رأي

المِتلوّْي‭ ‬وشعابنية‭ ‬وشغاف‭ ‬القلب

أمين‭ ‬مازن

قَيْضَت‭ ‬لي‭ ‬الصُدف‭ ‬التي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬خيرا‭ ‬من‭ ‬المواعيد‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬أن‭ ‬أعلم‭ ‬عبرا‭ ‬مجموعة‭ ‬صحف‭ ‬الأسبوع‭ ‬التي‭ ‬نَشرت‭ ‬إحداها‭ ‬المتابعة‭ ‬الخاصة‭ ‬بمهرجان‭ ‬الشعر‭ ‬الوطني‭ ‬التونسي‭ ‬بمدينة‭ ‬المِتلوّْي‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬قفصة‭ ‬التونسية،‭ ‬رحيل‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬عمار‭ ‬شعابنية‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسي‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬ومسيريه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬استدعيت‭ ‬عقب‭ ‬لحظات‭ ‬الصدمة‭ ‬والترحم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬والإنسان‭ ‬كما‭ ‬عنون‭ ‬أبناء‭ ‬المِتلوّْي‭ ‬دورة‭ ‬المهرجان‭ ‬والذي‭ ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬الفقيد‭ ‬العزيز‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬دعاني‭ ‬لأول‭ ‬دورة‭ ‬تلت‭ ‬غياب‭ ‬نظامي‭ ‬الفاتح‭ ‬ونوڤمبر‭ ‬والذي‭ ‬اعتذرت‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬حضوره‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬تلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬جمعت‭ ‬بيننا‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المناشط‭ ‬الثقافية‭ ‬التونسية‭  ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬عنها‭ ‬عادة‭ ‬شعابنية‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬المنجميين‭ ‬بتونس،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬مثار‭ ‬ما‭ ‬ساهمت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬عن‭ ‬تونس‭ ‬عبر‭ ‬اتحادهم‭ ‬العتيد‭ ‬والذي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬وجدنا‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬إبطال‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬إقصاء‭ ‬سعى‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬قصيري‭ ‬النظر‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬مرة‭. ‬إنه‭ ‬الإقصاء‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أقاومه‭ ‬لشخصي‭ ‬وإنما‭ ‬شمل‭ ‬غيري‭ ‬ممن‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬المواقف‭ ‬الوطنية‭ ‬المميزة‭ ‬والنصوص‭ ‬الإبداعية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬أذكر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثل‭ ‬إحدى‭ ‬دورات‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬باسم‭ ‬أدباء‭ ‬ليبيا‭ ‬الشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬السنوسي‭ ‬حبيب‭ ‬والمثقف‭ ‬النقابي‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬الماقِنّي‭ ‬أمد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمره‭ ‬ومتعه‭ ‬بالصحة‭ ‬والسعادة،‭ ‬تلك‭ ‬المشاركة‭ ‬التي‭ ‬كانا‭ ‬فيها‭ ‬شأن‭ ‬نظرائهما‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الوطنيين‭ ‬شديدي‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الوجه‭ ‬المضيء‭ ‬لمواساتنا‭ ‬وقدرة‭ ‬المسيرين‭ ‬الجادين‭ ‬على‭ ‬استثمار‭ ‬الهامش‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬الوجه‭ ‬المشرق،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يبيح‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬أن‭ ‬أكشف‭ ‬سر‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬النصوص‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬دافعها‭ ‬القوي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مَرَدُّه‭ ‬إلى‭ ‬تفادي‭ ‬ما‭ ‬يتطوع‭ ‬به‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الرصد‭ ‬غير‭ ‬البريء‭ ‬لأي‭ ‬مضمون‭ ‬لا‭ ‬يوائم‭ ‬كثيرا‭ ‬المطروح،‭ ‬إنه‭ ‬المضمون‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬التنبه‭ ‬إليه‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات‭ ‬ورحيل‭ ‬الشاعر‭ ‬علي‭ ‬الرقيعي‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬مرور‭ ‬مروع‭ ‬رصده‭ ‬بعض‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تزدهم‭ ‬المسؤولية‭ ‬إلا‭ ‬انغلاقا‭ ‬مما‭ ‬حدا‭ ‬بالآخرين‭ ‬أن‭ ‬يقابلوهم‭ ‬بما‭ ‬بدأوا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬أضعافا‭ ‬مضاعفة،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬المتاح‭ ‬فيشارك‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬ولا‭ ‬يتبرع‭ ‬بالتحفظ،‭ ‬فكان‭ ‬ربح‭ ‬الرهان‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬تونس‭ ‬وبالأحرى‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬السقف‭ ‬وتوسيع‭ ‬الهامش،‭ ‬وحسبي‭ ‬أن‭ ‬أُشير‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬كُتِبَ‭ ‬ونُشِرَ‭ ‬نتاج‭ ‬قراءة‭ ‬النصوص‭ ‬في‭ ‬دواوينها‭ ‬وليس‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬منتجيها‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬إذ‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬ملتقيات‭ ‬محددة‭ ‬أشهرها‭ ‬بن‭ ‬رشيق،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الليبي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الحماس‭ ‬للمطروح‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬تقديمه‭ ‬للمتلقي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الملتقيات‭ ‬وأشهرها‭ ‬ما‭ ‬تناولت‭ ‬فيه‭ ‬أدب‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬القويري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجربة‭ ‬المصرية‭ ‬وخصوصيتها‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬ليبيا،‭ ‬أما‭ ‬بعض‭ ‬الأحاديث‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬مع‭ ‬صحف‭ ‬الصباح‭ ‬والوحدة‭ ‬الشعبية‭ ‬والصريح‭ ‬عقب‭ ‬التسعينيات‭ ‬فكان‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬مؤهلة‭ ‬لإعطائها‭ ‬ما‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬الإنصاف،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬شبكة‭ ‬المعلومات‭ ‬الدولية‭ ‬لم‭ ‬تغفل‭ ‬توثيق‭ ‬أي‭ ‬حديث‭ ‬أو‭ ‬مقال‭ ‬يُنشَر‭ ‬ورقيا‭ ‬أو‭ ‬يُبَثُ‭ ‬صوتا‭ ‬وويل‭ ‬لمن‭ ‬يدور‭ ‬بخلده‭ ‬إمكانية‭ ‬التنصّل‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حرف‭ ‬يُكتَب‭ ‬أو‭ ‬صوت‭ ‬يُسَجَّل،‭ ‬ولن‭ ‬يظلم‭ ‬التاريخ‭ ‬أحدا،‭ ‬ولن‭ ‬تطرد‭ ‬شِغاف‭ ‬من‭ ‬سكنها‭ ‬كمحمد‭ ‬شعابنية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى