رأي

المغرب ومحمد الأشعري وعين الصواب

أمين مازن

لأسباب‭ ‬ليس‭ ‬خارجها‭ ‬التكاسل‭ ‬وحتى‭ ‬التقصير؛‭ ‬تأخرت‭ ‬عن‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الاحتفاء‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬مفرداته‭ ‬عديد‭ ‬المثقفين‭ ‬والكتاب‭ ‬العرب‭ ‬عامة‭ ‬والمغاربيين‭ ‬خاصة،‭ ‬حول‭ ‬الأديب‭ ‬والمثقف‭ ‬المغربي‭ ‬المعروف‭ ‬محمد‭ ‬الأشعري‭ ‬عبَّرتْ‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الفترات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جائزة،‭ ‬إن‭ ‬تكن‭ ‬‮«‬بوكر‮»‬‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬تصدرها،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الدلالة‭ ‬ما‭ ‬جسّد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬والتميز،‭ ‬فوجب‭ ‬مني‭ ‬الاعتذار‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التقصير‭ ‬الذي‭ ‬أدرك‭ ‬قبل‭ ‬غيري‭ ‬عدم‭ ‬انسجامه‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬أخذته‭ ‬على‭ ‬توجهي‭ ‬العام‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬قُدِّرَ‭ ‬لي‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬أتواصل‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬الجامع‭ ‬بين‭ ‬الخطوط‭ ‬الوطنية‭ ‬الفطرية‭ ‬والمواقف‭ ‬القومية‭ ‬المنصرفة‭ ‬بالضرورة‭ ‬نحو‭ ‬الأفاق‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تجلَّت‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬وطلائعه‭ ‬التقدمية‭ ‬التي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬جمعها‭ ‬اتحاد‭ ‬كُتاب‭ ‬المغرب‭ ‬عندما‭ ‬ظل‭ ‬دومًا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الشعبية‭ ‬العاملة‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬الثقافة‭ ‬بتجلياتها‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وممارساتها‭ ‬النضالية‭. ‬إنه‭ ‬التوجه‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬حافظت‭ ‬عليه‭ ‬وسائل‭ ‬النشر‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬ومجلات‭ ‬دونما‭ ‬استثناء‭ ‬إيمانًا‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬بأن‭ ‬الثوابت‭ ‬دائمًا‭ ‬أبقى‭ ‬من‭ ‬المتغيرات‭ ‬العارضة‭ ‬والسُلط‭ ‬القاصرة،‭ ‬وكان‭ ‬المثقفون‭ ‬الوطنيون‭ ‬بليبيا‭ ‬مدركين‭ ‬كل‭ ‬الإدراك‭ ‬لذلك‭ ‬وشديدي‭ ‬الاحترام‭ ‬له‭ ‬ويعملون‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬رعايته،‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬المواقف‭ ‬الرسمية‭ ‬السائدة،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المجال‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬خاصًا‭ ‬بالليبيين‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬متعلق‭ ‬بالمغرب‭ ‬في‭ ‬عمومه،‭ ‬فقد‭ ‬يحق‭ ‬لي‭ ‬السعي‭ ‬لكي‭ ‬أكون‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬احتفوا‭ ‬بما‭ ‬أُسبِغَ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المثقف‭ ‬الجاد‭ ‬والمبدع‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬الأشعري‭ ‬والذي‭ ‬قُدِّرَ‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬ألمس‭ ‬جديته‭ ‬وأصالته‭ ‬منذ‭ ‬اقترابي‭ ‬من‭ ‬اتحاد‭ ‬كُتاب‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬عرفت‭ ‬الأشعري‭ ‬مضطلعًا‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الثقافية‭ ‬ضمن‭ ‬اللجنة‭ ‬القيادية‭ ‬لاتحاد‭ ‬كُتاب‭ ‬المغرب‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬اليابوري‭ ‬ومساعدة‭ ‬مبارك‭ ‬ربيع،‭ ‬واستمر‭ ‬الأشعري‭ ‬في‭ ‬محافظته‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬العلاقات‭ ‬دون‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الثوابت‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬بالكُتاب‭ ‬عامة‭ ‬وبه‭ ‬خاصة،‭ ‬وبقى‭ ‬الأشعري‭ ‬مثالًا‭ ‬للتمسك‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثقافي‭ ‬سواء‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬موقعه‭ ‬ذاك،‭ ‬أو‭ ‬يتقدم‭ ‬رئاسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬أو‭ ‬يزداد‭ ‬بروزًا‭ ‬بحمل‭ ‬حقيبة‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬وبعده،‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬حيث‭ ‬مقاله‭ ‬اليومي‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬عين‭ ‬الصواب‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬فيه‭ ‬مثالًا‭ ‬جيدًا‭ ‬لمن‭ ‬يكتب‭ ‬المقالة‭ ‬الجامعة‭ ‬بين‭ ‬حسن‭ ‬الصياغة‭ ‬ووضوح‭ ‬الرؤية،‭ ‬أو‭ ‬بكلمة‭ ‬جامعة‭ ‬تحقق‭ ‬المستوى‭ ‬المهني‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬التبليغ‭. ‬لقد‭ ‬أدى‭ ‬الأشعري‭ ‬ما‭ ‬أُسنِدَ‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مقدرة‭ ‬ملحوظة‭ ‬ولم‭ ‬يتخل‭ ‬عن‭ ‬خصوصيته‭ ‬إن‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة،‭ ‬أو‭ ‬حاملًا‭ ‬حقيبة‭ ‬وزارية،‭ ‬أو‭ ‬عائدًا‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬فالتحية‭ ‬كل‭ ‬التحية،‭ ‬لمحمد‭ ‬الأشعري‭ ‬المثقف‭ ‬والمناضل‭ ‬والمبدع،‭ ‬وليثق‭ ‬الذين‭ ‬كرموه‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬فعلوا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منصف‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ -‬إلا‭ ‬نادرًا‭- ‬لما‭ ‬هو‭ ‬عين‭ ‬الصواب‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى