ثقافة

العلاقة بين فن الكوميكس والقصة القصيرة

سميرة البوزيدي

عزة كامل المقهور

اخذتني‭ ‬قدماي‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬منعطف‭ ‬قادني‭ ‬نحو‭ ‬زقاق‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬وسط‭ ‬لندن‭. ‬كان‭ ‬الجو‭ ‬منعشًا،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أمام‭ ‬متحف‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬متحف‭ ‬‮«‬الكارتون‮» ‬‭ ‬The Cartoon Museum‭ .‬

تبين‭ ‬ليَّ‭ ‬وأنا‭ ‬اعاين‭ ‬مدخل‭ ‬المتحف،‭ ‬أنه‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬السفلي،‭ ‬نزلتُ‭ ‬الدرجَ،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أمام‭ ‬مدخل‭ ‬قاعة‭ ‬واسعة‭ ‬مزينة‭ ‬بالشخصيات‭ ‬والصفحات‭ ‬الحائطية‭ ‬الملونة‭ ‬لفنون‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬والكارتون،‭ ‬والكومكس‭.‬

سددت‭ ‬الرسوم‭ ‬ودخلت‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬والألوان‭ ‬وتعابير‭ ‬الرسومات‭ ‬ذات‭ ‬الدلالات‭ ‬التاريخية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬بعض‭ ‬منها‭ ‬نبش‭ ‬ذاكرتي‭ ‬فعدتْ‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مجلدات‭ ‬‮«‬لولو‭ ‬وطبوش‮»‬،‭ ‬‮«‬الرجل‭ ‬الوطواط‮»‬،‭ ‬‮«‬استريكس‮»‬،‭ ‬‮«‬جوني‭ ‬لوك‮»‬،‮ «‬ميكي‮»‬،‭ ‬‮«‬سمير‮»‬،‭ ‬‮«‬باباي‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجلدات‭ ‬التي‭ ‬اهترأتْ‭ ‬بين‭ ‬أيادينا‭ ‬وكانت‭ ‬محفزًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬للقراءة‭ ‬والمطالعة‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بالألوان‭ ‬والرسومات‭ ‬والكتابة‭ ‬القصصية‭.‬

في‭ ‬المقدمة‭ ‬الحائطية‭ ‬للتعريف‭ ‬بالكارتون‭ ‬كُتِبَ‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ : )‬خُلِقَ‭ ‬الرسمُ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬الكتابة‭(. ‬وإنَّ‭ ‬رسومات‭ ‬الكهوف‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬30‭.‬000‭ ‬سنة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬التعريفية‭ ‬أنه‭ )‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬حرمان‭ ‬اسلافنا‭ ‬من‮ ‬‭ ‬روح‭ ‬الدعابة؟‭(‬‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نتخيل‭ ‬أن‭ ‬أسلافنا‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬روح‭ ‬الدُعابة‭ ‬والتندر‭ ‬‭!‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬فن‭ ‬الكارتون‭ ‬منذ‭ ‬نشأته‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬هو‮ ‬‭ ‬أنه‮ ‬‭ )‬يُلاحظ،‮ ‬‭ ‬يُعلن،‭ ‬يُوزع،‭ ‬يُقاطع،‭ ‬يُمتع،‭ ‬يُهاجم،‭ ‬ويخلق‭ ‬المرح‭(.‬

أما‭ ‬فن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬Comics‭ ‬فقد‭ ‬نشأ‭ ‬بشكل‭ ‬متدرج‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وبدأ‭ ‬بقصص‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬رسومات‭ ‬عليها‭ ‬خطاب،‭ ‬أو‭ ‬حوار،‭ ‬أو‭ ‬جمل‭ ‬محكية‭.‬

ولعل‭ ‬مثال‭ ‬سلسلة‭ ‬Beano‭ ‬البريطانية‭ ‬الشهيرة‭ ‬كان‭ ‬ميلادها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1938‭ ‬وماتزال‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬ولفن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬مرتاديه‭ ‬ومعجبيه‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القراء‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بهذا‭ ‬الفن،‭ ‬والأهم‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬رساميه‭ ‬الذين‭ ‬يتبارون‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ويؤرخون‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭.‬

ما‭ ‬علاقة‭ ‬فن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬بالقصة‭ ‬القصيرة؟‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬أول‭ ‬خيط‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬كليهما‭ ‬‮«‬حدوثة‮»‬،‭ ‬وأنهما‭ ‬يعتمدان‭ ‬على‭ ‬الاختزال،‭ ‬فمهما‭ ‬كان‭ ‬فن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬متعدَّد‭ ‬الصفحات،‭ ‬فإنّ‭ ‬الحوار‭ ‬فيه‭ ‬مقل‭. ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬تحفز‭ ‬خيال‭ ‬القاريء‭ ‬بينما‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬يمتع‭ ‬نظر‭ ‬القاريء‭ ‬وتخلب‭ ‬لبّه‭ ‬الرسومات‭ ‬وتعابير‭ ‬الوجوه‭ ‬على‭ ‬الصفحات‭.‬

من‭ ‬يبدأ‭ ‬القصة،‭ ‬كاتبها،‭ ‬أم‭ ‬الرسام،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬يستوحي‭ ‬الرسامُ‭ ‬من‭ ‬القصة‭ ‬رسوماته‭ ‬ثم‭ ‬يحقنها‭ ‬بجرعات‭ ‬من‭ ‬الحوار،‭ ‬أو‭ ‬الوصف،‭. ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الرسامَ‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬دوره‭ ‬على‭ ‬الرسم،‭ ‬لكنه‭ ‬يتجرع‭ ‬القصة‭ ‬جيدًا‭ ‬ثم‭ ‬يجتزأ‭ ‬أحداثها‭ ‬المهمة‭ ‬ويستلمها‭ ‬بسلاسة‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬القاريء‭ ‬كاملة‭ ‬مكتملة‭.‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرسامُ‭ ‬صاحب‭ ‬فكرة‭ ‬القصة‭ ‬بالأساس‭ ‬ثم‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬لوحات‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الحالتين‭ ‬يكون‭ ‬الظاهر‭ ‬طغيان‭ ‬اللوحة‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬جمل‭ ‬القصة‭ ‬مكملة‭ ‬لها،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬للأفكار‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬اللوحة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تشكلت‭ ‬كتابةً،‭ ‬ثم‭ ‬ترجمتْ‭ ‬إلى‭ ‬رسومات‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬فإن‭ ‬فن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬يبين‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالًا‭ ‬للشك‭ ‬مدى‭ ‬تداخل،‭ ‬وتشابك‭ ‬بل‭ ‬تعقد‭ ‬الفنون‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬وأن‭ ‬فن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬شديد‭ ‬الاتصال‭ ‬بالقصة‭ ‬القصيرة‭.‬

شهدت‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬متأخرة‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بفن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬،‭ ‬وهناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬يعتنون‭ ‬بهذا‭ ‬الفن‭ ‬الجميل،‭ ‬يبذلون‭ ‬جهدًا‭ ‬بالغًا‭ ‬لنشره‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬بعيدًا‭ ‬عنه‭. ‬إن‭ ‬فن‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬المتعة‭ ‬ونثر‭ ‬المرح‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى