الرئيسية

المحطة‭ ‬25

صالح‭ ‬قدر‭ ‬بوه

لا‭ ‬يختار‭ ‬أحد‭ ‬النزول‭ ‬في‭ ‬المحطة‭ ‬المقررة‭ ‬له،‭ ‬يمضي‭ ‬القطار‭ ‬ثم‭ ‬يسقط‭ ‬منه‭ ‬عمر‭ ‬أحدهم،‭ ‬حاكما‭ ‬أو‭ ‬رياضيا‭ ‬أو‭ ‬قاضيا‭ ‬أو‭ ‬معلما‭ ‬أو‭ ‬شاعرا‭ ‬أو‭ ‬إنسانا‭ ‬عاملا،‭ ‬هي‭ ‬توقف‭ ‬أخير‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬لكن‭ ‬القطار‭ ‬يظل‭ ‬يشق‭ ‬الدرب‭ ‬ولا‭ ‬يتوقف‭. ‬في‭ ‬المحطة‭ ‬25‭ ‬سقط‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬نعرفهم،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬سيظل‭ ‬يسقط‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬هذي‭ ‬المحطة،‭ ‬لكن‭ ‬الحياة‭ ‬تظل‭ ‬تتحرك‭ ‬قدما‭ ‬ويلبد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬النسيان‭.‬

وحدهها‭ ‬الآثار‭ ‬المتبقية‭ ‬من‭ ‬الراحلين‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬مرورهم،‭ ‬فلن‭ ‬يخلد‭ ‬الوجدان‭ ‬الناس‭ ‬لأن‭ ‬أصحاب‭ ‬الوجدان‭ ‬أيضا‭ ‬سيرحلون،‭ ‬وهي‭ ‬فكرة‭ ‬منطقية‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬مؤسفة‭ ‬وقاسية‭.‬

يفقد‭ ‬العالم‭ ‬العالم‭ ‬والفنان‭ ‬ولكنه‭ ‬يظل‭ ‬ينجب‭ ‬غيرهم،‭ ‬يخلق‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬يشاء،‭ ‬ومنهم‭ ‬ذوو‭ ‬العقل‭ ‬الثاقب‭ ‬وذوو‭ ‬الحس‭ ‬المرهف‭.‬

في‭ ‬بلادنا‭ ‬ليس‭ ‬هنالك‭ ‬قطار‭ ‬إلا‭ ‬قطار‭ ‬الحياة،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬أخبار‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬فارقوا‭ ‬الحياة،‭ ‬فيصبح‭ ‬موت‭ ‬أحد‭ ‬حدثا‭ ‬تراجيديا‭ ‬لكنه‭ ‬سريع‭ ‬التبخر‭ ‬ودرامي‭ ‬بشكل‭ ‬سطحي،‭ ‬بينما‭ ‬يتم‭ ‬عند‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭ ‬تقبل‭ ‬موت‭ ‬أحدهم‭ ‬والاعتبار‭ ‬بما‭ ‬فعل‭ ‬وترك،‭ ‬وفي‭ ‬بلادنا‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬أصلا‭ ‬للحياة‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬السلطة‭ ‬سواء‭ ‬سلطة‭ ‬الحكم‭ ‬أو‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬عدم‭ ‬بقاء‭ ‬أي‭ ‬حزن‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬بل‭ ‬يدهسه‭ ‬القطيع‭ ‬وهو‭ ‬يمر‭ ‬إلى‭ ‬المرعى‭.‬

مات‭ ‬فلان،‭ ‬ثم‭ ‬حملة‭ ‬من‭ ‬الإشادة‭ ‬والحسرة‭ ‬والتأسف‭ ‬تختفي‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬ويختفي‭ ‬ذلك‭ ‬الميت‭ ‬كله،‭ ‬ويعود‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬العصبية‭ ‬ومجاراة‭ ‬السائد‭ ‬والسخرية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدثه‭ ‬الغير‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تحكم‭ ‬المصلحة‭.‬

موت‭ ‬حي‭ ‬وسط‭ ‬بيئة‭ ‬موات‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬الاحتفال‭ ‬تنطفيء‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬لايك‭ ‬في‭ ‬فيسبوك‭ ‬أو‭ ‬هدف‭ ‬بالصدفة‭ ‬لفريق‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬العاشرة‭ ‬أو‭ ‬أكذوبة‭ ‬يطلقها‭ ‬فم‭ ‬السلطان‭ ‬أو‭ ‬انقطاع‭ ‬مستدام‭ ‬للكهرباء‭ ‬كما‭ ‬انقطع‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬في‭ ‬هذي‭ ‬البلاد‭ ‬ضوء‭ ‬الأحلام‭ ‬البسيطة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى