لم أتوقع أن أفرغ من قراءة هذا الكتاب في أقل من أربع وعشرين ساعة.. بعض الكتب تستهلك مني الوقت الكثير رغم أهميتها )الأدبية أو التاريخية أو العلمية(.. ربما لصعوبة أسلوبها أو لفلسفتها المعقدة التي تحتاج إلى عوامل مساعدة كالبحث عن معاني مصطلحات أو الرجوع إلى مراجع ومصادر تتعلق بالموضوع.. لكن هذا الكتاب لا أعرف ما الذي شدني إليه من الصفحة الأولى إلى آخر ورقة فيه..ولا أنكر أنني أهملت واجبات اجتماعية أثناء قراءتي لهذه الدراسة الماتعة..
ورغم أني أعرف أسلوب كتابة عبدالجواد وأخبر سرده القصصي جيدا إلا أن هذا الكتاب يختلف كثيرًا، ذلك أنه عبارة عن رسالة دكتوراه في الأدب الليبي، ويبدو أن الكاتب بذل جهدًا مضنيًا في تجميع المادة وصياغتها بطريقة علمية مقنعة..إذ يتناول د.عبد الجواد موضوعًا نقديًا جديدًا، إلى جانب السرد التاريخي للقصة الليبية منذ نشأتها عام 1935بظهور أول قصة للكاتب وهبي البوري في أول نص يقارب الناحية الفنية القصصية، وحتى نهاية القرن العشرين.. هذا وقد تعرض الباحث الدكتور عبدالجواد في كتابه هذا إلى المراحل التي صاحبت نضج القصة الليبية وحركة المجايلة التي تلت ذلك، والتي كان لها الأثر البالغ في إثراء حركة الأدب الليبي بصفة عامة والقصة بصفة أخص.
الكتاب يقع في أربعة فصول، ففي الفصل الأول يطرح الإرهاصات التي أدت إلى تطور القصة من الحكاية إلى ما يشبه النص الفني، ويورد عثرات عرقلت هذا التقدم وأهمها على الإطلاق الاستعمار الإيطالي وعدوانه على البلاد الذي أفسد كل شيء بما في ذلك المجال الأدبي والثقافي..أما الفصل الثاني فقد شخَّص فيه التجريب في القصة الليبية من حيث مفهومه وبداياته مع دوافعه و رواده واختتمه بآراء مؤيدي ومعارضي التجريب كمدرسة حديثة في القصة الليبية، في الفصل الثالث يناقش الدكتور المستويات اللغوية والفنية في جميع المراحل التي مرت بها القصة الليبية القصيرة.. ثم يطرح إشكالية العامية والفصحى في لغة الحوار، وإستراتيجية التعبير في المقدمات والأمزجة واستخدام اللغة في القصة، ولا أبالغ أن هذا الفصل هو محور فصول الدراسة وأهمها وأمتعها، على أن الفصل الرابع والأخير يتناول الملامح الفنية من حيث التجريد ولغة التشفير وتبادل الأزمنة والواقع والمتخيل والرمزية والتناص والدراما في القصة الليبية القصيرة، ويختتم هذا الفصل بمبحث شائق عن استخدام علامات جديدة في الترقيم وشكل السرد القصصي.
على أن أهم ما يقدمه هذا الكتاب للثقافة الليبية هو تأريخ القصة الليبية، ومن الواضح أن الدكتور عبدالجواد اجتهد بدقة متناهية في دراسة تطور القصة الليبية القصيرة منذ مولدها منتصف ثلاثينيات القرن العشرين وحتى نهاية نفس القرن.
وقبل أن أنسى فالكتاب يحوي عدة ملاحق من نماذج قصصية نشرت في كل عقد من عقود القرن الفائت تشبه الخارطة وهي مهمة يسير على نهجها كل دارس يرغب البحث في الأدب الليبي.. أدعوكم لقراءة واقتناء هذا الكتاب الذي يعد مرجعا فاخرا للأدب الليبي.