ثقافة

القيم‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ (‬أطلال‭ ‬الذاكرة‭) ‬د‭. ‬رضا‭ ‬محمد‭ ‬جبران‭ ‬

سميرة البوزيدي

التراثُ‭ ‬التربوي‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‭)‬قرود‭ ‬عرادة‭ ‬وزيت‭ ‬الخجلة‭( ‬أضاف‭ ‬النَّص‭ ‬جمالية‭ ‬المكان،‭ ‬والبوح‭ ‬بالذكريات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالكاتب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬الماضية‭ ‬لطفولته،‭ ‬ونقلها‭ ‬للمتلقي‭ ‬بكل‭ ‬يسر‭ ‬وسهولة‭ ‬وتشمل‭ ‬الأماكن‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬النَّص‭ ‬كالآتي‭:‬

العنوان‭:‬

رسمَ‭ ‬العنوانُ‭ ‬طبيعة‭ ‬ديار‭ ‬الكاتب‭ ‬ومسقط‭ ‬رأسه،‭ ‬وأبرز‭ ‬المكان‭ ‬مواطن‭ ‬الأنس‭ ‬والتقارب‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬الحي‭ ‬بنشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التعاون‭ ‬والمحبة‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭.‬

‭)‬زيت‭ ‬الخجلة‭(‬‭ ‬فهي‭ ‬وصفة‭ ‬أجدادنا‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الكريم‭ ‬بمواد‭ ‬طبيعية،‭ ‬ففي‭ ‬النّص‭ ‬إثارةٌ‭ ‬للحدث‭ ‬ونظرة‭ ‬في‭ ‬تراث‭ ‬القديم،‭ ‬ووقفة‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭ ‬الجميل‭ ‬ونقله‭ ‬للأجيال‭ ‬الجديدة‭.‬

تغير‭ ‬اسم‭ ‬المكان،‭ ‬وهيئته‭ ‬كقول‭ ‬الكاتب‭ ‬‮«‬استبدال‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬بمسمى‭ ‬جديد‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتكأ‭ ‬النَّاس‭ ‬في‭ ‬نطقها‭ ‬وتصبح‭ ‬مثار‭ ‬السخرية‭ ‬والاستهزاء،‭ ‬وكانت‭ ‬التسمية‭ ‬الجديدة‭ ‬تستوعب‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬يقطنها،‭ ‬وتُعلي‭ ‬منزلة‭ ‬من‭ ‬يلفظها‭ ‬هي‭ ‬المجد‮»‬‭.‬

ذكريات‭ ‬البطل‭:‬

يسير‭ ‬النَّص‭ ‬مصورًا‭ ‬مشاهد‭ ‬متعدَّدة‭ ‬عن‭ ‬الذكريات‭ ‬الطفولة‭ ‬وأماكنها‭ ‬قائلاً‭: )‬فمن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬نفسي،‭ ‬ووصلتُ‭ ‬أرحامي،‭ ‬واصطفيتُ‭ ‬أقراني،‭ ‬تحسستُ‭ ‬طريقي‭ ‬وأنا‭ ‬بجوار‭ ‬أبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭( ‬فهذه‭ ‬الذكريات‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬نشأة‭ ‬الكاتب‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬الخلق،‭ ‬والتواصل‭ ‬بين‭ ‬الأقارب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬شخصية‭ ‬الإنسان‭ ‬السوي‭ ‬بين‭ ‬أقرانه‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬بيئته‭ ‬ومحيطه‭ ‬مع‭ ‬والديه‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬حياته‭.‬

القيم‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭:‬

كان‭ ‬المكانُ‭ ‬يصوَّر‭ ‬حالة‭ ‬الأسرة،‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬تنشئة‭ ‬أبنائها‭ ‬فلم‭ ‬يغفلُ‭ ‬والد‭ ‬الكاتب‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬العلم‭ ‬واختيار‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لابنه‭ ‬قائلاً‭: )‬فكان‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬بيّ‭ ‬من‭ ‬الروضة‭ ‬إلى‭ ‬بيتنا‭ ‬وقد‭ ‬بش‭ ‬وهش،‭ ‬وانبسطتْ‭ ‬أسارير‭ ‬وجهه‭ ‬عندما‭ ‬بدأتْ‭ ‬أدندن‭ ‬بما‭ ‬تلته‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬والمربية‭ ‬الفاضلة‭ ‬نزيهة‭ ‬مد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمرها،‭ ‬التي‭ ‬انقطعتْ‭ ‬صلتي‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ ‬وأنا‭ ‬أقول‭: ‬يا‭ ‬معزة‭ ‬حليلي‭ ‬الباب

جايبلك‭ ‬من‭ ‬بوي‭ ‬جواب،‭ ‬فسر‭ ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬وجاء‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يليه‭ ‬لا‭ ‬تحسس‭ ‬الشارع‭ ‬‮«‬منتصف‭ ‬القامة‭ ‬أمشي،‭ ‬مرفوع‭ ‬الهامة‭ ‬أمشي،‭ ‬وقد‭ ‬سجلت‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬المجد‭ ‬الإبتدائية‭ ‬والإعدادية‮»‬‭.‬

وبدأتْ‭ ‬رحلةُ‭ ‬العلم‭ ‬والدراسة‭ ‬كانت‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬المجد‮»‬‭ ‬هي‭ ‬المحطة‭ ‬الثانية‭ ‬لنشر‭ ‬القيم‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬فؤاد‭ ‬الفتى‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬المراتب‭ ‬العلمية‭ ‬وقدم‭ ‬والده‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬هدية‭ ‬متينة‭ ‬للوطن‭ ‬تكمل‭ ‬مشواره‭ ‬العلمي‭.‬

الجدة‭ ‬وزيت‭ ‬الخجلة‭:‬

انتقل‭ ‬الكاتب‭ ‬بسردية‭ ‬جميلة‭ ‬للقارئ‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬النشأة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الجدة‭ ‬الحنونة‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬أحفادها‭ ‬وتأخذ‭ ‬بأيديهم‭ ‬نحو‭ ‬الفلاح،‭ ‬والرشاد،‭ ‬تهيء‭ ‬لهم‭ ‬أجواء‭ ‬الدعابة‭ ‬والحكمة‭ ‬بطرق‭ ‬عملية‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬يسرد‭ ‬الكاتب‭ ‬أحداثًا‭ ‬جميلة‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭: ‬عرفت‭ ‬معنى‭ ‬الإرادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والهمة‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬تميزتْ‭ ‬بها‭ ‬جدتي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬ليَّ‭ ‬ولإخوتي‭. ‬‮«‬مَنْ‭ ‬يعبي‭ ‬ليَّ‭ ‬مالقي‭ ‬ياسمين‭ ‬مقلمز‭ ‬يأخذ‭ ‬ربع‭ ‬جنيه‮»‬‭ ‬بصراحة‭ ‬إغراء‭ ‬غير‭ ‬عادي‭.‬

استطاعتْ‭ ‬الجدة‭ ‬كسب‭ ‬قلوب‭ ‬أحفادها‭ ‬ورسم‭ ‬طريقة‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬التحفيز‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬والعطاء،‭ ‬وماذا‭ ‬يفعل‭ ‬الفتيان‭ ‬بالمال‭ ‬البسيط‭ ‬؟‭!.‬

الإجابة‭ ‬المال‭ ‬يسعدهم‭ ‬ويحقَّق‭ ‬غاياتهم‭ ‬الطفولية‭ ‬‮«‬نضمن‭ ‬به‭ ‬شراء‭ ‬سندوتش‭ ‬التن‭ ‬بالهريسة،‭ ‬أو‭ ‬الهريسة‭ ‬بالتن،‭ ‬وحكة‭ ‬مشروب‭ ‬بوقا،‭ ‬أو‭ ‬كيتي،‭ ‬ياسلام،‭ ‬ما‭ ‬أسعدني‭ ‬بهذا‭ ‬العرض‭!‬‮»‬‭.‬

قدمتْ‭ ‬الجدة‭ ‬مواقفَ‭ ‬تربوية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬ونلحظ‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الجدة‭ ‬يتطور‭ ‬مع‭ ‬أحداث‭ ‬النص‭ ‬ويحرك‭ ‬الشخصيات‭ ‬نحو‭ ‬السلوك‭ ‬القويم‭.‬

5-‭ ‬دلالة‭ ‬اللغة‭ ‬الشعبية‭ ‬وأثرها‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬التربوية‭:‬

تميز‭ ‬النص‭ ‬بوصفات‭ ‬شعبية‭ ‬محيطة‭ ‬بالبيئة‭ ‬المكانية‭ ‬،‭ ‬وأصبحت‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬المتصل‭ ‬بالأجداد‭ ‬لكن‭ ‬الكاتب‭ ‬أحياه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحكاية‭ ‬التي‭ ‬صورت‭ ‬أبعاده‭ ‬التربوية‭ ‬القيمة،‭ ‬مثلا‭ ‬خلطة‭ ‬زيت‭ ‬بالخجلة‭ ‬خلطة‭ ‬شعبية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬وصفات‭ ‬محلية‭ ‬بسيطة‭ ‬صحية‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬الكاتب‭ ‬طرق‭ ‬صناعتها‭ ‬ومهارة‭ ‬الجيل‭ ‬القديم‭ ‬فيها،‭ ‬نذكر‭ ‬مقاطع‭ ‬من‭ ‬النص‭( ‬تحضر‭ ‬موقد‭ ‬النار‭ ‬قربها،‭ ‬وتضع‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬في‭ ‬مقلاة‭ ‬حتى‭ ‬يغلي‭ ‬ثم‭ ‬تضيف‭ ‬إليه‭ ‬شمع‭ ‬النحل،‭ ‬وتجهز‭ ‬بعض‭ ‬الصحون‭ ‬التي‭ ‬ستفرغ‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬المقادير‭ ‬وتضع‭ ‬فوقها‭ ‬هذا‭ ‬الياسمين‭ ‬الذي‭ ‬عبقت‭ ‬رائحته‭ ‬المكان،‭ ‬وتحكم‭ ‬إغلاقها‭)‬

للجدة‭ ‬مهارة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الكريم‭ ‬الطبيعي‭ ‬للترطيب‭ ‬البشرة

تضمنت‭ ‬الكلمات‭ ( ‬الخجلة،‭ ‬يوقا،‭ ‬سندوتش،‭ ‬عرادة،‭ ‬كيتي،‭ ‬حكة‭ ‬مشروب‭) ‬دلالة‭ ‬لفظية‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬الحكي‭ ‬الشعبي‭ ‬السائد‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى