ ‬أيضًا‭ ‬المقار‭ ‬الحكومية‭ ‬كانت‭ ‬مشغولة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬أيضًا‭ ‬هناك‭ ‬مفهوم‭ ‬غائب‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ووعيه‭ ‬بإعطاء‭ ‬الفرصة‭ ‬للسلطة‭ ‬لإنجاز‭ ‬مستحقات‭ ‬المرحلة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلهف‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬جني‭ ‬ثمار‭ ‬التغيير‭ ‬سبقت‭ ‬التغيير‭ ‬بمراحل‭  ‬حيث‭ ‬غصت‭ ‬طرابلس‭ ‬العاصمة‭ ‬بالاعتصامات،‭ ‬بمبرر‭ ‬ودونه‭ ‬كل‭ ‬قطاع‭ ‬قذف‭ ‬بمشكلاته‭ ‬أمام‭ ‬الحكومة‭ ‬الوليدة‭ ‬وكأنها‭ ‬تملك‭ ‬المصباح‭ ‬السحري‭ .‬

تداخل‭ ‬الاختصاصات

في‭ ‬المقابل‭ ‬مضتْ‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬حاول‭ ‬امتصاص‭ ‬هذا‭ ‬الفوران،‭ ‬وعدَّدتْ‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬انجزته‭ ‬متخذة‭ ‬مسلك‭ ‬الحوار‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬د‭. ‬الكيب‮»‬‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬نهاية‭ ‬مهمتها‭ ‬بالخصوص‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬وتتأجل‭ ‬الانتخابات‭ ‬وندخل‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬مظلم‭.‬

وأضاف‭ ‬الكيب‭ : ‬إن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬حكومته‭ ‬هي‭ ‬هبوط‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬السيولة‭ ‬المالية‭ ‬الكافية‭ ‬لتغطية‭ ‬نفقاتها،‭ ‬كذلك‭ ‬تداخل‭ ‬الاختصاصات‭ ‬بين‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني،‭ ‬والحكومة‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬أدائها‭ ‬وقلَّل‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬حلحلتها‭ ‬لعديد‭ ‬المشكلات‭.‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬رأى‭ ‬الكيب‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬حققت‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬مجال‭  ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والصحة‭ ..‬الخ‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬انتقاد‭ ‬المواطن‭ ‬لأداء‭ ‬الحكومة‭ ‬والنهاية‭ ‬متروكة‭ ‬لشهادة‭ ‬التاريخ‭ ‬عن‭ ‬الاخفاق‭ ‬والنجاح‭ .‬

إلى‭ ‬ذلك‭ ‬تسلمتْ‭ ‬حكومة‭ ‬علي‭ ‬زيدان‭ ‬تركة‭ ‬حكومة‭ ‬الكيب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أكتوبر‭ ‬2012‭ ‬لمدة‭ ‬سنتين‭ ‬وفي‭ ‬منظورها‭ ‬أيضًا‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬عجزتْ‭ ‬عنه‭ ‬سابقتها،‭ ‬لكن‭ ‬سخونة‭  ‬الفرن‭ ‬الليبي‭ ‬لم‭ ‬تدع‭ ‬الرياح‭ ‬تأتي‭ ‬بما‭ ‬تشتهي‭ ‬السفن،‭ ‬أولى‭ ‬هذه‭ ‬المعضلات‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬العزل‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬2013‭ ‬والذي‭ ‬يضبط‭ ‬الوظائف‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬مناصب‭ ‬قيادية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬توليها‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬لمدة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬فهو‭ ‬يضع‭ ‬بين‭ ‬قوسيه‭ ‬أعلى‭ ‬منصب‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بمدير‭ ‬إدارة‭ ‬وطال‭ ‬القانون‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬الاعتبار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬منهم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬علي‭ ‬زيدان،‭ ‬ومحمود‭ ‬جبريل،‭ ‬ورئيس‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬محمد‭ ‬المقريف‭.‬

انتقد‭ ‬عديد‭ ‬النشطاء‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬السياسي‭ ‬وحتى‭ ‬مندوبية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬طارق‭ ‬متري‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬لكونه‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الكوادر‭ ‬الجيدة‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬الوسطى‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ ‬استبعادًا‭ ‬مجحفًا‭ ‬في‭ ‬حقها،‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬والبلاد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬العبور‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬إلى‭ ‬النظام،‭ ‬وهي‭ ‬تتطلب‭ ‬حشد‭ ‬كل‭ ‬المهارات‭ ‬الممكنة‭ ‬لتقوية‭ ‬مركز‭ ‬الإدارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الحيوية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المطالبات‭ ‬ذهبتْ‭ ‬ادراج‭ ‬الرياح،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬صوَّتَ‭ ‬البرلمان‭ ‬بتعليق‭ ‬العمل‭ ‬بهذا‭ ‬القانون‭ ‬حتى‭ ‬إصدار‭ ‬دستور‭ ‬دائم‭. 

في‭ ‬تتابع‭ ‬لمسلسل‭ ‬الارباك‭ ‬الليبي  ‬ألقتْ‭ ‬أزمة‭ ‬إغلاق‭ ‬الموانئ‭ ‬النفطية‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬حكومته،‭ ‬وتطايرت‭ ‬تهم‭ ‬الفساد‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬اضافة‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬حتى‭ ‬انتهى‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬اختطافه‭  ‬ثم‭ ‬مغادرته‭ ‬ليبيا،‭ ‬وكان«المؤتمر‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬قد‭ ‬حجبَ‭ ‬الثقة‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬علي‭ ‬زيدان‭ ‬بـ‭)‬124‭( ‬صوتًا،‭ ‬وتكليف‭ ‬وزير‭ ‬دفاعه‭ ‬عبدالله‭ ‬الثني‭ ‬بتسيير‭ ‬الأعمال‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوعين،‭ ‬ونفى‭ ‬زيدان‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬تصريح‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬قانونية‭ ‬سحب‭ ‬الثقة‭ ‬كذلك‭ ‬تكذيب‭ ‬تهم‭ ‬الفساد‭ ‬على‭ ‬حكومته‭ .‬

لا‭ ‬تفوتنا‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زيدان‭ ‬يباشر‭ ‬عمله‭ ‬من‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬جسمين‭ ‬سياسيين‭ ‬‮«‬البرلمان»في‭ ‬الشرق،‭ ‬و«المؤتمر‭ ‬الوطني‮»‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حدث‭ ‬شرخٌ‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الانتقال‭ ‬السلمي‭ ‬للسلطة‭ .‬

تذويب‭ ‬الجليد‭ ‬

الحديث‭ ‬عن‭ ‬سلسلة‭ ‬الانتقالات‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬للحكومات‭ ‬بشكل‭ ‬مختزل‭ ‬يبقى‭ ‬مجرد‭ ‬إشارة‭ ‬لقمة‭ ‬جبل‭ ‬الجليد،‭ ‬ففي‭ ‬11‭ ‬مارس‭ ‬2014‭ ‬أدى‭  ‬عبدالله‭ ‬الثني‭ ‬وزير‭ ‬دفاع‭ ‬حكومة‭ ‬علي‭ ‬زيدان‭ ‬اليمين‭ ‬القانونية‭  ‬رئيساً‭ ‬مؤقتاً‭ ‬لحين‭ ‬انتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬دائم‭ ‬وذلك‭ ‬خلفًا‭ ‬لعلي‭ ‬زيدان‭ ‬الذي‭ ‬سُحبتْ‭ ‬منه‭ ‬الثقة،‭ ‬وفي‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬ذاته‭ ‬تم‭  ‬تجديد‭ ‬ولاية‭ ‬الثني‭ ‬بتصويت‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬طبرق‭ ‬وتكليفه‭ ‬بتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حدثت‭ ‬اشتباكات‭ ‬مسلحة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬صاعدت‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬مجلس‭ ‬الدولة،‭ ‬والبرلمان‭.‬

ومن‭ ‬ضمن‭ ‬فترة‭ ‬ولاية‭ ‬الثني‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬تكوين‭ ‬حكومة‭ ‬موازية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬برئاسة‭ ‬عمر‭ ‬الحاسي،‭ ‬لتدخل‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬آخر‭ ‬وممر‭ ‬مظلم‭  ‬اسمه‭ ‬‮«‬الحكومات‭ ‬الموازية‮»‬‭ .‬

بذل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬جهودًا‭ ‬لرأب‭ ‬الصدع‭ ‬بين‭ ‬الاخوة،‭ ‬وجرت‭ ‬مفاوضات‭ ‬عديدة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬تمخض‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬في‭ ‬17ديسمبر‭ ‬2015‭ ‬على‭ ‬خلفية‭  ‬اتفاق‭ ‬الاطراف‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الصخيرات‭ ‬بالمغرب،‭ ‬لكن‭ ‬عثرات‭ ‬الماضي‭ ‬ظلت‭ ‬كابوسًًا‭ ‬يؤرق‭ ‬الجميع‭ ‬مضاف‭ ‬إليها‭ ‬وباء‭ ‬آخر‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭.‬

على‭ ‬خلفية‭ ‬احتدام‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية،‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬تمدد‭ ‬الظلام‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬الجميع،‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬الفراغ؛‭ ‬حيث‭ ‬سيطر‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭)‬داعش‭( ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬سرت‭ ‬اضافة‭ ‬إلى‭ ‬درنة‭ ‬وبنغازي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مقاومته‭ ‬في‭ ‬سرت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬البنيان‭ ‬المرصوص‮»‬‭ ‬أدت‭ ‬الى‭ ‬هزيمته‭ ‬واجتثاثه‭ ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬كذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬درنة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قوات‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية،‭ ‬وتواصل‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬محاولات‭ ‬تذويب‭ ‬الجليد‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع،‭ ‬واختيرتْ‭ ‬غدامس‭ ‬مكاناً‭ ‬لانعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي‭ ‬الجامع‭ ‬2019،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬قوض‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بالحرب‭ ‬على‭ ‬العاصمة،‭ ‬وكانت‭ ‬العودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر،‭ ‬حيث‭ ‬تجددت‭ ‬الجهود‭ ‬الأممية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لتقليص‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬حتى‭ ‬كانت‭ ‬حكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬برئاسة‭ ‬السيد‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الدبيبة،‭ ‬والتي‭ ‬ارتأت‭ ‬كسر‭ ‬حاجز‭ ‬الجمود‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬افقياً‭ ‬والاشتغال‭ ‬على‭ ‬مشروعات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: )‬عودة‭ ‬الحياة‭( .‬

الليبيون‭ ‬وهم‭ ‬يستذكرون‭ ‬عنفوان‭ ‬المراحل‭ ‬منذ‭ ‬بداياتها‭ ‬ينتظرون‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬خيط‭ ‬أمل‭ ‬قد‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الافق‭ ‬البعيد،‭ ‬وليقينهم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدوامة‭ ‬من‭ ‬الازمات‭ ‬ستزول‭ ‬وتبقى‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬العنوان‭  ‬الجامع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الحروب،‭ ‬والصراعات‭ ‬تنتهي‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يستشعر‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬خطرًا‭ ‬يتهدَّد‭ ‬الآخر،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جوهر‭ ‬البصيرة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬الروائي‭ ‬‮«‬روجيه‭ ‬ساراماجو‮»‬‭ ‬في‭ ‬روايته‭ :‬

‭)‬البصيرة‭(‬،‭ ‬وقصد‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحلول‭ ‬وفهم‭ ‬الازمات‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬اليقين‭ ‬الداخلي‭ ‬للإنسان‭ ‬رغم‭ ‬صراع‭ ‬وتطاحن‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬واليسار‭ ‬والوسط،‭ ‬وكذا‭ ‬النَّاس‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المتخيلة‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬إلا‭ ‬نداء‭ ‬العقل‭ ‬لحلحلة‭ ‬أزمتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬التمثال‭ ‬الذي‭ ‬جسد‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬وهو‭ ‬سيدة‭ ‬تمسك‭ ‬بدورق‭ ‬والذي‭ ‬يفترض‭ ‬خروج‭ ‬الماء‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اهمال‭ ‬الحديقة،‭ ‬وبقيتْ‭ ‬السيدة‭ ‬ودورقها‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الماء‭ ‬كرمز‭ ‬لانتظار‭ ‬الحياة،‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬على‭ ‬سيدة‭ ‬جميلة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬ليبيا‮»‬‭ ‬انتظار‭ ‬مياه‭ ‬الاستقرار‭ ‬التي‭ ‬ستأتي‭ ‬يومًا‭ ‬رغم‭ ‬الألم،‭ ‬ومرارة‭ ‬الثبات‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى