رأيرتوش

الموروث الشعبي والهوية المفقودة 2

معمر سلام

قبل‭ ‬التنويه‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬السابقة‭ ‬المبذولة‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬ونقده‭ ‬وتقديمه‭ ‬للمتلقي‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬التقريب‭ ‬والفحص‭ .. ‬يجدر‭ ‬بي‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬تنوع‭ ‬المادة‭ ‬التراثية‭ ‬الموروث‭ ‬العام‭ ‬الفكري‭ ‬منه‭ ‬والمادي‭ ‬الذي‭ ‬يدل‭ ‬ويستدل‭ ‬بالنمط‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬لعصره‭ ‬على‭ ‬السيمة‭ ‬والهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬فنجد‭ ‬أننا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬موروث‭ ‬عام‭ ‬يخص‭ ‬الهوية‭ ‬العرقية‭ ‬وموروث‭ ‬خاص‭ ‬يخصنا‭ ‬داخل‭ ‬الثيمة‭ ‬العامة‭ ‬تماماً‭ ‬كمعنى‭ ‬القبيلة‭ ‬بمجملها‭ ‬وشمولها‭ ‬لمكوناتها‭ ‬ومعنى‭ ‬الأسرة‭ ‬بخصوصيتها‭ ‬داخل‭ ‬القبيلة‭ ‬أو‭ ‬فلنقل‭ ‬الشعب‭ ‬داخل‭ ‬الشعوب‭ ‬أو‭ ‬ليبيا‭ ‬داخل‭ ‬الموروث‭ ‬العربي‭ ‬العام‭ ‬بهويتيه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاسلام‭ ‬وبعده‭ . ‬

وحتى‭ ‬لايتسع‭ ‬المقال‭ ‬بنا‭ ‬ونضيع‭ ‬الإبرة‭ ‬فإنني‭ ‬أعني‭ ‬أننا‭ ‬مجتمع‭ ‬داخل‭ ‬مجتمع‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬نكتسب‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬صفات‭ ‬مشتركة‭ ‬وصفات‭ ‬أخرى‭ ‬نتميز‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬غيرنا‭ ‬في‭ ‬دلالاتها‭ ‬وتنوعها‭ .‬

لكن‭ ‬تفسير‭ ‬النصوص‭ ‬والتراث‭ ‬يختلف‭ ‬لإرتكازه‭ ‬على‭ ‬إختلاف‭ ‬الوعي‭ ‬والفهم‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يحصل‭ ‬التنوع‭ ‬والزخم‭ ‬الثقافي‭ ‬والجدل‭ ‬المثير‭ ‬لامعرفة‭ . ‬وضرورة‭ ‬الإختلاف‭ ‬لاتؤكد‭ ‬الخلاف‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الخالات‭ ‬ضيقاً‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوثها‭ ‬أزمة‭ ‬فكرية‭ ‬ومأزق‭ ‬قد‭ ‬يستفاد‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تأكد‭ ‬سلوك‭ ‬كل‭ ‬مفسر‭ ‬لطريق‭ ‬المعرفة‭ ‬لاطريق‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭ ‬فالأفكار‭ ‬تتجدد‭ ‬وتتطور‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تشكل‭ ‬مستمر‭ ‬لكن‭ ‬صاخب‭ ‬الفكرة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يصر‭ ‬عليها‭ ‬كونه‭ ‬مازال‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتها‭ ‬وطوع‭ ‬أمرها‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭ ‬وهنا‭ ‬يكون‭ ‬الحوار‭ ‬أو‭ ‬التفسير‭ ‬فاقدا‭ ‬لآلياته‭ ‬التى‭ ‬تحكمه‭ ‬ولايحكمها‭ ‬وتملكه‭ ‬ولايملكها‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليه‭ ‬ولايسيطر‭ ‬عليها‭ .‬

الداع‭ ‬لكل‭ ‬هذا‭ ‬الإلتفاف‭ ‬هو‭ ‬التذكير‭ ‬بأننا‭ ‬قدام‭ ‬تنوع‭ ‬تراثي‭ ‬هائل‭ ‬وإرث‭ ‬عظيم‭ ‬به‭ ‬مابه‭ ‬من‭ ‬كنوز‭ ‬المعرفة‭ ‬والأخلاق‭ ‬والخبرة‭ ‬وكذلك‭ ‬القداسة‭ .‬

ولقد‭ ‬أشرت‭ ‬لأمنيتي‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الجمود‭ ‬الأكاديمي‭ ‬ليس‭ ‬إستنقاصاً‭ ‬للأكاديميات‭ ‬والتخصص‭ ‬بقدر‭ ‬ماهو‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬تنميط‭ ‬البحوث‭ ‬وقولبتها‭ ‬بشكل‭ ‬جامد‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬وتطويعها‭ ‬حاهزية‭ ‬قدلاتنفع‭ ‬المادة‭ ‬التراثية‭ ‬بقدر‭ ‬ماتشوهها‭ ‬دونما‭ ‬رحمة‭ ‬الأنر‭ ‬الذي‭ ‬ينفر‭ ‬المتلقين‭ ‬والمهتمين‭ ‬منها‭ ‬أصلا‭ ‬ويحعلها‭ ‬تخصصا‭ ‬أصيلا‭ ‬لاينبغي‭ ‬لغير‭ (‬أهل‭ ‬الذكر‭) ‬الخوض‭ ‬فيه‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬جزئية‭ ‬التراث‭ ‬الديني‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬التشظي‭ ‬والإنقسام‭ ‬وخلق‭ ‬جماعات‭ ‬فكرية‭ ‬تكرس‭ ‬الإنقسام‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬الإلتحام‭ ‬والتفريق‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬التجميع‭ .‬

لدينا‭ ‬تراث‭ ‬فكري‭ ‬وأدبي‭ ‬وديني‭ ‬وأعراف‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬وشعر‭ ‬شعبي‭ ‬وأساطير‭ ‬وتاريخ‭ ‬يمتد‭ ‬لعشرات‭ ‬الالاف‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬ولدينا‭ ‬الفن‭ ‬والمثل‭ ‬الصناعات‭ ‬الشعبية‭ ‬والحكايات‭ ‬والزخم‭ ‬الحي‭ ‬الخقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يتخلق‭ ‬ويتجدد‭ ‬ويؤكد‭ ‬حضوره‭ ‬ومواكبته‭ ‬لكل‭ ‬جديد‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬سياسياً‭ ‬أو‭ ‬علميا‭ ‬أو‭ ‬ثقافيا‭ ‬أو‭ ‬احتماعيا‭ .. ‬لدينا‭ ‬تربة‭ ‬خصبة‭ ‬لتنمية‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأصيل‭ ‬الهوية‭ ‬التراثية‭ ‬وفرضها‭ ‬وسط‭ ‬المحتمعات‭ ‬الدولية‭ ‬ولدينا‭ ‬أيضاً‭ ‬المعركة‭ ‬الضرورية‭ ‬واللازمة‭ ‬لفرض‭ ‬وجودنا‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬خصوصا‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬البيت‭ ‬الواحد‭ ‬والانترنت‭ . ‬

وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬للأمر‭ ‬بعين‭ ‬الإعتبار‭ ‬والأهمية‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬أجيالنا‭ ‬القادمة‭ ‬وتمهيدا‭ ‬لهم‭ ‬حتى‭ ‬يجدوا‭ ‬الارضية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يبدأ‭ ‬انطلاقهم‭ ‬نحو‭ ‬حلم‭ ‬الأجداد‭ ‬الذي‭ ‬تحققه‭ ‬الأحفاد‭ .‬

وليكن‭ ‬تعاون‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الليبي‭ ‬والتراثي‭ ‬وبين‭ ‬المهتمين‭ ‬بهذا‭ ‬الحقل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ماتبقى‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬تكاد‭ ‬تندثر‭ ‬وسط‭ ‬العالم‭ ‬الأزرق‮ ‬‭ ‬تذوب‭ ‬في‭ ‬الضباب‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى