
في غرفة إسعاف ضيقة بمستشفى طرابلس المركزي، دخلتْ شابة إفريقية وهي تتأوه من ألم المخاض.. كانت شاحبة، مرهقة، تتصبّب عرقًا، وتحمل بين يديها كيسًا بلاستيكيًا فيه قطعة قماش، وبطاقة متهالكة لا يُعرف إنّ كانت تخصها.
سألتها الممرضة: «أين أوراقك؟»…
فأجابتْ بصوتٍ مكسور: «ما عنديش، بس ساعدوني.. راهو البيبي جاي..»
الارتباك ساد المكان. الطبيب المناوب تراجع خطوة إلى الوراء، ثم قال:
«لا نعرف حالتها الصحية، ولا سجلها الطبي، لا فحوصات، لا تحاليل .. نخشى من أمراض معدية )الإيدز، الوباء الكبدي( .. كل شيء ممكن.
صمت ساد الغرفة للحظة .. ثم تمتمت إحدى الممرضات: «هذه مش أول حالة .. لكن كل مرة أصعب من اللي قبلها».. هكذا، ولدتْ الطفلة على سرير من الخوف، والريبة، والغياب الكامل لأي ملف صحي، أو متابعة طبية.
كانتْ تلك الولادة ليستْ فقط فعلًا بيولوجيًا، بل مشهدًا صادمًا يعكس فوضى قانونية، وصمتًا إنسانيًا، وظاهرة تزداد اتساعًا في صمت العيون والضمائر.
بين الحاجة والمخاوف .. ردود فعل الشارع الليبي من ظاهرة انتشار العاملات الافريقيات كان لنا هذا التحقيق الذي تناول بعض الآراء المتنوعة تشمل كل شرائح المجتمع.
وفي شوراع أغلب المدن الليبية، وفي بعض البيوت، تنتشر العاملات المنزليات من جنسيات أفريقية وآسيوية يعملن دون أوراق قانونية.
لا يخفى على أحد أن هؤلاء النساء يدخلن البلاد عبر طرق غير شرعية، أو يتم تهريبهن للعمل مقابل أجور زهيدة .. بين ترحيب البعض ورفض آخرين، تباينتْ الآراء واختلفتْ المواقف.
سالم – صاحب محل
نشوف العاملات الأفريقيات يخدمن في البيوت من غير أوراق، وبعض النّاس يعاملوهن كأنهن ملكية خاصة… والله حرام، لكن البلاد فوضى وكل حد يدير اللي يبي.
آلاء أم لطفلين
أنا كنتُ نستعين بخادمة نيجيرية تساعدني، بصراحة كانتْ ممتازة، لكن خفتْ بعد ما سمعت عن سرقات وتسجيل حالات إصابات، فاضطريت نخلّيها. المشكلة موش فيهن، المشكلة إنه مفيش رقابة.
غفران – موظفة في مصلحة البيئة تقول:
لو الدولة تنظم وجودهن بالقانون، وتفحص صحتهن وتحدّد أماكن عملهن، نكون أول المؤيدين، أما الوضع الحالي فيه استغلال ومخاطرة.
الحاجة فاطمة تقول :
زمان ما كناش نحتاجوا لحد، اليوم حتى العائلات المتوسطة يبو خادمة، كل شيء تبدل، لكن كيف نرضوا بخدامة دون إقامة، ولا نعرف أصلها وفصلها؟.
مواطنة ليبية تقول:
زاروني أكثر من عاملة تشكي من أنها ما تنامش إلا 4 ساعات في اليوم، وتخدم من غير مقابل. فيه منهن تعرضن للعنف واغتصاب واحتجاز داخل البيوت. للأسف ما فيش قانون يحميهن.
ربة بيت تقول:
أنا مضطرة نستعين بعاملة نيجيرية، ما فيش ليبيات يخدمن، وهي تساعدني في تربية أولادي. حتى لو مش قانونية، من وين نجيب وحدة تشتغل بالأجر اللي نقدر عليه؟.
طبيبة نساء وتوليد – طرابلس
استقبلنا حالات لعاملات حوامل دون أوراق، بعضهن ضحايا اغتصاب، أو زواج عرفي، ولا يقدرن يشتكين. الأمر إنساني ومؤلم.
تقول ناشطة اجتماعية
العاملة غير الشرعية تشتغل دون تأمين، دون حقوق، وأحيانًا تتعرض للتحرش، أو احتجاز داخل البيوت… هذا غير إنساني.
غياب التنظيم الرسمي لوكالات تشغيل العاملات المنزلية.. ارتفاع الطلب المحلي بسبب عزوف النساء الليبيات عن العمل المنزلي.
ضعف الرقابة على الحدود، مما يجعل ليبيا بوابة عبور سهلة للوافدين.
استغلال الحاجة: تُجلب العاملات أحيانًا بوعود كاذبة ثم يُجبرن على العمل في ظروف صعبة.
الجانب التأثير اجتماعي تغير نمط الحياة، اختلاط ثقافي، ومخاوف أخلاقية، وأن عدم توفر أي حماية قانونية للعاملات، مما يجعلهن عرضة للعنف والتعسف.
عنصر أمني – جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية -:
نفتقر للإمكانات لرصد كل المخالفين، كثير من العاملات يدخلن بطرق غير قانونية، ثم يتوزعن داخل المدن.
ويقول محامٍ:
ما عندنا قانون واضح ينظم تشغيل العمالة المنزلية، وأغلب العقود شفوية، وهذا يفتح باب للاستغلال.
رأي منظمة حقوقية محلية:
العاملات غير الشرعيات يعشن في الخفاء، وأغلبهن لا يعرفن حقوقهن، وبعضهن يتعرضن للعنف دون إمكانية التبليغ.
لهذا يجب أن يكون هناك بعض النقاط نقف عندها وهي :
تنظيم رسمي لوكالات استقدام العاملات، مع رخص وتصاريح مراقَبة.
تقنين أوضاع العاملات الحاليّات بشكل إنساني يسمح بحمايتهن قانونيًا.
حملات توعوية لأرباب العمل بحقوق العاملات، وعواقب الاستغلال..تعزيز التنسيق الأمني والحدودي لمنع التهريب وتنظيم الدخول.
فهل آن الأوان لنخرج من العشوائية، وندخل باب التنظيم الإنساني والآمن؟!.
وفي الختام .. تعكس ردود الأفعال في الشارع الليبي صورًا متعدّدة الأوجه حول قضية العاملات غير الشرعيات؛ إذ يبرز التناقض بين الحاجة العملية التي يدفعها الواقع الاقتصادي والضغوط الاجتماعية من جهة، والمخاوف الأمنية والأخلاقية والإنسانية من جهة أخرى. وبينما يرى البعض أن تنظيم الوضع الرسمي قد يحل مشكلة الاستغلال ويحمي حقوق الجميع، فإن آخرين يعبّرون عن قلقهم من تأثير هذه الظاهرة على النسيج الاجتماعي والأمن العام.
إن الحل الحقيقي يكمن في وضع سياسات متوازنة تجمع بين حماية حقوق العاملات، ومنح الدولة القدرة على تنظيم هذا القطاع بشكل عادل وشفاف.