الرئيسيةتقارير

الفضاء الإكتروني ..من نعمة إلى نقمة.. وساحة .. مفتوحة للجريمة

منى الساحلى

​تشهد‭ ‬ليبيا،‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬تزايدًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬جديدة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تنامي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭. ‬وتُعد‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم،‭ ‬بطبيعتها‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬والمتطورة،‭ ‬تهديدًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تشريعية‭ ‬وتنفيذية‭ ‬قوية‭ ‬لحماية‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭.‬

و‭ ‬​تُعرَّف‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بأنها‭ ‬أي‭ ‬فعل‭ ‬غير‭ ‬مشروع‭ ‬يُرتكب‭ ‬باستخدام‭ ‬نظام‭ ‬معلوماتي،‭ ‬أو‭ ‬شبكة‭ ‬حاسوب،‭ ‬أو‭ ‬جهاز‭ ‬إلكتروني،‭ ‬أو‭ ‬يستهدف‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬والأجهزة‭. ‬تشمل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬طيفًا‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬مثل‭ ‬الاحتيال‭ ‬المالي،‭ ‬وسرقة‭ ‬البيانات،‭ ‬واختراق‭ ‬الأنظمة،‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية،‭ ‬ونشر‭ ‬المحتوى‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭.‬​أما‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬فهو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬والعمليات‭ ‬والممارسات‭ ‬المصممة‭ ‬لحماية‭ ‬الشبكات‭ ‬والأجهزة‭ ‬والبرامج‭ ‬والبيانات‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬أو‭ ‬التلف‭ ‬أو‭ ‬الوصول‭ ‬غير‭ ‬المصرح‭ ‬به‭ ‬فالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬بذاك‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬التهديد‭ ‬والاستجابة؛‭ ‬فالأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول‭ ‬والأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬ضد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭.‬كما‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬يعني‭ ‬ضعفاً‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭: ‬كلما‭ ‬تعزّز‭ ‬أمن‭ ‬المعلومات‭ ‬والبُنى‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية،‭ ‬قلت‭ ‬إمكانية‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أو‭ ‬قلّت‭ ‬آثارها‭. ‬لذلك‭ ‬الدول‭ ‬والمؤسسات‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬أنظمة‭ ‬أمنية،‭ ‬وتدريب‭ ‬العاملين،‭ ‬وتوعية‭ ‬المستخدمين،‭ ‬ووضع‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬مرتكبي‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬يتحمّلون‭ ‬المسؤولية‭.‬

و​في‭ ‬ليبيا،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أمن‭ ‬سيبراني‭ ‬فعال‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬صارم‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭.‬

​والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬يجرم‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬ليبيا؟

نعم،‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬قانون‭ ‬متخصص‭ ‬يجرم‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وهو‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬‮«‬5‮»‬‭ ‬لسنة‭ ‬2022‭ ‬بشأن‭ ‬مكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بتاريخ‭ ‬27‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022‭.‬

​لقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬لسد‭ ‬الفراغ‭ ‬التشريعي‭ ‬وتوفير‭ ‬أداة‭ ‬قانونية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الأفعال‭ ‬الإجرامية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬باستخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬الرقمية‭. ‬ويتضمن‭ ‬القانون‭ ‬نصوصًا‭ ‬تجرم‭ ‬أفعالاً‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭:‬

التعدي‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬والبيانات‭: ‬مثل‭ ‬الدخول‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬لنظام‭ ‬معلوماتي،‭ ‬وإلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬المادي‭ ‬بالبيانات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإدخال‭ ‬أو‭ ‬التبديل‭ ‬أو‭ ‬المحو‭ ‬أو‭ ‬التدمير‭.‬

​الجرائم‭ ‬المالية‭: ‬مثل‭ ‬تقليد‭ ‬واستعمال‭ ‬البطاقات‭ ‬المصرفية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المسروقة‭ ‬أو‭ ‬المقلدة‭.‬

​جرائم‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭: ‬كالاعتداء‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬المؤلف‭ ‬بوسيلة‭ ‬إلكترونية‭.‬

​جرائم‭ ‬تهديد‭ ‬الأمن‭ ‬والسلامة‭ ‬العامة‭: ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬تعاقب‭ ‬بالسجن‭ ‬والغرامة‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬معلومات‭ ‬تهدد‭ ‬الأمن‭ ‬والسلامة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬المعلومات‭ ‬الدولية‭.‬

​وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬أهمية‭ ‬إصدار‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬فقد‭ ‬واجه‭ ‬انتقادات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬التي‭ ‬رأت‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬مواده‭ ‬تتضمن‭ ‬مصطلحات‭ ‬‮«‬فضفاضة‮»‬‭ ‬و‮«‬غير‭ ‬دقيقة‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تسمح‭ ‬بتقييد‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والرأي‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬المواد‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتهديد‭ ‬للأمن‭ ‬العام‭ ‬وحجب‭ ‬المواقع‭ ‬والمحتوى‭.‬

و​تُعد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬خطيرة‭ ‬ومتطورة‭ ‬باستمرار،‭ ‬وتتزايد‭ ‬مخاطرها‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬استخدام‭ ‬الإنترنت‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬الرقمية‭. ‬وتتجلى‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أبعاد‭ ‬منها‭ ‬​اضرار‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬تتعلق‭ ‬بجرائم‭ ‬الاحتيال‭ ‬المالي،‭ ‬وسرقة‭ ‬البيانات‭ ‬المصرفية،‭ ‬وتزوير‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬مما‭ ‬يتسبب‭ ‬بخسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬للأفراد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية،‭ ‬ويؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬التعاملات‭ ‬الإلكترونية‭.‬

وتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬حيث‭ ‬يستهدف‭ ‬المجرمون‭ ‬والجهات‭ ‬المعادية‭ ‬أنظمة‭ ‬الدولة‭ ‬الحيوية،‭ ‬مثل‭ ‬شبكات‭ ‬الطاقة،‭ ‬الاتصالات،‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬بيانات‭ ‬الوزارات،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للبلاد‭. ‬القانون‭ ‬الليبي‭ ‬شدد‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬الجرائم‭ ‬الماسة‭ ‬بأمن‭ ‬الدولة‭ ‬القومي‭ ‬والسلامة‭ ‬العامة‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬​التهديدات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وهى‭ ‬الاخطر‭ ‬فتتعلق‭ ‬بتزايد‭ ‬قضايا‭ ‬الابتزاز‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬التحرش،‭ ‬التشهير،‭ ‬وسرقة‭ ‬الهوية،‭ ‬مما‭ ‬يترك‭ ‬أثرًا‭ ‬نفسيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬عميقًا‭ ‬على‭ ‬الضحايا،‭ ‬ويُفاقم‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حبث‭ ‬يتميز‭ ‬المجرمون‭ ‬الإلكترونيون‭ ‬بتطور‭ ‬أدواتهم‭ ‬وتقنياتهم‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬لمواكبة‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬عملية‭ ‬الكشف‭ ‬والملاحقة‭ ‬صعبة‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬غير‭ ‬المجهزة‭ ‬دائمًا‭ ‬بأحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬والخبرات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬الوعي‭ ‬الكافي‭ ‬بآليات‭ ‬الحماية‭ ‬السيبرانية‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬الذى‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر‭.‬

​‭ ‬فالقانون‭ ‬الليبي،‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬القوانين،‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬حق‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬وحماية‭ ‬المجتمع‭ ‬والمقدسات‭ ‬والأفراد‭ ‬من‭ ‬التعدي‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬ليست‭ ‬مطلقة،‭ ‬وتصبح‭ ‬جريمة‭ ‬إلكترونية‭ ‬إذا‭ ‬تجاوزت‭ ‬الحدود‭ ‬التالية‭:‬

​القذف‭ ‬والسب‭ ‬والتشهير‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬يتضمن‭ ‬قذفًا‭ ‬صريحًا‭ ‬أو‭ ‬سبًا‭ ‬أو‭ ‬تشهيرًا‭ ‬لشخص‭ ‬معين،‭ ‬فهذه‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ (‬قانون‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والقانون‭ ‬الجنائي‭ ‬العام‭).‬

​التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭: ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬بث‭ ‬إشاعة‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬معلومات‭ ‬تهدد‭ ‬الأمن‭ ‬والسلامة‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُستخدم‭ ‬لتجريم‭ ‬نشر‭ ‬محتوى‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

​الإساءة‭ ‬للآداب‭ ‬العامة‭ ‬والمقدسات‭: ‬القانون‭ ‬يجرم‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المقدسات‭ ‬أو‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية،‭ ‬وكذلك‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬المتعلقة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬العام‭ ‬والآداب‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُفسّر‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬لتشمل‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬‮«‬فاضحًا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬مخالفًا‭ ‬للقيم‭ ‬المجتمعية‭.‬

​الخطر‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭: ‬كما‭ ‬ذُكر‭ ‬سابقًا،‭ ‬يُخشى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الفضفاضة‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬2022،‭ ‬مثل‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬زعزعة‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره‭ ‬أو‭ ‬المساس‭ ‬بسلمه‭ ‬الاجتماعي‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬تُستخدم‭ ‬لتقييد‭ ‬النقد‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المشروع‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬محاربة‭ ‬‮«‬الرأي‭ ‬الفاضح‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الإشاعة‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬حدًا‭ ‬واسعًا‭ ‬جدًا‭ ‬أمام‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭.‬

​لذا،‭ ‬فإن‭ ‬الرأي‭ ‬‮«‬الفاضح‮»‬‭ ‬أو‭ ‬المسيء‭ ‬الذي‭ ‬يمس‭ ‬سمعة‭ ‬الأفراد،‭ ‬أو‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬أو‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬العام،‭ ‬يُعد‭ ‬جريمة‭ ‬إلكترونية‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الليبي‭.‬

من‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬له‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيه،‭ ‬ونشر‭ ‬أفكاره،‭ ‬ومشاركة‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬ضمن‭ ‬حدود‭ ‬القانون‭ ‬والآداب‭. ‬وهذا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭.‬

فمتى‭ ‬يُعدّ‭ ‬التعبير‭ ‬الحر‭ ‬عن‭ ‬الراي‭ ‬سلوكاً‭ ‬جرمياً؟

وفقاً‭ ‬للقانون‭ ‬الليبي‭ ‬رقم 5‭ ‬لسنة 2022،‭ ‬هناك‭ ‬مواد‭ ‬تجرّم‭ ‬استخدام‭ ‬شبكة‭ ‬المعلومات‭ ‬الدولية‭ ‬ووسائل‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬إذا‭ ‬ترافقت‭ ‬مع‭ ‬“مخالفة‭ ‬للنظام‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الآداب‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬الإضرار‭ ‬بهم”‭. ‬

من‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬“نشر‭ ‬حرّية‭ ‬رأي”‭ ‬مجرد‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬معلومة‭ ‬أو‭ ‬نقاش،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬ضمن‭ ‬حرّية‭ ‬التعبير‭. ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬تخلّلها‭:‬

سبّ‭ ‬أو‭ ‬قذف‭ ‬أو‭ ‬تشهير‭ ‬مباشر‭ ‬بشخص‭ ‬أو‭ ‬مجموعة،

نشر‭ ‬محتوى‭ ‬‮«‬مخلٌّ‭ ‬بالآداب‭ ‬العامة‮«‬‭ ‬بحسب‭ ‬تعريف‭ ‬القانون،

نشر‭ ‬صور‭ ‬أو‭ ‬فيديوهات‭ ‬خاصة‭ ‬لشخص‭ ‬بدون‭ ‬إذنه،‭ ‬أو‭ ‬ابتزاز،

تحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬زعزعة‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬العام،

فقد‭ ‬يُعتبر‭ ‬هذا‭ ‬“جريمة‭ ‬إلكترونية”‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬هناك‭ ‬نقد‭ ‬لأنّ‭ ‬صياغات‭ ‬القانون‭ ‬فضفاضة،‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يُحوّل‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬تعبير‭ ‬أو‭ ‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬جريمة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تفسّره‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭. ‬

بالتالي،‭ ‬الجواب‭: ‬نعم‭  ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬من‭ ‬“حرّية‭ ‬رأي”‭ ‬يُعدّ‭ ‬جريمة‭ ‬إلكترونية‭ ‬إذا‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬التعبير‭ ‬إلى‭ ‬الأفعال‭ ‬والمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬ينصّ‭ ‬عليه‭ ‬القانون‭. ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬نقاش‭ ‬يُعدّ‭ ‬جريمة‭ ‬تلقائياً‭.‬

و​توجد‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬جهات‭ ‬رسمية‭ ‬تتولى‭ ‬مهمة‭ ‬مكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وتلقي‭ ‬البلاغات،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬معلومات‭ ‬بسهولة‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬مركزي‭ ‬موحد‭ ‬رسمي‭ ‬مخصص‭ ‬لنشر‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الدورية‭ ‬والشفافة‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬للعموم‭ ‬مثل‭.‬​الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لأمن‭ ‬وسلامة‭ ‬المعلومات‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬المنوط‭ ‬بها،‭ ‬وفقًا‭ ‬للقانون،‭ ‬مراقبة‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬وعرضه‭ ‬وحجب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينشر‭ ‬النعرات‭ ‬أو‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬زعزعة‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره‭ ‬‮«‬وفقًا‭ ‬للمادة‭ ‬8‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬5‭ ‬لسنة‭ ‬2022‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭.‬

و‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الأجهزة‭ ‬المكافحة‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الجرائم،‭ ‬فإن‭ ‬نشر‭ ‬إحصائيات‭ ‬دورية‭ ‬وموثوقة‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬ونوع‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المبلغ‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬المحالة‭ ‬للقضاء‭ ‬غير‭ ‬متاح‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬للجمهور،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تقييم‭ ‬المدى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لخطورة‭ ‬وتطور‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬وعام‭. ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬والإحصائيات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التقارير‭ ‬الأكاديمية‭ ‬أو‭ ‬التصريحات‭ ‬الرسمية‭ ‬المتفرقة‭.‬لكن‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬“موقع‭ ‬إحصائي‭ ‬رسمي”‭ ‬مفتوح‭ ‬للجمهور‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬أرقام‭ ‬مفصلة‭ ‬لعدد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وتصنيفها،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬معلومات‭ ‬واضحة‭ ‬متوفّرة‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬اطلعتُ‭ ‬عليها‭. ‬مثلا‭: ‬الدراسة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬“على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬جرائم‭ ‬إلكترونية،‭ ‬فإنّ‭ ‬عددها‭ ‬المكتشف‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬الدراسة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كبيراً‭ ‬جداً”‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تعطينا‭ ‬أرقام‭ ‬مفصلة‭. ‬

هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬تنبيه‭ ‬وتحذيرات‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬مكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‮»‬‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬تنشر‭ ‬إرشادات‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬‮«‬مثلاً‭ ‬تحذير‭ ‬من‭ ‬روابط‭ ‬مجهولة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ترك‭ ‬الهواتف‭ ‬دون‭ ‬رقابة‮»‬‭. ‬

باختصار‭: ‬نعم‭ ‬توجد‭ ‬جهة‭ ‬مختصة‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬تعرض‭ ‬إحصائيات‭ ‬مفصلة‭ ‬واضحة‭ ‬أو‭ ‬متاحة‭ ‬بسهولة‭ ‬لكل‭ ‬الجمهور‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تطوّر‭ ‬ليبيا‭ ‬نظاماً‭ ‬رسميّاً‭ ‬لنشر‭ ‬بيانات‭ ‬الاحصائيات‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬شفافاً‭ ‬ومتابعاً‭.‬

فالجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أصبحت‭ ‬حقيقة‭ ‬موجودة‭ ‬ومحلياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬والعالم‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬تجاهل‭ ‬تأثيرها‭ ‬السلبي‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنّ‭ ‬مكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬تمثّل‭ ‬جزءاً‭ ‬هامّاً‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬وأمن‭ ‬الأفراد‭. ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬تطور،‭ ‬والقانون‭ ‬موجود،‭ ‬لكن‭ ‬العمل‭ ‬وكما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭  ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬وتحديث‭ ‬وإجراءات‭ ‬تفعيل‭. ‬كطلاب،‭ ‬أنتم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬الرقمي،‭ ‬ويمكنكم‭ ‬أن‭ ‬تكونوا‭ ‬فاعلين‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬والحذر‭ ‬والسلامة‭ ‬الرقمية‭. ‬المعرفة‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬الأمان‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى