رأي

القصة الليبية القصيرة

ناجي الحربي

لم‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬أفرغ‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة‭.. ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬تستهلك‭ ‬مني‭ ‬الوقت‭ ‬الكثير‭ ‬رغم‭ ‬أهميتها‭ )‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬التاريخية‭ ‬أو‭ ‬العلمية‭(..  ‬ربما‭ ‬لصعوبة‭ ‬أسلوبها‭ ‬أو‭ ‬لفلسفتها‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عوامل‭ ‬مساعدة‭ ‬كالبحث‭ ‬عن‭ ‬معاني‭ ‬مصطلحات‭ ‬أو‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مراجع‭ ‬ومصادر‭ ‬تتعلق‭ ‬بالموضوع‭.. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬شدني‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ورقة‭ ‬فيه‭..‬ولا‭ ‬أنكر‭ ‬أنني‭ ‬أهملت‭ ‬واجبات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أثناء‭ ‬قراءتي‭ ‬لهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الماتعة‭.. 

ورغم‭ ‬أني‭ ‬أعرف‭ ‬أسلوب‭ ‬كتابة‭ ‬عبدالجواد‭ ‬وأخبر‭ ‬سرده‭ ‬القصصي‭ ‬جيدا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا،‭  ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬رسالة‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الليبي،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬بذل‭ ‬جهدًا‭ ‬مضنيًا‭ ‬في‭ ‬تجميع‭ ‬المادة‭ ‬وصياغتها‭ ‬بطريقة‭ ‬علمية‭ ‬مقنعة‭..‬إذ‭ ‬يتناول‭ ‬د‭.‬عبد‭ ‬الجواد‭ ‬موضوعًا‭ ‬نقديًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬السرد‭ ‬التاريخي‭ ‬للقصة‭ ‬الليبية‭ ‬منذ‭  ‬نشأتها‭ ‬عام‭ ‬1935بظهور‭ ‬أول‭ ‬قصة‭ ‬للكاتب‭ ‬وهبي‭ ‬البوري‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬نص‭ ‬يقارب‭ ‬الناحية‭ ‬الفنية‭ ‬القصصية،‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.. ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬تعرض‭ ‬الباحث‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالجواد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬صاحبت‭ ‬نضج‭ ‬القصة‭ ‬الليبية‭ ‬وحركة‭ ‬المجايلة‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬ذلك،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬البالغ‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬حركة‭ ‬الأدب‭ ‬الليبي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬والقصة‭ ‬بصفة‭ ‬أخص‭.‬

الكتاب‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬فصول،‭ ‬ففي‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬يطرح‭ ‬الإرهاصات‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬الحكاية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬النص‭ ‬الفني،‭ ‬ويورد‭  ‬عثرات‭ ‬عرقلت‭ ‬هذا‭ ‬التقدم‭ ‬وأهمها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإيطالي‭ ‬وعدوانه‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬الذي‭ ‬أفسد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجال‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭..‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬شخَّص‭ ‬فيه‭ ‬التجريب‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الليبية‭  ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مفهومه‭ ‬وبداياته‭ ‬مع‭ ‬دوافعه‭  ‬و‭ ‬رواده‭ ‬واختتمه‭ ‬بآراء‭ ‬مؤيدي‭ ‬ومعارضي‭ ‬التجريب‭ ‬كمدرسة‭ ‬حديثة‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الليبية،‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬يناقش‭ ‬الدكتور‭ ‬المستويات‭ ‬اللغوية‭ ‬والفنية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬القصة‭ ‬الليبية‭ ‬القصيرة‭.. ‬ثم‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالية‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الحوار،‭ ‬وإستراتيجية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬المقدمات‭ ‬والأمزجة‭ ‬واستخدام‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬القصة،‭ ‬ولا‭ ‬أبالغ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬فصول‭ ‬الدراسة‭ ‬وأهمها‭  ‬وأمتعها،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬والأخير‭ ‬يتناول‭ ‬الملامح‭ ‬الفنية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التجريد‭ ‬ولغة‭ ‬التشفير‭ ‬وتبادل‭ ‬الأزمنة‭ ‬والواقع‭ ‬والمتخيل‭ ‬والرمزية‭ ‬والتناص‭ ‬والدراما‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الليبية‭ ‬القصيرة،‭ ‬ويختتم‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬بمبحث‭ ‬شائق‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬علامات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الترقيم‭ ‬وشكل‭ ‬السرد‭ ‬القصصي‭.‬

على‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬للثقافة‭ ‬الليبية‭ ‬هو‭ ‬تأريخ‭ ‬القصة‭ ‬الليبية،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالجواد‭ ‬اجتهد‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬تطور‭ ‬القصة‭ ‬الليبية‭ ‬القصيرة‭ ‬منذ‭ ‬مولدها‭ ‬منتصف‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬نفس‭ ‬القرن‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬فالكتاب‭ ‬يحوي‭  ‬عدة‭ ‬ملاحق‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬قصصية‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭ ‬تشبه‭ ‬الخارطة‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬نهجها‭ ‬كل‭ ‬دارس‭ ‬يرغب‭ ‬البحث‭ ‬في‭  ‬الأدب‭ ‬الليبي‭.. ‬أدعوكم‭ ‬لقراءة‭ ‬واقتناء‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬مرجعا‭ ‬فاخرا‭ ‬للأدب‭ ‬الليبي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى