
ترجع جذور أزمة الكهرباء في ليبيا إلى ما قبل 2011، لكن التحول الكبير بدأ مع سقوط النظام السابق ودخول البلاد في دوامة الانقسام والصراع السياسي.
في تقرير رسمي صادر عن الشركة العامة للكهرباء )GECOL( عام 2015، تم تسجيل أول عجز واضح في التوليد مقابل الطلب، بلغ 1,800 ميغاوات، وتفاقم في صيف 2017 ليصل العجز إلى 2,500 ميغاوات.
خلال السنوات من 2014 حتى 2021، تعرّضت أكثر من 70% من محطات التوليد لأضرار جزئية، وتوقفت صيانة خطوط النقل بفعل ضعف التمويل وتدخل المجموعات المسلحة.
«الفلوس صُرفت والكهربا مشّت!»… فساد بالمليارات دون كهرباء
في تقارير لديوان المحاسبة الليبي خلال الأعوام )2020-2023(، تبيّن أن ما يقارب 5.6 مليار دينار صُرفت على قطاع الكهرباء دون تنفيذ حقيقي لمشروعاتها، أبرزها:
مشروع محطة أوباري الغازية الذي تعطل بسبب صراعات قبلية رغم جاهزيته بنسبة 97%.
مشروع محطة غرب طرابلس البخارية الموقّع منذ 2018 مع شركة سيمنس الألمانية ولم يبدأ التشغيل الفعلي حتى الآن.
وفي وثيقة لديوان المحاسبة 2022، تم التنديد بعقود شراء قطع غيار بأسعار مضاعفة، وتوظيف أكثر من 7,000 موظف إداري في الشركة العامة للكهرباء دون حاجة فعلية، ما تسبب في تضخم إداري بلا إنتاجية.
السرقات .. عندما تصبح الأسلاك ذهبًا !!
تُعدّ سرقة الأسلاك الكهربائية واحدة من أكثر أسباب انهيار الشبكة، حيث سجلت الشركة أكثر من 14,000 حالة سرقة بين 2016 و2024، بمعدل 3 حوادث يوميًا، خصوصًا في الجنوب والجبل الغربي.
في بيان صادر عن إدارة الإعلام بالشركة العامة للكهرباء )15/3/2024(، قالت فيه إن:
قيمة الخسائر نتيجة سرقة الأسلاك فقط تجاوزت 75 مليون دينار، وأدت إلى قطع التيار عن أكثر من 210 قرية ومنطقة فرعية.»
ورغم ذلك، لا توجد قوانين رادعة تُطبّق، ولا متابعة حقيقية للجناة، بل إن بعض السرقات تتم بتواطؤ من الداخل.
بيتكوين على حساب المواطن!
من المفارقات المؤلمة، أن تقارير أمنية نشرت في 2023 أشارت إلى اكتشاف مزارع تعدين عملات رقمية )بيتكوين( تستخدم طاقة كهربائية ضخمة بطريقة غير قانونية.
في تقرير لجهاز الأمن الداخلي في أبريل 2023، تم ضبط أكثر من 15 مزرعة تعدين غير قانونية في مناطق صناعية وورش مهجورة، أبرزها في صرمان، الخمس، الزنتان، والقلعة، وتبيّن أن بعضها مدعوم من جهات مسلحة لديها نفوذ يمنع إيقافها.
الضغط على الشبكة.. المواطن شريك في الأزمة؟
رغم أن الدولة تتحمل العبء الأكبر، إلا أن سلوك المواطن الليبي لا يمكن تجاهله، بحسب ما ورد في تقرير «ترشيد الاستهلاك 2023» الصادر عن GECOL:
نحو 70% من الأسر تستخدم أجهزة تكييف رديئة الجودة تسحب طاقة زائدة.
استخدام سخانات كهربائية في الصيف!
إنارة المحال والمباني دون رقابة أو حس استهلاكي.
غياب منظومة عدادات مسبقة الدفع في أغلب المناطق.
الشمس تشرق ولا أحد يراها!
رغم أن ليبيا تسجل أعلى معدل إشعاع شمسي في شمال أفريقيا، إلا أن اعتماد الطاقة البديلة لا يزال صفريًا تقريبًا.
وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة)IRENA( لعام 2024:
لا تتجاوز نسبة اعتماد ليبيا على الطاقة الشمسية 0.004% من إجمالي الطاقة المستخدمة، في حين أن إمكاناتها تكفي لتوليد أكثر من 200 ألف ميغاوات سنويًا.»
محاولات لاستيراد ألواح شمسية عبر القطاع الخاص تصطدم بالضرائب العالية، وغياب الدعم الرسمي، واحتكار بعض الشركات للأسواق.
المسؤول يهرب… والمواطن يحترق
يتبادل المسؤولون الاتهامات كلما ارتفعت شكاوى المواطنين. حكومة الوحدة ترمي الكرة في ملعب «الإرث الثقيل»، وحكومة الشرق تتحدث عن «ضعف الميزانية»، بينما المواطن يقف في الظلام، يشحن هاتفه من سيارة، ويعاني الأطفال في المدارس والمستشفيات دون تكييف أو تبريد.
لماذا لا تُحلّ الأزمة؟
غياب رؤية وطنية واضحة، كل حكومة تبدأ من الصفر دون الاستفادة من تجارب من سبقها.
تسييس ملف الكهرباء، وتحوله إلى أداة ضغط ومقايضة بين الأطراف المتصارعة.
احتكار ملف العقود والصيانة داخل مجموعة ضيقة من المسؤولين.
غياب الرقابة القضائية والبرلمانية على المصروفات والعقود.
هل من ضوء في آخر النفق؟!
1. إعلان حالة طوارئ وطنية للطاقة تشمل إشرافًا دوليًا محايدًا على ملف الكهرباء.
2. إعادة هيكلة الشركة العامة للكهرباء وفصل إدارتها عن نفوذ السياسيين.
3. تبني استراتيجية للطاقة المتجددة، مع إعفاءات جمركية على الألواح الشمسية.
4. تحفيز المواطنين باستخدام العدادات الذكية ومنح دعم مالي لأجهزة الترشيد.
5. حماية الشبكة بتخصيص جهاز أمني متخصص لمحاربة سرقة الأسلاك
المصادر:
الشركة العامة للكهرباء GECOL تقارير 2015، 2017، 2022، 2024
ديوان المحاسبة الليبي تقارير السنوات 2020، 2022، 2023
وكالة IRENA للطاقة المتجددة تقرير ليبيا 2024
الأمن الداخلي تقارير صادرة في 2023 بشأن تعدين البتكوين
تصريحات صحفية رسمية منشورة في وكالة الأنباء الليبية )وال( 2024
تقرير البنك الدولي حول البنية التحتية الليبية لعام 2009 )World Bank Libya Infrastructure Report 2009( أشار إلى:
قطاع الكهرباء في ليبيا يعاني من تهالك البنية الأساسية، واعتماد مفرط على مصادر تقليدية، مع محدودية التنويع، وانقطاع جزئي متكرر في فصلي الصيف والشتاء في بعض المناطق الشرقية والغربية، خصوصًا أثناء ذروة الطلب.