قبل التنويه على الجهود السابقة المبذولة في دراسة التراث الشعبي ونقده وتقديمه للمتلقي في صورة من التقريب والفحص .. يجدر بي أن أشير إلى تنوع المادة التراثية الموروث العام الفكري منه والمادي الذي يدل ويستدل بالنمط الفكري والثقافي لعصره على السيمة والهوية الثقافية العامة والخاصة، فنجد أننا نقف أمام موروث عام يخص الهوية العرقية وموروث خاص يخصنا داخل الثيمة العامة تماماً كمعنى القبيلة بمجملها وشمولها لمكوناتها ومعنى الأسرة بخصوصيتها داخل القبيلة أو فلنقل الشعب داخل الشعوب أو ليبيا داخل الموروث العربي العام بهويتيه من قبل الاسلام وبعده .
وحتى لايتسع المقال بنا ونضيع الإبرة فإنني أعني أننا مجتمع داخل مجتمع الأمر الذي نكتسب من خلاله صفات مشتركة وصفات أخرى نتميز بها عن غيرنا في دلالاتها وتنوعها .
لكن تفسير النصوص والتراث يختلف لإرتكازه على إختلاف الوعي والفهم ومن هنا يحصل التنوع والزخم الثقافي والجدل المثير لامعرفة . وضرورة الإختلاف لاتؤكد الخلاف إلا في أشد الخالات ضيقاً والتي تشكل في حال حدوثها أزمة فكرية ومأزق قد يستفاد منه في حال تأكد سلوك كل مفسر لطريق المعرفة لاطريق الدفاع عن الفكرة فالأفكار تتجدد وتتطور وهي في حالة تشكل مستمر لكن صاخب الفكرة هو من يصر عليها كونه مازال تحت سيطرتها وطوع أمرها وليس العكس وهنا يكون الحوار أو التفسير فاقدا لآلياته التى تحكمه ولايحكمها وتملكه ولايملكها وتسيطر عليه ولايسيطر عليها .
الداع لكل هذا الإلتفاف هو التذكير بأننا قدام تنوع تراثي هائل وإرث عظيم به مابه من كنوز المعرفة والأخلاق والخبرة وكذلك القداسة .
ولقد أشرت لأمنيتي في تناول هذا الموروث بعيدا عن الجمود الأكاديمي ليس إستنقاصاً للأكاديميات والتخصص بقدر ماهو الابتعاد عن تنميط البحوث وقولبتها بشكل جامد متفق عليها وتطويعها حاهزية قدلاتنفع المادة التراثية بقدر ماتشوهها دونما رحمة الأنر الذي ينفر المتلقين والمهتمين منها أصلا ويحعلها تخصصا أصيلا لاينبغي لغير (أهل الذكر) الخوض فيه كما هو الحال في جزئية التراث الديني الأمر الذي أدى الى التشظي والإنقسام وخلق جماعات فكرية تكرس الإنقسام بدلاً عن الإلتحام والتفريق بدلا عن التجميع .
لدينا تراث فكري وأدبي وديني وأعراف وعادات وتقاليد وشعر شعبي وأساطير وتاريخ يمتد لعشرات الالاف من السنين ولدينا الفن والمثل الصناعات الشعبية والحكايات والزخم الحي الخقيقي الذي يتخلق ويتجدد ويؤكد حضوره ومواكبته لكل جديد سواء أكان سياسياً أو علميا أو ثقافيا أو احتماعيا .. لدينا تربة خصبة لتنمية الوعي الجمعي من خلال تأصيل الهوية التراثية وفرضها وسط المحتمعات الدولية ولدينا أيضاً المعركة الضرورية واللازمة لفرض وجودنا بين الشعوب خصوصا ونحن في عصر البيت الواحد والانترنت .
وعلينا أن ننظر للأمر بعين الإعتبار والأهمية حرصاً على أجيالنا القادمة وتمهيدا لهم حتى يجدوا الارضية التي من خلالها يبدأ انطلاقهم نحو حلم الأجداد الذي تحققه الأحفاد .
وليكن تعاون مشترك بين الجهات المعنية بالتاريخ الليبي والتراثي وبين المهتمين بهذا الحقل من أجل الحفاظ على ماتبقى من هوية تكاد تندثر وسط العالم الأزرق تذوب في الضباب .