
وسط حرارة فصل الصيف اللاهبة، يتصدر الدلاع والبطيخ قائمة الفواكه التي يقبل عليها المستهلكون، لما توفره من انتعاشٍ وترطيبٍ للجسم.
لكن خلف هذه الفاكهة اللذيذة، تخفي الأسواق قصة أخرى قصة تلوث محتمل بمبيدات زراعية محظورة، أو تستخدم بجرعات مفرطة، وسط مؤشرات متزايدة على استخدام بعض المزارعين مبيدات زراعية ضارة، وغير مطابقة للمواصفات تُعرض صحة المستهلكين للخطر.
في ظل غياب رقابة شديدة ومنتظمة على جودة المنتجات الزراعية، وارتفاع وتيرة الاستيراد العشوائي للمبيدات وانخفاض الوعي بأساليب الزراعة الآمنة، يبرز خطر حقيقي يهدّد صحة المستهلكين للخضار والفاكهة الموسمية وعلى البيئة أيضًا، من تلوث غذائي مزمن إلى أعراض تسمم غذائي، خاصة بين الأطفال، وكبار السن بعد تناول بعض الخضار، والفواكه كـ)الدلاع والسلاطة(. هل تخضع المنتجات الزراعية في أسواق الخضار لتحاليل منتظمة للكشف عن بقايا المبيدات؟، وكيف أصبحت مائدة الليبيين ملوثة بسموم غير مرئية؟، والتحذيرات وحدها هل تكفي دون تدخل رسمي صارم؟.
هذا ما سنسلط الضوء عليه في هذا التحقيق الصحفي…
م. فوزي العريفي مدير فرع البحوث الزراعية المستدامة بمركز البحوث الزراعية ومقاومة الآفات قال لا تخضع المنتجات الزراعية في أسواق الخضار لتحاليل منتظمة للكشف عن بقايا المبيدات؛ حيث تعاني مراكز البحوث الزراعية من عدة مشكلات أهمها عدم الاستقرار الإداري فمرة يتم انضمامها إلى البيئة تم يتم فصلها عنها ثم يتم تغيير المسؤولين وتقاعد الخبراء الذين هم بمثابة بيوت خبرة في مجال المبيدات ومقاومة الآفات إضافة إلى أن الدولة وفرتْ أجهزة في معمل التحاليل عام 2000م ولم يتم تحديثها حسب تكنولوجيا العصر، ودون وضع في الحسبان العمر الافتراضي للأجهزة؛ فهي لا تجدى نفًعا مع تقادمها، وكذلك لا يوجد تدريب للمهندسين سواء داخل أو خارج البلاد، وعدم وجود مكافآت وحوافز ولا تأمين صحي حيث يتعرض المهندسون الزراعيون لخطر الإصابة المباشرة جراء استنشاق، أو ملامسة المبيدات للكشف عن مدى صلاحيتها.
وأكد العريفي أن مركز البحوث الزراعية جهة مستقلة يشرف عليها وزير الثروة الزراعية والحيوانية والصيد البحري، وأن المركز فيه خبراء وكفاءات من المهندسين الوطنيين لكن تنقصه الإمكانات المادية، وهي مهمة لتوفير أجهزة الفحص الحديثة والكشف عن نسبة بقاء المبيدات والأسمدة في النباتات الورقية، أو في فاكهة «الدلاع» .
وفي السياق ذاته قال : ما تم نشره في صفحات التواصل الاجتماعي عن تسمَّم حالات من أكل البطيخ، وأن به نسبة من المبيدات الخطرة يعد خبرًا مبالغ فيه، ويضر باقتصاد الوطني في زراعة البطيخ.
وأوضح قائلًا : يحدث أن الفلاح المصري قد يستخدم بالخطأ، أو قلة معرفته بالمبيدات الخطرة للقضاء على حشرة في النباتات الورقية، أو الثمار، أو زاد، أو نقص من نسبة معدل وضع الأسمدة، وإن كان هدفه الربح السريع لأجل إنتاج محصول زراعي قبل موسمه فهذا لا ينطبق على
كل الفلاحين في ليبيا تكون محصورة حالات التسمم في منطقة محدّدة وهنا يأتي دور الحرس البلدي والرقابة على الأغذية في المراقبة الدورية لما يباع في أسواق الخضار كما لا بد من توعية أصحاب المزارع في مراقبة الفلاحين، فالإنتاج الزراعي المستخدم فيه مبيدات غير صالحة للمواصفات، أو منتهية الصلاحية تهدّد صحة عائلات أصحاب الأرض، أو لا وشدد على ضرورة أن تهتم الحكومة بمراكز البحث العلمي وتشجع على الدراسات البحثية الحقلية وتوفر سيارات التنقل والتأمين الصحي، وتطور من كفاءة المهندسين الزراعيين من خلال دورات تدريب خارج البلاد للاطلاع على المعلومات الحديثة عن أنواع الأسمدة واستخداماتها وما تم التحذير منها وذلك لأجل ضمان توفير أكل صحي للمستهلك.
وفي سياق أخر قال م. مصطفى الدهماني مركز البحوث الزراعية طرابلس إن سبّب ارتفاع سعر البطيخ هو زيادة تكلفة النقل من مزارع الجنوب إلى مدن شمال ليبيا وكمتخصصي في مجال الزراعة لاحظنا ارتفاع أسعار الأسمدة، والمبيدات التي يحتاجها المزارعون لأجل إنتاج محصول من الفواكه كالدلاع، والخضار الورقية وغيرها.
وأكد أن للمكملات التي يستخدمها الفلاح في مزرعته تأثيرًا كبيرًا في زيادة سعر «الغلة» الزراعية، وكذلك استيراد سلعة «الدلاع» من البلد المجاور بكميات كبيرة من تونس، وبكميات قليلة من مصر ومع تدنٍ سعر الدينار مقابل الدينار التونسي الذي سببه ارتفاع الدولار في السوق الموازي سبَّب دفع المزارعين في ليبيا لزيادة الأسعار وقد سألتُ تاجرًا عن سعر كيلو الدلاع التونسي فأجاب 3.5دينار وطبيعي أن يزيد في السعر أيضًا الفلاح في ليبيا .
وقال م. هشام بشية مهتم بالشأن الزراعي : لا تخضع المنتجات الزراعية في أسواق طرابلس لمراقبة الأسعار التي تتأثر بسعر الدولار ولا لتحاليل منتظمة للكشف عن بقايا المبيدات أغلب تجار الخضار والفواكه يؤكدون أنهم يشترون منتجاتهم من أسواق الجملة أو المزارع مباشرة، دون شهادات تحليل موثقة.
وعلّل «بشية» سبَّب توفر بعض الأسمدة الخطرة على صحة المستهلك وعلى البيئة كقتل خلايا النحل والحشرات النافعة لتلقيح أزهار الأشجار المثمرة ولكن عندما تهدد حشرة محصول زراعي فإن المزارع يشتري مبيدات كيماوية غالباً ما تكون مهربة وهي أرخص بكثير من المستوردة رسميًا.
وبسبّب قلة التوعية المزارعين الذين لا يعرفون خطورة المبيدات غير المطابقة. كما تعاني أسواق الخضار من مشكلة ضعف الرقابة؛ حيث لا يوجد تفتيش دوري، أو تحاليل رسمية للمزرعة، وبسبب الطمع وجني ربح من خلال الإنتاج السريع يبحث المزارع على أسمدة ومبيدات رخيصة لضمان حصاد كبير في وقت قصير، فيلجأ لاستخدام قوي ومباشر للمبيدات.
وفي السياق ذاته قال إبراهيم شعبان أحد التجار في سوق باب بن غشير : لا توجد طريقة نعرف بها إذا كان البطيخ فيه مبيدات أو لا، وكتجار نعتمد على الشكل، والطعم أما المستهلك، فبعضهم يطلب اختبار شق الدلاع قبل شرائه، وآخرين يشترون بالحظ .
د. علاء قاسم آغا طبيب صحة عامة أشار إلى الأعراض الصحية المرتبطة بتناول فواكه أو خضار ملوثة بنسبة ضئيلة من المبيدات غير المطابقة للمواصفات مثل :
الخضار الورقية كـ)السلاطة(، أو حصاد الفاكهة قبل موعد جنى الثمار كـ)الدلاع( الذي يُباع في شهر «3» تؤثر مباشرةً على الكبد، والجهاز العصبي .
وأكد قاسم آغا وجود حالات تعاني من اسهال حاد، ودوخة بعد تناول الدلاع، وبعد الفحوصات لم نجد فيروسًا، والاحتمال الأكبر هو وجود مواد كيميائية زراعية في الفاكهة.
د.أشرف الفقهي رئيس قسم الجغرافيا أوضح أن مائدة الليبيين ملوثة بسموم غير مرئية.
وأشار إلى أن المسؤول عن حماية المستهلك الليبي من هذه مخاطر المبيدات التي يسيء الفلاح استخدامها، وتشكل خطرًا يهدّد صحة «الكبار والصغار» خاصة، مركز الرقابة على الأغذية، والأدوية وهو بدوره يواجه تحديات كبيرة، منها قلة الموارد، والمختبرات، وضعف التعاون مع الجهات الزراعية.
وأوضح أنّ المسؤولية لا تقع فقط على الدولة، بل تشمل المزارعين والتجار أيضًا وحذّر أن المبيد الذي يُستخدم قبل الحصاد مباشرة يعد خطرًا على صحة المستهلك، ولكن للأسف بعض المزارع تستعمله بكثرة لأن السوق يطلب حجمًا كبيرًا ومظهرًا مثاليًا.
ولا تكفي التحذيرات دون تدخل رسمي صارم من الحكومة، وقد اهتمتْ وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري، ومركز البحوث الزراعية بالتوعية من مخاطر المبيدات والأسمدة لكن بسبب المرحلة الانتقالية لدولة الليبية، والانقسام السياسي، واضطراب السوق المحلي، والمضاربة ومنافسة المنتجات الوطنية، وعدم ضبط الحدود بشكل محكم للقضاء على تهريب المبيدات الخطرة سمح باحتمال تزايد الأمراض السرطانية والأورام جراء المبيدات منتهية الصلاحية، أو سوء استخدامها أو غير المطابقة للموصفات .
وأكدت د.سامية ميلود تخصص هندسة زراعية أنّ استهلاك الفواكه مثل : الدلاع والبطيخ الملوثة بمبيدات خطرة لا يقتصر على أضرار مؤقتة، بل قد يؤدي إلى مضاعفات صحية مزمنة وخطيرة. وبينما يظل المواطن الحلقة الأضعف، تبقى الحاجة ملحّة لتشديد الرقابة، وتوعية المزارعين، وتحفيز الطلب على المنتجات الآمنة.
وأشارتْ إلى إمكانية تفادي خطر الإصابة بالأمراض من آثار المبيدات الكيماوية من خلال التخطيط لبرامج التوعية للمستهلكين في جميع وسائل الإعلام المتنوعة، وتهدف إلى تحسين الوعي حول سلامة الأغذية والمخاطر المرتبطة باستخدام المبيدات وهذه البرامج تشمل : )ورش العمل والمحاضرات( تنظمها مؤسسات التعليم العالي والمنظمات غير الحكومية؛ حيث يتم تقديم معلومات حول كيفية اختيار المنتجات الغذائية الآمنة. وحملات إعلامية تُطلقها وزارة الزراعة، أو منظمات المجتمع المدني لتوعية المستهلكين من مخاطر المبيدات وكيفية تقليل التعرّض لها. وتفعيل شراكات مع المزارعين تهدف توعية المزارعين والمستهلكين معًا حول الممارسات الزراعية الآمنة والتقنيات العضوية. ولا بد من استغلال فترة العطلة الصيفية لدى المسؤولين في التعليم بأن يجهزوا البرامج التعليمية في المدارس تشمل مناهج تعليمية حول «الغذاء الصحي»، و«سلامة الغذاء» مما يُسهم في بناء وعي مبكر لدى الأطفال، ولا بد من توفير ملصقات دعائية في المصائف والطرقات والأماكن العامة منها: لصحتكم وسلامة أطفالكم: ادعموا المنتجات المحلية المزروعة طبيعيًا، وابتعدوا عن الثمار «المنفوخة بالمبيدات».