
نحن نواجه دائمًا تشاؤم العقل بتفاؤل الإرادة , كما أخبرنا غرامشي .
وأحد اساليبنا لتقوية هذه الإرادة هي التعرف وملامسة المشاكل والذي يجعلها العقل بتشاؤمه كبيرة ..
ومن مستجدات عصرنا ذات الوتيرة المتسارعة , في كل ما يتعلق بالمجال التكنولوجي وخاصة حقل الذكاء الاصطناعي . هذه المستجدات فرضت تأثيرها على المستوى العام المجتمعي ومستوى الفرد ( الذات الأنسانية ).
ولذلك كان لزاما علي/علينا اختراق هذا المجال الجديد. ورغم كوني غير متخصصة فيه علميا, وبعيدة نوعا ما عن استحقاقاته (الى الان ) .
لكن الفلسفة والتي حاصرتني قرابة الاربعة سنوات علمتني أن اي دهشة ,. ما هي إلا بداية لسؤال فلسفي ما .
وأن اي سؤال فلسفي (أي سؤال عامةً ) مدعاة للتأمل والتفكير . وكل حل لمشكلة لن يتجاوز هذا .
كتب أرسطو ( لو كانت كل أداة تقوم بعملها وتطيع إرادة الآخرين , لوكان المكوك ينسج . والريشة تلمس أوتار القيثارة دونما يد ترشدها . فلن يحتاج رؤساء العمل الى مساعدين ولن يلزم للسادة عبيد ).
يبشر أرسطو بعين الفكر أن التكنلوجيا ستكون أولا وآخرا أداة عند الأنسان , لتعطيه فسحة من الوقت وراحة للجسد وبديل عن الأشغال الشاقة والعبودية وما في حكمها .
الذكاء الاصطناعي في فكرته الشائعة أمر يحاول محاكاة الذكاء البشري , وعندما تحاكي الالة الذكاء البشري فهي تتجاوزه لأنها لا تنسى هي لا تمل ولا تكل وذاكرتها لا نهائية .
ولهذا جاء التوجس الأول ولعل الثاني هو فطرة الخوف من كل جديد يستغلق علينا .
ولأنني أعرف نفسي أولا وآخراً كقارئة , لم يكن علي ان أفكر في موضوع آخر أربطه بمساقات الذكاء الاصطناعي أفضل من القراءة (خاصة أنه كانت مقاربتي الاولى تتعلق بربطة بالاستطيقا )
لن أتحدث في هذا المقال عن تعقيدات تكنلوجية ولا عن نظريات القراءة والتأويل , بل سنضيئ بقعا هنا وهناك .. ليس لها وظيفة إلا دعوة للتفكير .
لن نجد حلولا هنا , بل لعلي سأزيد الاشكاليات , سأحاول أستجلاب المعاني والبحث عنها في الثنايا.
الذكاء الاصطناعي في تعريفه البسيط هو إدراك المعلومات وتوليفها واسنتاجها بواسطة الاله.
هو مجموعة من المشكلات التي يتوقع أن تحلها الاله, وكلما زاد عدد المشكلات المحلولة بواسطته زادت نسبة ذكاؤه , استناداً على خاصية التعلم الالي .
نحن البشر أذكياء مادامت افعالنا تحقق غاياتنا , وذكاء الاله بالتالي هو أن الالات ذكية مادامت تستطيع تحقيق غابات محددة يصنعها الأنسان (الى الان ) . وذلك من خلال محاكاة للذكاء البشري بواسطة البناء المنطقي للبرمجيات والخوارزميات والشبكات العصبية .. الخ
والتوجه الذي يسعى للوصول إليه الان وبفعالية عالية و هدف للكثير من الابحاث هو ما يعرف بالذكاء العام الاصطناعي , نظام يمكنه التفكير وقادر على تعلم مهام جديدة .
تعلم الالة هي العملية التي تخضع لها التكنولوجيا لاكتساب المعرفة , والقدرة من خلال البيانات وميكانزم معين ( تكون في أطر زمنية أقصر بكثير جدا من عمليات تعلم البشر ) على التعلم المستمر , فهو ذكاء حفظي .
إن شركات التكنولوجيا في وادي السيلكون . غزغل .امازون . فيسبوك . آبل قادت التطور في هذا المجال بإستثمار المليارات فيه وتحديدا في تحصيل الكميات الهائلة من البيانات.
لقد غير العالم الرقمي تجربتنا للحياة اليومية , نحن الان بوعي منا أو بدزنه نستخدم هذه الاداة , بل ايضا نحن جزء من تطورها بسبب ما نبثه فيها من بيانات .
وهنا اتفق مع ستانلي كوبرك حين قال ( لا يجدر بنا القلق كثيرا من أن يصبح الحاسوب مثلنا ولكن علينا أن نقلق مما إذا كنا سنصبح مثله ).
ومن أكثر الاشياء توحدا مع ذواتنا هي القراءة .. القراءة تؤثر على الصدع الايسر من الدماغ المنطقة المرتبطة باللغة والاحساس . وتحفز عمل الخلايا بما يعرف بعملية الادراك المتجسد .. وقد يكون الحديث عن القراءة لمحبيها نوع من الغناء يُطرب ليَطربْ .
إن القراءة ليست طِبعةَ في الانسان ولا فطره . لكنها – الى حد ما – اختراع ثقافي غير طبعي بالكاد مضى على وجوده ستة آلاف سنة .
القراءة فعل تأملي .. يقاوم شرود الذهن .. فهناك طبيعة توليدية عميقة للغة المكتوبة لأفكار جديدة ’ ويتمثل فعل القراءة في قدرة الدماغ الاعجازية على الذهاب الى ما هو أبعد من قدراته الأصلية المبرمجة وراثيا مثل الرؤية واللغة .
كما ان تبني منظور الاخرين ومشاعرهم والشعور بالتعاطف يعد واحد من أكثر إسهامات عملية القراءة العميقة.وان تكزن شخص آخر لديه تطلعات وشكوك وعواطف ربما لم تكن لتختبرها ابدا , إنها نعمة لا تقدر بثمن .
إن ما يهمنا أو ما يجعل تجربة القراءة جيدة هو ما يعرف بالقراءة المعمقة بالفهم والاندماج .
فهل سيؤدي الجمع بين القراءة بإستخدام الاشكال الرقمية والانهماك اليومي في مجموعة متنوعة من التجارب الرقمية الي الحيلولة دون تشكل العمليات المعرفية البطيئة مثل التفكير النقدي والخيال والتعاطف .
يقول هايدجر( اولى الخطوات هي فتح الباب , ومن ثم نمضي الى ما هو ابعد من ذلك والفهم شكل من أشكال الاكتشاف )
يمثل الفكر لنقدي للدماغ مجمعا كاملاً لعمليات المنهج العلمي إذ يجمع محتوى النص مع معلوماتنا الاساسية من قياس واستدلال , استقراءواستنتاج ثم يستخدم هذه التوليفة لتقييم افتراضات الكتاب وتفسيراته واستنتاجاته الاساسية .
واعتقد أن التفكير النقدي هو أحد أهم السبل للتحصين من خوف التسطيح والتضليل الذي نتعرض له زاعمين بوجود التكنلوجيا .
لكن ماذا لو كانت قدرتنا على الادراك تتناقص فعلا ونحن نواجه سيلاً متدفقا من المعلومات .. ماذا لو اصبحنا مدمنين فعليا على التحفيز الحسي الحاد .
هذه وللشاشة في حد ذاتها سلطة اقوى من سلطة العين وبالتالي الذهن هو الذي يقرأ ويؤول احيانا لدرجة أنه قد يرى كلاك غير مكتوب .
أخشى أن نكون اقرب لتجريد الافكار المعقدة . أو ان نقرأ ما تفرضه علينا الحدود أو الكلمات المسموح بها كعدد ..
عندما نتكلم عن فعل القراءة ونربطه ب AI هناك ثلاث مستويات أو اتجاهات :
1- أن نقرأ بواسطة الاجهزة الالكترونية
2- أن نقرأ بواسطتها لكن من خلال تدخل الذكاء الاستطناعي بشطل أكثر تطورا (كان يلخص ويحلل ويترجم وحتى يقترح علينا كتب ومقالات مشابهة )
3- أن نقرأ ما كتبه الذكاء الاطناعي بنفسه .
وهذه الاخيرة تستخدم تحليل البيانات والمعلومات المدخلة في النظام وتركيبها بشكل محتوى مكتوب لا تخلوا من مزايا :
1- السرعة الفائقة (والتي بدورها تحسن المحتوى لانها نتعلم منها في كل مرة )
2- التقليل من الاخطاء الاملائية والنحوية .
3- تقلقل تكاليف الكتابة والتحرير (خاصة في المقالات اليومية )
4- تسهيل وصول المعرفة لذوي الاحتياجات الخاصة ( تحويل النص لصوت مثلا)
وعيوبه كما هو جلي :
1- تحديات الاصالة والابداع
2-انتهاك حقوق النشر
3- التحيزات الخاطئة والمغلوطة في إدخال البيانات المعتمد عليها في توليد النص .
قبل الخاتمة سأعرض أهم جزء وهو الأسئلة التي ازهرت
1- أين نحن من هذا التطور؟
2- كيف يمكن أن يحوز الذكاء الاصطناعي فكرة التأمل التي تؤدي الى التخيل الابداعي ؟
3- التعرض الدائم لمنتجات ال AI هل سيؤثر على منظورنا للحكم الجمالي ؟
4- هل سيفرض علينا تماشيا مع العصر تغيير في اللغة ؟
5- تسميته ( بالذكاء ) آلا تفرض علينا دلالة معينة , توجه تفكيرنا فيه وبالتالي الحكم عليه ؟
6- هل ستظل هناك قراءة حرة .
7- ماذا عن المشاع في الوصول والديمقراطية في أن الكل يشترك في عملية الكتابة والنقد .
8- باب الاخلاقيات ومنها التحيز في ادخال البيانات – حقوق الملكية – التعدي على مميزات الانسانية .
ما الذي يهم أكثر تجربة القراءة في حد ذاتها ( في الاثناء ) أم مردودها .. وإذا أجبرنا على المفاضلة ماذا نختار .. أم أن استخلاص المعنى يتطلب كلاهما .
هل فكرنا في الوظائف الجديدة التي ستخلق مقابلة بالوظائف التي نخاف أن ينهيها استخدام الAI, وهل سنصل لمرحلة أن نفضل قراءة ما يكتبه الذكاء الاصطناعي لأننا لم نعد نكتب الا تماشيا مع ما يكتبه أم العكس .
ختاما التوازن بين قيمة الكتابة كفن واستغلال التكنولوجيا لتحسين وتطوير هذه المهارة وضرورة تكيف عادات القراءة الفردية الحديثة مع تغير ملكة النقد .. هو خطوتنا للمواجهة ..
والاهم ان نستحي من كوننا مستهلكين لكل هذا واننتج شئ بالعلم .