رأي

الفراشية

نجاح مصدق

في‭ ‬احدى‭ ‬صباحات‭ ‬ينايرصادفتها‭ ‬،امام‭ ‬الصيدلية‭ ‬الواقعة‭ ‬بمحاذاة‭ ‬جسر‭ ‬حديقة‭ ‬الحيوان،‭ ‬‮ ‬كانت‭ ‬تمشي‭ ‬الهوينة،‭ ‬تتلحف‭ ‬السنين‭ ‬وملامح‭ ‬الوقار‭ ‬والصبر‭ ‬تتخلل‭ ‬عروقها‭ ‬،وتجاعيد‭ ‬وجهها‭ ‬و‭ ‬يديها‭ ‬،تبحث‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬الادوية‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬ضائع‭ ‬او‭ ‬خيل‭ ‬لها‭ ‬فقدانه،‭ ‬تتلمس‭ ‬العلب‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬تتفقد‭ ‬الاغراض‭ ‬وملابسها‭ .‬

بلا‭ ‬اي‭ ‬مقدمات‭ ‬التقطتها‭ ‬عيناي‭ ‬‮ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬اختزلت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬واحبتها‭ ‬حد‭ ‬اللهفة،‭ ‬الملامح‭ ‬والخطوات‭ ‬والفراشية‭ ‬ناصعة‭ ‬البياض‭ ‬رغم‭ ‬وساخة‭ ‬الطرقات‭ ‬ورذاذ‭ ‬السيارات‭ ‬والقدم‭ ‬كانت‭ ‬لافتة‭ ‬كنبراس‭ ‬مضيء‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬العتمة‭ ‬،تسمرت‭ ‬امام‭ ‬حيرتها‭ ‬اتابع‭ ‬كل‭ ‬حركة‭ ‬وكلمة‭ ‬تقولها‭ ‬لنفسها‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬بحتها‭ ‬المتواصل،‭ ‬رائحتها‭ ‬الطاغية‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬خليط‭ ‬ممزوج‭ ‬من‭ ‬العود‭ ‬والبخور‭ ‬والقرنفل‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬هز‭ ‬ذاكرتي‭ ‬الحسية‭ ‬وأتى‭ ‬بالسخاب‭ ‬والوشقة‭ ‬وصباحات‭ ‬مضت‭ ‬كنت‭ ‬احبها‭ ‬مع‭ ‬براد‭ ‬الشاي‭ ‬على‭ ‬الكانون‭ ‬وامي‭ ‬وهي‭ ‬تناديني‭.‬

وفي‭ ‬لحظة‭ ‬جاءني‭ ‬صوتها‭ ‬المحمل‭ ‬برسائل‭ ‬لي

يا‭ ‬بنيتي‭ : ‬ورحمة‭ ‬ولديك‭ ‬تربحي‭ ‬تشوفيلي‭ ‬مفتاحي‭ ‬بالك‭ ‬طاح‭ ‬في‭ ‬الصيدلية‭.‬

لم‭ ‬تكمل‭ ‬طلبها‭ ‬وجمل‭ ‬الدعوات‭ ‬الا‭ ‬وجدتني‭ ‬اهرول‭ ‬‮ ‬ابحث‭ ‬حولها‭ ‬وفي‭ ‬اغراضها‭ ‬عن‭ ‬المفتاح،‭ ‬دخلت‭ ‬الصيدلية‭ ‬‮ ‬وبعد‭ ‬محاولة‭ ‬عسيرة‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الفتاة‭ ‬الانيقة‭ ‬ذاخلها‭ ‬؛التي‭ ‬كانت‭ ‬منهمكة‭ ‬بشكل‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬الزبائن،‭ ‬اجابتني‭ ‬بكل‭ ‬برود

‭:‬لا‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬شفتش‭ ‬حاجة‭ ‬واهي‭ ‬الصيدلية‭ ‬قدامك‭ ‬شوفي

بعد‭ ‬بحث‭ ‬دقيق‭ ‬خرجت‭ ‬مسرعة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬اضيعها‭ ‬‮ ‬وتذهب‭ ‬بعيدا

خالتي‭:‬سامحيني‭ ‬مافيش‭ ‬في‭ ‬الصيدلية

ملامح‭ ‬وجهها‭ ‬والحوسة‭ ‬الجلية‭ ‬في‭ ‬حركتها‭ ‬وعينيها‭ ‬الممتلئة‭ ‬بالاسىلة‭ ‬اجابت‭ ‬بلسان‭ ‬مستسلم‭ ‬؛

الله‭ ‬غالب‭ ‬الباين‭ ‬ريحته‭.‬

لا‭ ‬اعلم‭ ‬مالذي‭ ‬انار‭ ‬عقلي‭ ‬لحظتها‭ ‬لا‭ ‬قول‭ ‬لها‭ ‬ممازحة‭ ‬يا‭ ‬خالتي

‭:‬بالك‭ ‬في‭ ‬شلامتك‭ ‬في‭ ‬عقدة‭ ‬الردي‭ ‬غير‭ ‬شوفي،‭ ‬وقفت‭ ‬وناولتني‭ ‬كيس‭ ‬الادوية‭ ‬وتركت‭ ‬اطراف‭ ‬الفراشية‭ ‬بحذر‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬وصدرها‭ ‬قائلة‭ :‬وينه‭ ‬اهو‭ ‬شوفي‭ ‬معاي

ولم‭ ‬تمضي‭ ‬لحظات‭ ‬بعد‭ ‬بحث‭ ‬مكنني‭ ‬من‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬ابتسمت‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬‮ ‬

‭:‬والله‭ ‬حق‭ ‬لقيته‭ .‬

فرحتها‭ ‬وابتسامتها‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬مكافأة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬فوجئت‭ ‬بها‭ ‬وتركت‭ ‬داخلي‭ ‬وقعا‭ ‬جميلا‭ ‬بلا‭ ‬حد

بعد‭ ‬ملاطفة‭ ‬وتبادل‭ ‬اطراف‭ ‬الحديث‭ ‬عرضت‭ ‬ان‭ ‬اوصلها‭ ‬للمنزل‭ ‬لتجيبني‭ ‬بان‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬الزنقة‭ ‬ليس‭ ‬بعيدا،

تمنيت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬ان‭ ‬ترافقني‭ ‬واحظى‭ ‬بالحديث‭ ‬معها‭ ‬مطولا‭ ‬والشبع‭ ‬من‭ ‬رائحتها‭ ‬المميزة‭ ‬والظفر‭ ‬بايصالها‭ ‬وكسب‭ ‬دعوات‭ ‬لاترد‭ ‬على‭ ‬ابواب‭ ‬السماء‭.‬

قبل‭ ‬ان‭ ‬تغادر‭ ‬دعتني‭ ‬بكل‭ ‬اصالة‭ ‬مفتقدة‭ ‬لبيتها

‭:‬هي‭ ‬انت‭ ‬تفضلي‭ ‬معاي‭ ‬واشربي‭ ‬طاسة‭ ‬شاهي‭ ‬عالة‭ ‬قاعدة‭ ‬منصوبة‭ ‬وسط‭ ‬الحوش‭ ‬تستنى‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬يشاركني‭ ‬فيها‭.‬

شكرتها‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬وغادرت‭ ‬هي‭ ‬وعدت‭ ‬انا‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التفاصيل‭ ‬والملامح‭ ‬والفراشية‭ ‬ووجه‭ ‬امي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى